تفاصيل قانون دمج صندوق "كنوبس" مع "الضمان الاجتماعي"    المدير العام لوكالة التنمية الفرنسية في زيارة إلى العيون والداخلة لإطلاق استثمارات في الصحراء المغربية    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    ترامب يعلن تعيين رئيسة حملته الانتخابية في منصب كبيرة موظفي البيت الأبيض    هذا ما حدث لمشجعين إسر ائيليين بعد انتهاء مباراة في كرة القدم بأمستردام        خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    "الخارجية" تعلن استراتيجية 2025 من أجل "دبلوماسية استباقية"... 7 محاور و5 إمكانات متاحة (تقرير)    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    عودة جاريد كوشنر إلى البيت الأبيض.. صهر كوشنير الذي قد يسعى إلى الإغلاق النهائي لملف الصحراء المغربية    الانتخابات الأمريكية.. لماذا مُنيت كامالا هاريس بهزيمة مدوية؟    بالفيديو: يوسف النصيري يهز شباك ألكمار بهدف رائع في "اليوروباليغ"    هذه لائحة 26 لاعبا الذين استدعاهم الركراكي لمباراتي الغابون وليسوتو    الكعبي يشعل المدرجات بهدف رائع أمام رينجرز في "اليوروباليغ" (فيديو)    بالأغلبية.. انتخاب المغرب لتولي منصب نائب رئيس منظمة الأنتربول    خطاب المسيرة الخضراء يكشف الصورة الحقيقية لخصوم الوحدة الترابية    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    طقس الجمعة: أمطار وانخفاض تدريجي في درجات الحرارة    تفاصيل بلاغ جديد من القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    الشبري نائبا لرئيس الجمع العام السنوي لإيكوموس في البرازيل    ترامب حقق نصراً كبيراً، وهاريس تقرّ بخسارتها، فكيف كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    المدير العام لإدارة السجون يلوح بالاستقالة بعد "إهانته" في اجتماع بالبرلمان    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    جمعية المحامين ترحب بالوساطة للحوار‬    طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    المغرب يمنح الضوء الأخضر للبرازيل لتصدير زيت الزيتون في ظل أزمة إنتاج محلية    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"        إحصاء سكان إقليم الجديدة حسب كل جماعة.. اليكم اللائحة الكاملة ل27 جماعة    هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    المغرب يعتمد إصلاحات شاملة في أنظمة التأمين الصحي الإجباري    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    ‬‮«‬بسيكوجغرافيا‮»‬ ‬المنفذ ‬إلى ‬الأطلسي‮:‬ ‬بين ‬الجغرافيا ‬السياسية ‬والتحليل ‬النفسي‮!‬    الخطاب الملكي: خارطة طريق لتعزيز دور الجالية في التنمية الاقتصادية    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية        خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علمانيتك طريقك إلى النفاق
نشر في هسبريس يوم 10 - 12 - 2012


حقيقة معركتنا داخلية.
لقد اشتدت اليوم بفعل عدة عوامل غربة الإسلام وعاد كما بدأ, ومن أبلغ مظاهر هذه الغربة غياب المفهوم الصحيح للإسلام بين أهله, حيث تداخلت الأفكار, واختلطت الصفوف, واختلت الموازين, وضاعت المعايير, وبات الإسلام بين غالب أهله إما انتماء مجردا لا يصحبه عمل صالح, أو قوما آباؤهم مسلمون, أو شهادة ميلاد تشهد لصاحبها بالانتماء إلى وطن دينه الرسمي الإسلام. إلى أن أضحى مستعصيا تصور وجود نفاق ومنافقين بين ظهراني المسلمين, وكأن النفاق حدث تاريخي ومرحلة زمنية مرت وانتهت ومضت. بل صار من غير الممكن تمييز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب الذي يتظاهر بالإسلام نفاقا. وهذا لاريب, فيه خطر عظيم وخلل جسيم يهدد الأمة الإسلامية في سلامة كيانها وتماسك صفها ووحدة إرادتها.
ولقد أثبتت الوقائع والأحداث ما كان للمنافقين من دور خطير عبر التاريخ الإسلامي منذ مرحلة تمكين المسلمين وبناء دولتهم في المدينة المنورة. الشيء الذي يكشف سر اهتمام القرآن الكريم في تحذيره البالغ للمسلمين, وبيانه سمات المنافقين وأوصافهم, وكشفه عن طبعهم وطبيعتهم ومظاهر سلوكهم وملامحهم وما يمكنهم فعله. بل وما فعلوه داخل الصف الإسلامي من زعزعة النفوس, وخلخلة العقول بفعل دسائسهم وتشكيكاتهم, { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم, ولو نشاء لأريناكهم، فلعرفتهم بسيماهم، ولتعرفنهم في لحن القول، والله يعلم أعمالكم }(1). ويقول عز وجل: { وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون }(2), ويقول:{ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون}(3).
إنها صفات لازمة لأهل النفاق في كل زمان وفي كل مكان, فالنفاق هو النفاق, بحكم تشابه الطبع والحقيقة والمصلحة والهدف, وإنما الذي يتبدل ويتغير هم الأشخاص والوسائل والأشكال والأسماء, وذلك بحسب تبدل مستجدات كل عصر ومتطلباته. لكن الأخطر هو أن النفاق في ما مضى كان سلوكا فرديا, أما في هذا الزمان فالذين يمثلونه يقدمونه في صورة مشروع عمل مؤسساتي منظم.
من مظاهر النفاق في العصر الحديث.
إن الولاء العقدي عند المسلمين فوق كل ولاء, والإسلام يمانع من تمييع المفاصلة بالمجاملة على حساب العقيدة, مصداقا لقول الله تعالى: { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب }(5). وإن الأمة الإسلامية لهي في أشد الحاجة اليوم إلى إعادة النظر والتأمل في كتاب ربها أكثر من أي يوم آخر, حتى تستشف من تلك البيانات والتحذيرات ما يكشف لها عن أعدائها الحقيقيين, وذلك بحسب الذي بين هؤلاء في زماننا, وبين أولئك في زمان نزول الوحي من تشابه في الصفات والسمات وما بينهما من قواسم مشتركة, كمثل أنهم دائما وأبدا { يسارعون في الإثم والعدوان} وأنهم { يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف }.
ولقد ظلت الأمة الإسلامية ردحا من الدهر, تتخبط تائهة شاردة مضطربة في ظلماء الأفكار الوضعية, يقودها الهلاك إلى سراب حيث لا نجاة. وذلك بفعل تمييع المفاصلة بين كل ما هو إسلامي وبين كل ما هو علماني. تمييع المفاصلة بين المسلم الذي يتخذ الإسلام دينا ومنهجا للحياة؛ في أخلاقه في سلوكه في تصوراته في سياسته في اقتصاده, وبين الذي يتسمى مسلما ويزعم أنه مسلم وهو ينبذ الدين باسم العلمانية أو تحت أي مسمى آخر؛ كالليبرالية والإشتراكية والتقدمية, ويطالب علنا بعزل سلطان الإسلام عن تنظيم حياة المسلمين, ولا يريد أن يتحاكم إلى شريعة الله, وذلك لكون شرائعه - في نظره - لا تناسب الحضارة. ويرى الزنا واللواط والسحاق وشيوع الفساد وانتشار الرذيلة وفشو العري من الحريات الفردية التي لا حق للدين في تقييدها ومنع أصحابها.
ألا يصدق على مثل هؤلاء وصف الله لأولئك أنهم { يسارعون في الإثم والعدوان }, وأنهم { يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف }؟!!
يا سبحان الله! إن العلمانيين يأبون إلا كشف أنفسهم!
ومن طرائف الأقوال, قول الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان لمخاطبه:" المنافقون الذين فيكم شر من الذين كانوا على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -, إن أولئك يسرون نفاقهم وإن هؤلاء أعلنوه ".
فإذا كان هذا هو حال منافقي من خاطبه حذيفة بن اليمان في ذاك الزمان, فما هو حال واقع منافقي زماننا؟
إنهم بلا شك شر من أولئك, فإنه إن كان أولئك بفعل تباعد الزمان أعلنوه, فإن هؤلاء في زماننا بفعل تجدد الوسائل نظموه. فإنهم يقدمونه تارة في صورة تنظيمات وأحزاب وأجهزة ومؤسسات وجمعيات حقوقية أو ثقافية وجرائد ومجلات وقنوات فضائية ومواقع إليكترونية, وتارة أخرى في صورة مذاهب فكرية, وتارة ثالثة في صورة أطر وشخصيات.
وإن الوقائع والأحداث لتأكد بجلاء دون تعسف أو تكلف, أن نفاق العلمانيين اليوم لا يفترق في مضمونه ومدلوله عن نفاق الأمس, والذي هو في أوضح صوره دعوتهم إلى عقيدة فصل الدين عن الحياة, بدعوى « أن الدين عقيدة ولا علاقة له بالنظام العام لحياة الإنسان».
بل لا زالت الآيات تكشف في تشخيص معجز حال علمانيي زماننا, وكأن الأمر حاضر. وذلك كما في قوله تعالى :{ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً. وإذا قيل لهم : تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول، رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً, فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم، ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً}(6). فالله سبحانه يصف حالهم حين يُدعون إلى شريعة الله. هم قوم يزعمون أنهم مسلمون, ثم هم لا يريدون الإسلام { وإذا قيل لهم : تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول، رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً }.
فيا لله العجب وهل يتحاكم المرء إلا إلى ما يؤمن به؟!!!
وهل يعقل أن يكون الرأسمالي رأسماليا وهو لا يؤمن بالنظام الرأسمالي ؟!
وهل يكون الشيوعي شيوعيا وهو يرفض مبادئ الشيوعية؟!
فهل من رجل رشيد؟ وهل من عاقل يستطيع أن يخبرنا كيف يكون العلماني مسلما وهو ينبذ أحكام الإسلام ويرفض شرائعه؟!!!
فإن كان هذا ممكنا فمعنى ذلك أنه من الممكن أن يكون المسلم علمانيا وهو يدعو إلى تطبيق الشريعة, وإلى سمو أحكام الإسلام على كل الأحكام الوضعية؟!!
وهذا مستحيل، لأنه يعني اجتماع الأضداد. إذ كيف يمكن أن يجتمع رفض أحكام الإسلام والدعوة إلى تطبيق أحكامه في شخص واحد؟!!
كيف يمكن أن يكون العلمانيون مسلمين وهم يطالبون بإلغاء قانون منع بيع الخمور, ويطالبون بالسماح بأكل أيام رمضان نهارا جهارا, ويدعون إلى سن قوانين تتسامح مع الشذوذ الجنسي, وأخرى ترفع كل القيود عن الزنا إلا ما كان عن عنف واغتصاب, ويعترضون على تحريم الربا, وعلى نظام الإرث في الإسلام, بل على أغلب تشريعاته وأحكامه سواء كانت سياسة أو اقتصادية أو قضائية أو أخلاقية أو أسرية, ومع هذا كله يزعمون - بما لا قيمة لزعمهم – أنهم مسلمون, الشيء الذي يكذبه واقع رفضهم وعدم تسليمهم لشرع الله. فلا عبرة بكلمات حولها أدلة وقرائن تشهد بالكذب والنفاق.
إن هذه بديهات لا تحتاج إلى عقل يحكم على بطلانها. فأين ذهب عقلكم، وأين ضاع منطقكم؟
إن تصنيف القرآن للناس حسب الإيمان أو الكفر أو النفاق, لم يكن من قبيل التحذيرات الوهمية أو التهويلات العبثية, كما لم يكن ذا صبغة تاريخية حبيسة زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعد لها مسوغ بفعل التقادم. إنها سنة الله في تمييز الأصيل من الدخيل, وتمحيص الصفوف, وتصنيف أخلاط الأفكار, وتصفية العقيدة من كل الشوائب التي قد تعلق بها, حتى يبدو دينه الذي ارتضاه لعباده واضحا جليا للعيان من غير التباس أو غموض. وتستبين سبيل المجرمين، ويتضح الحق ويشهر الباطل، ويرتفع الغبش وتزول الشبهة, فلا ينفع حينئذ تلبيس ماكر أو اعتذار كاذب, وتتحقق البراءة من الذين يرفضون شرعه ويجحدون شريعته, فتعلن المواقف دون تحرج أو خجل أو خوف تهمة. حيث لا خلاص وعوامل التدمير تعمل من داخل كيان الأمة وتنخر جسمها, وصدق الله العظيم القائل { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا و لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة }(6).
(1) سورة محمد الآية 29/30
(2) سورة المائدة الآية 62.
(3) سورة التوبة الآية 67.
(4) سورة آل عمران الآية 179
(5) سورة النساء الآية 60-61.
(6) سورة التوبة الآية 47.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.