"آس بين الناس في مجلسك وفى وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك " من رسالة عمر إلى القضاء احتضن قصر المؤتمرات بفاس يومي 28و29 نوفمبر 2012 ندوة وطنية حول موضوع "مقاربة النوع الاجتماعي وإصلاح القضاء"، كان الهدف منها هو مقاربة موضوع إصلاح القضاء من زاوية النوع من خلال جمع تصورات مختلف الفاعلين في هذا المجال، سواء الأساتذة الجامعيين، القضاة، المحامين، وزارة العدل، جمعيات المجتمع المدني وطلبة الحقوق. كل هؤلاء قدموا مداخلات في الموضوع كل حسب رؤيته واختصاصه. بيد أن أغلب هذه المداخلات ركزت على مقاربة النوع من زاوية الجنس التي تهدف لمساواة المرأة بالرجل. هذه النظرة الضيقة، مردها إلى الطريقة البراغماتية التي تتعامل بها جمعيات المجتمع المدني خاصة النسائية منها كما جاء على لسان أحد السادة المحامين المتدخلين في الندوة . انطلاقا مما سبق أود أن أشارككم بعض أفكاري على ضوء التساؤلات الآتية : - ألا يكتسي مفهوم مقاربة النوع الاجتماعي معنى أوسع من ذلك الذي أعطي له؟ - أي دور تلعبه مقاربة النوع بهدا المفهوم الضيق في إصلاح القضاء وما الإضافات التي ستقدمها؟ - أولا تجسد مقولة عمر ابن الخطاب في رسالته إلى القضاة مقاربة النوع في شموليتها؟ إن أول ما ينبغي التنبيه إليه هنا هو أن إصلاح القضاء لا يمكن أن يتم بالنظر إلى الجهاز القضائي وحده بقدر ما يستدعي ذلك إصلاح منظومة العدالة في شموليتها. من هنا تجد مقاربة النوع أساسا لها في إصلاح القضاء، على اعتبار أن المتقاضين / المواطنين يشكلون طرفا أساسيا في هذه المقاربة، وفي ضوء هذا لا بد من التنبيه أيضا إلى أن مفهوم مقاربة النوع قائم على تحقيق الانصاف بين مختلف فئات المجتمع، وإذا ما ربطناه بإصلاح العدالة فإن ذلك يقتضي مساواة الجميع أمام القانون. إذا ثبت هذا يمكن القول أن مفهوم مقاربة النوع الاجتماعي يكتسي مفهوما أوسع من ثنائية الرجل والمرأة حيث ينبغي الانتقال إلى مفهوم مساواة الطرف الضعيف بالقوي أمام القانون بغض النظر عن جنس أي منهما. صحيح أن المرأة تشكل طرفا ضعيفا في بعض الحالات كالقضايا المتعلقة بالنفقة، إذ إنها لا تستطيع في الغالب الحصول على مبلغ يضمن لها حدا أدنى من العيش الكريم. نفس الأمر نجده في القضايا المتعلقة بالاغتصاب، فالمشرع المغربي لم يضع منظومة عقابية كافية لتحقيق الردع العام ولم يستطع إيجاد وسيلة فعالة لتعويض الضرر النفسي الذي تصاب به المرأة نتيجة ذلك. في قضايا الشغل أيضا وبالضبط الجانب المتعلق بالتحرش الجنسي حيث أن مدونة الشغل لم تستطع حماية المرأة على هذا المستوى وضمان حقوقها. بيد أن تحقيق الانصاف والعدالة الاجتماعية -بالإضافة لما ذكرت- يستدعي استحضار مقاربة الطرف الضعيف بشكل عام وهو ما تجسده مقولة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في رسالته إلى القضاء ".آس بين الناس في مجلسك وفى وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك..." إن هذه المقولة بقدر ما تحث على تحقيق المساواة بين المتقاضين تتطرق لمقاربة النوع الاجتماعي في شموليتها فلا يميز أمير المؤمنين من خلالها بين جنس أو طبقة أو نوع من المتقاضين ذلك أنها تحث على ضرورة إنصاف من له الحق مهما كان شخص الطرف الآخر. فإذا كانت مقاربة النوع تستهدف بالدرجة الأولى الفئات الهشة داخل المجتمع سواء تعلق الأمر بالمرأة كما أوردت سابقا أو الأشخاص المعاقين الذين يجدون صعوبة في الولوج إلى المحاكم وكل المرافق العمومية بفعل عدم وجود مسالك خاصة بهم مما يؤدي إلى ضياع حقوقهم وعدم إنصافهم أو الأطفال الصغار الذين تضيع حقوقهم بفعل عدم وجود منظومة قانونية متكاملة قادرة على حمايتهم، فإن مفهومها يتجاوز هذا المستوى عند ربطها بمفهوم العدل والمساواة الوارد في قول عمر رضي الله عنه. إن مفهوم المساواة بين المتقاضين بالمعنى المار بنا يشمل حتى خصومة المواطن العادي ورجل السلطة عندما يتعلق الأمر بنزاع بينهما أمام القضاء سواء تعلق الأمر بالحالة التي يكون فيها المواطن مظلوما حيث ينبغي إعمال المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة أو بالحالة التي يثبت فيها الحق لرجل السلطة حيث ينبغي إنصافه هو الاخر. مفهوم المساواة يتبلور أيضا من خلال القضايا السياسية أو قضايا "الإرهاب" ذلك أن الغالب في هذه القضايا هو انعدام التساوي بين المتهم والنيابة العامة التي تمثل الدولة والتي تستطيع استغلال كل وسائل الإثبات بكل سهولة وكيفما شاءت عكس المتهم الذي لا حول له ولا قوة إذ أنه غالبا ما يحرم من حقوقه في الدفاع وأبسط مثال على ذلك هو حرمانه من الحصول على نسخة من محاضر الضابطة القضائية، هذا إن لم يجبر على توقيع محاضر مزورة كما وقع في ما يسمى بقضية "بليرج" أو قضايا معتقلي حركة 20 فبراير وغيرهم كثير. صحيح أن كل مذنب يجب أن يلقى عقابه والدولة يجب عليها التدخل لمعاقبة المجرمين لما في ذلك من تحقيق للأمن العام، لكن الأصل أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته فليس من العدل ولا المساواة في شيء أن يعاقب المرء على جرم لم يثبت أنه ارتكبه أو أنه منع من ارتكابه، ليس من المنطق القانوني في شيء أن يعاقب الإنسان على نواياه وعليه فإن تفعيل مقاربة النوع في هذا الاتجاه بهدف إصلاح القضاء يستدعي بالضرورة إلغاء كل النصوص القانونية المكرسة لهذا الوضع في مقدمتها قانون الإرهاب. مظنة أخرى من مظان مقاربة النوع تتجلى في تمكين المواطنين المغاربة الذين لا يتقنون اللغة العربية من حقوقهم في سلوك المسطرة القضائية باللغة التي يعرفونها وهنا فإن الأمر لا ينبغي أن يقتصر على توفير تراجمة خاصين في كل محكمة بل يجب تكوين القضاة من أجل تملك ناصية تلك اللغات بهدف التوصل للفهم الذي يساعدهم على تكوين قناعة من خلالها يستطيعون الفصل في الأقضية المعروضة عليهم بشكل عادل. واخيرا وليس آخرا ينبغي وضع آليات لتسهيل طرق الولوج إلى القضاء في مواجهة من استغل سلطته للإساءة إلى هذه البلاد، يجب وضع آليات فعالة وناجعة لمتابعة المسؤولين عن إهدار المال العام. فمثلا، كيف يعقل أن يشيد "برج إيفل" في فاس من المال العمومي؟ وبغض النظر عن ما في ذلك من احتقار لتاريخ المدينة العريق وتجسيد للاستعمار الثقافي، فإن فعلا كهذا يشكل إهدارا للمال العام يستوجب محاسبة المسؤول عنه خاصة وأنه اقتلع من مكانه بعد بضعة ايام من تثبيته. كيف يعقل أن يتم تبديد الأموال بمباركة من الدولة في مهرجان الفيلم بمراكش في حين أن الرضع يموتون بسبب البرد في أنفكو؟ ألا يحق لنا كمواطنين مغاربة أن نقاضي المسؤولين عن هذا الوضع؟ إن تفعيل مقاربة النوع يقتضي تمكين كل مواطن مغربي من متابعة المسؤولين عن هذا الوضع وهذا الأمر لا يتم فقط بتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على أرض الواقع وإنما بتمكين المواطن المغربي من ثقافة قانونية تمكنه من معرفة حقوقه وكيفية الحصول عليها إذا تحقق ذلك ستحل آنذاك كل المشاكل المرتبطة بمقاربة النوع وسنكون فعلا أمام إصلاح فعلي و شمولي لمنظومة العدالة. *مدون مغربي / طالب باحث في الحقوق [email protected] www.facebook.com/omar.ragala