صيغةُ العنوان نابعةٌ من متابعةٍ طويلةٍ، ومحاوراتٍ عديدةٍ مع بعض المطلقاتِ، أوصلتنا إلى أمور قد لا يجهلُ دروبَها عديدٌ من الناس، ومجرباتُ الطلاق لهنّ حكاياتٌ صادمةٌ في الموضوع؛ لدرجةٍ يَشعرن فيها بفقدان آدميتهن؛ للنظرة التحقيرية التي يُواجَهنَ بها من طرف المحيطين، داخل الأسرة ثم الحي، أو الشفقة المغلفة بفيروس الاستغلال من طرف الموكلين المحامين في القضية؛ قُبَيْل التطليق أو الطلاق، والرجال بحثاً عن لذة عابرة، مأمولة العواقب، إلى حد ما، حسْبَ فهمهم الضيق للعلاقة خارج الإطار المحكوم بمرجعية ما. ما يُحسب لهذه الوقفة في اعتقادنا واقعيتُها، واحتكاكُها مع المعنيات بالأمر، في عناوينَ كان أولى لها أن تُنشرَ في وقتها في شكل متابعاتٍ صِحفيةٍ، لكن تلبيةً لرغبةِ المعنيات بها، وخوفهن من الاحتكاك بمن تسبب في جُرحِهن، أو الإساءة المباشرة لهن، مع تباطؤ الإنصاف في دولة تسمى دولة الحق القانون، ارتأينا ترك الأمر في وقته، لنعود إليه حالاً، نازعين عنه صفة الخصوصية، وإكسابه طابعاً عاماً، يمكن أن يقدم لنا نظرة، ولو غير متكاملة الجوانب، عن واقع مبغوض، يرفضه كلُّ ذوي ضمير حي، ولا يتمناه أحدٌ لأهلهِ وعشيرتهِ وبني جنسه، وإنْ حصل الطلاقُ، فهو أمر لا ينبغي أن يترك صاحباتِهِ عُرضةً للشتائم والتبخيس، ومن هذا الباب وجب الاشتغالُ اجتماعياً وثقافياً على مفردة "الطلاق" وإكسابها مسمياتٍ أخرى، على الأقل تُفرغها من الحَمولةِ التي ألصِقتْ بها دون وجه حق. أولاً: حكايةٌ واقعيةٌ بعنوان: "محام يتحرشُ بموكلته بعد تطليقها" بعد مرارةٍ طويلةٍ وحسرةٍ مريرةٍ تنفكُّ المعنيةُ بالأمر من شريكها الذي شرّبها كؤوسَ العلقم لعدم مسؤوليته وتهوُّره ولا حس له بعُشّ الزوجية. كلُّ ما يخطرُ على بال امرأةٍ تعاني من تصرفاتٍ لا إنسانيةٍ من زوجها يقوم بها هذا الذي اعتقد نفسه فوق مسطرة القانون (تصرح طليقتُه)؛ ظانّاً أن زمنَ السيبةِ ما يزال مستمراً. بمناسبة اليوم العالمي للمرأة تحكم المحكمة بالتطليق للزوجة المطالبة به، وتذر الرماد في عينَيْ زوجها الذي توعّدها كم مرة بأنه سيُجرجِرُها ولو أنه على أخطاء كثيرة ومشينة. مهما تعاظم أمرُ المدة التي قضّتها المطلقةُ تجر أذيالَ خيبةِ زواجٍ أوّلٍ غير محسوب الخطى، لايشبه دناءةَ ما فعله المحامي المكلف بالقضية؛ إذ المفروض منه الدفاع عن المظلوم تحقيقاً للعدالة، لا استغلال وضعية امرأة مطلقة؛ ليرغب التلاعب بعواطفها المشتتة، تلبية لمآربه الشخصانية المريضة. - المحامي متصلا بالمطلقة: آلو، أنا المحامي فلان، أريد التحدث معكِ في موضوع ما. - المطلقة: أي موضوع ؟، ليس هناك بعدَ إنهاءِ القضيةِ أي موضوع يمكن أن نتحدث فيه. - المحامي: أريد الزواج منكِ !، سأطلق زوجتي، أُغرِمتُ بكِ مدة متابعة القضية، ماذا تقولين؟ - المطلقة: لا أريد، لا أرغب في ذلك. و بعد أيام ليست بالكثيرة، وليتبينَ المتتبعُ أن المأمولَ منه حمايةَ العدالةِ الإنسانية متزوجٌ، ولأن اللعبَ بمشاعر النساء اللواتي يوكِّلنَهُ ديدنُهُ (= وهذا حُكمٌ عام يمكن تصريفه عليه بسبب هذه الحادثة)، وبعد أن علِمَ عدم رغبة المطلقة الزواج منه، كشف عن سرائره، قائلاً: (= عْلاش ما نْتْصاحْبو، وْنتْلاقاو مرّة مرّة، اُو نْعتابْروا القضاء مَبْغاشْ جوج تاع المحبين اتزوجوا .. خْصْنا نحْتارموا مشاعرنا). يا لها من عباراتٍ دارجية مسكوكة بمدادِ حامِي القضايا، في زمن ردئ أبقاه بهذه الصفة إلى اليوم (1). ثانياً: دراسةٌ ميدانيةٌ في شكل حواراتٍ مع عديدٍ من المطلقات: لن نشير إلى أسماءِ المعنيات(2)، كما لبلداتهن، اتقاء مضايقاتهن من الأقارب أو لومهن عن جرأتهن في تقديم معطياتٍ صادمةٍ، تكذِّبُ كلَّ حديثٍ عن التنميةِ التي وصل إليها المغرب، وتخبر بأن الزمنَ ليس للمدونات والتشريعات، بقدر ما أننا في حاجة إلى خلخلةِ العقلياتِ والبناء من الأساس، ثم النظر إلى هكذا مشاكل اجتماعية وهي ضمن أخرى (اقتصادية وسياسية وثقافية)، تشكل جميعُها بنيةَ قيمٍ، لايمكن حَلْحَلتُها بشكل مستقل عن بعضها البعض. أولا تؤكد الدراسةُ أن معظمَ المعنيات بالطلاق يتراوح عمرهن بين سبعَ عشرةَ سنةً وواحد وعشرين، مما يعني أن بُنداً من بنود المدونةِ يُضربُ عرض الحائط، ليس الأمر مرتبطاً بزواج القاصرات فحسبُ؛ إنما يتعدى ذلك إلى أنهن تزوجنَ وتطلقنَ وهنّ في دائرة المنعوت بالقاصر. تُجمِعُ معظمُ النساء اللواتي التقيناهن أنّ السببَ المباشرَ في الانفصالِ عن الشريك يرتبط بالعنف. تصرح «زهرة» ذات الثمانية عشرة عند طلاقها بعد زواج لم يتعدّ السنة الواحدة أن "السببَ الرئيسَ في طلاقي هو العنف، فزوجي يضربني باستمرار، مما جعل المعاشرة تمر في صراعات دائمة"، من جهة أخرى تذهب كل من «رقية» و «حفيظة» إلى كون عدم قدرتهما على الإنجاب كان كافياً لوضع حدٍّ للعلاقة الزوجية. تشعرُ هؤلاء النساء وكأنهن فاقدات الآدمية؛ لأن المحيطَ بكل تلاوينه ينظر إليهنّ نظرة شزراء، مغلفة بكل أنواع التحقير والتبخيس والرفض. فبعد أن طرحنا سؤال: "كيف ينظر إليكِ مَنْ حولَكِ بعد الطلاق؟" أتى الجوابُ بالصدفة موحداً، وكأنه محضُ اتفاق. يَقُلْنَ: "نظرتهم إليّ مختلفة تماماً عن نظرتهم للمرأة المتزوجة، وتتغير حسْبَ طبيعة الإنسان؛ فهذا يحتقرك وآخر يسخر ويستهزئ منك، ثم هناك من يُشفقُ عليك، لكن في المقابل لن تجد من يحترمك". تصرح «حفيظة». "المرأة المطلقة مقيدة بالشبهات وأقوال الناس، فمجتمعنا لا يرحم". تقول كل من: «سلطانة» و «رقية» و «نزهة». "الناس عامة ينظرون إلى المرأة المطلقة نظرة شفقة واحتقار؛ كأنها مجرمة أو مذنبة" تصرح «زهرة». مُخْرَجَاتُ الطلاق عند هؤلاء النساء، بما يرتبط بذلك من مسبباتٍ ونتائجَ مخجلةٍ، يكون مردّهُ إلى عامليْن أساسيْن: الأول له علاقة بالأسرة التي تدفع بالبنتِ إلى الزواج مرغَمةً من شخص لا تريد الارتباط به أصلاً، إثر ذلك تنبثقُ كل أنواع الصدامات والنفور بين ذاتيْن لا يجمع بينهما إلا الانتماء إلى حقل "الإنسان"، في غيابٍٍ تامٍّ لمبادئ الإنسانيةِ والأعراف التي تنظم العلاقاتِ بين كائناتٍ تنتمي إلى مجتمع ما، فبالأحرى وهما في إطار علاقة نظمها الشرع والقانون في بلد يزعُمُ أفرادُهُ أنه قطع أشواطاً في إرساء ما يطلق عليه "دولة الحق والقانون". تعبر عن ذلك «رقية» بحسرة مريرة، وهي المطلقةُ عن سن السابعة عشرة "السببُ الرئيسُ في طلاقي من شريكي هو عدم إنجابي، والصراعات الدائمة بيننا؛ لأني تزوجته مرغمةً دون أي شعور بالحب تجاهه"، تلتقي معها «زهرة» التي لم يأخذوا برأيها عند الزواج؛ لأنها لم ترغب في القِرانِ من أساسه لسنها الصغيرة؛ فهي في تلك اللحظة كما تعبر عن ذلك بنفسها أشبه ب: "النكرة". الثاني يرتبط بالدولة في أمر تعاطيها مع ملف الأسرة، فهي تعتقد أن هكذا كيان يمكن الحسمُ في الكثير من مشاكله بحُزمةٍ من القوانين، التي لا تبرح أوراقَها، ولا تجدُ لها طريقاً إلى عقليةِ المسؤول (القاضي) عن تطبيقها وتمريرها إلى سلوكات يومية، كما لا تستطيع النفاذ إلى عقلياتٍ ألِفتِ التعاملَ مع ما تسميه خصوصياتٍ بنوع من المِزاجيةِ المفرطةِ، ضاربين عرض الحائط ما يأتي به القانون إذا باشر التطبيق. هذا إذا اعتبرنا أن الدولة تُقْدِمُ على مثلِ هذه الإصلاحاتِ بحُسن نيةٍ، أما وأنّ الأمر يختلط بما هو سياسي، فهناك من يزعُم ألاّ صلاحيةَ عندها في صفاءِ الأسرةِ ونقائِها، ومن ثَم تَفَرُّغِها لأمور هي عنها لاهية؛ إذا غاصت حتى الكعبين في بحر مشاكلها، فيما بين أفرادها. وما الطلاقُ والصراعاتُ القَبْليةُ ثم البَعْديةُ له إلا مثال عن تلك المشاكل العديدة. الدولة يجب أن تقرأ الظاهرةَ من مسبباتها، لا من نواتجها، وتذهبَ حدّ معالجتِها بشكل متدرج، لا يشكل القانونُ إلا جانباً من الحلِّ. أما اعتبارُ المجتمع المدني شريكاً في الأمر فمقبولٌ متى كنا أمام وجه حقيقي له، بعيداً عن المزايدات والاستغلال السياسوي للإطارات المدنية، فهي مدنيةٌ في الواجهة، مشبوهةٌ ومغلفةٌ بكثير من الألوانِ في العمق. إن المرأةَ المطلقةَ كائنٌ إنساني دون وقف التنفيذ، وعوض أن نطلبَ منها التريثَ في علاقةٍ زوجيةٍ مشوبة بكل أنواع القهر والذل؛ وأن تصبر على عنجهية زوج لا يُقدر عش الزوجية، أولى لنا أن نطلبَ من المجتمع بكل أطيافه ومؤسساته أن يرأف بها، فلا الزواج ولا العزوبية يمكن أن يشكلا قيمةً مضافةً في إنسانيةِ الإنسانِ. ويبقى الإنسانُ إنساناً، وتظلُّ تلك الصفات عوارض لا تمس في جوهر إنسانيته. هامش: 1): هكذا كُتبت المتابعة لحظة حَصَلَ الفعلُ ولم تُنشر، مع إزالة اسم المحامي، للأمر الذي شرحناه في التقديم. (2): ما سَيَرِدُ من أسماء في المقالة فمن باب المستعار منها.