هجرة تطل علينا بعاشورائها ..وميزانيتها التي تناقش في برلماننا ،العكاظي هدر وثرثرة ولا عطاء ،مما جعلني أسائلك يا وطني هل لي من نصيب فيها؟ أنا الحاضر في ميدان النضال المنتظر، لسنتين قضين، بفارغ الصبر..." مَهديها "عساه يطل علينا من داخل هذه القبة بعصاه السحرية جاعلا لنا نصيبا مفروضا وتوظيفا مباشرا . أنا الذي أحسب نفسي حتى الساعة من قرباك ..عفوا وحتى لا يفهم تأدبي معك يا وطني استجداء... أنا الذي أومن بان الحق ينتزع ولا يعطى.. فطل علي من قبتك فانا الموجود بالشارع حولك في ساحة "البريد المعطل " الذي لم يتمكن من إيصال رسائلي إليك مما اضطرني بالأمس القريب لرشقهم بأحذيتي أولئك الذين نصبتهم آلهة يشنقون رقابنا في وضح النهار...نعم وبكل إصرار رجمتهم بحذائي ليس سوء أدب مني إنما لألفت انتباهك وأوافيك رسالتي بهذه الوسيلة الأعرابية التي تحمل في محتواها .. "للصبر حدود "..فقد كاد قلبي ينفرط من قسوتك الزائدة إبان المحرقة التي ذهب زيدون ومحمود ضحيتها ومن يدري فقد يضاف اليوم زيد آخر وعمرو الى القائمة .. فالهجرة يا وطني ..هجران ومفارقة وانفصال، و انتقال من حال إلى حال، وابتعاد عن الشيء وتركه، وأخطر الهجر إذا هجرك القلب ولفظك الى خارج الدفء والحب والتعلق والشغف والتطلع الى حيث الصقيع والظلام الموحش والخوف والبعد.. لما ترك الصحابة الأوطان والأهل والأحباب رغم شغف وتعلق العربي و حبه الصادق للوطن والأهل والأحباب .. لان القلب تعلق بغيرهم وشغف بحبيب لم يترك ولو حيزا صغيرا يجتمعوا فيه طلبا للدفء أو بصيص نور للاهتداء ..؟ هل هاجروا استقالة وهروبا من الميدان وبذلوا حال المواطنة بحال الحرابة؟ ام هاجروا ليسهموا في إعادة بناء وتحرير لوطن ترهل وشاخ بأفكار آبائية وعادات موروثة ومحسوبية قد ننعتها بالفساد ؟ بل هاجروا اختيارا وشرفا مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، للقاء الأحب رب العالمين، رب العزة الواحد الأحد، في أرضه الواسعة التي تحمي الجباه من الركوع والخنوع والبحث عن الكرامة والعدالة الاجتماعية ..علما مني أن لاهجرة بعد الفتح ..لكن ما حيلتي وقلبي ليس بيدي و لا سلطان لي عليه بعد الذي عاناه ولا يزال... الهجرة حركة في الأماكن بالأجساد وللمشاعر فيها حصة الأسد، فلا أهجر إن كنت راشدا عاقلا محبا إلا للشديد القوي الذي لا يستهان به، لذا فحذار من هجر المٌواطن الحر الأبي، لأنه يا وطني إذا هجرك قلبي.. فكيف تتمنى العود؟ وكيف تتمنى عطائي وصلاحي وحبي وتضحيتي؟ لأن ذاك قلبي فحافظ عليه من التكسر والهجر.. ولا تعُدَني عاقا غير صالح فلا طاعة لمخلوق في سبيل حرية أو كرامة أوعزة . فالمهاجر في قمة التسامح والذوق الحضاري في التدافع والتعايش والإيمان بالتغيير وباستراتيجية البسط والقبض تأسيسا للعالمية الإنسانية، فلئن بسطت يا وطني يدك إلي لتضربني أو تقتلني فأنا قابض يدي ولو على جمر أذاك ولا أقتلك وأنا منك ... إنما هجرُ إبراهميُ، فإبراهيم عليه السلام بقي في ميدان التغيير ديدان حاله: "سلام عليك سأستغفر لك ربي انه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا. قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا" ( مريم 47) .حوار بين أب عاق لنبي الله الابن إبراهيم عليه السلام وأدب التواصل والدعوة الى الله رغم جفاء الوالد بابنه وإرغامه على هجر أرضه ووطنه.. فلم يا وطني ترغم قلبي على هجرك وتقتل فيً الحلم والعزائم ؟ لما لا تهجر طبعك وتكفيني تعب هجرك ومحنة بعدك؟ نعم بعد ..فهو كذاك إذا هجرك قلبي، وضيعت شطرا من إيماني، أليس حب الأوطان من الإيمان؟ فقد تضيع طاقات وأطر من خيرة أبنائك للنهوض بتنميتك الاقتصادية والبشرية ورفع قواعد بيتك . هكذا أنت يا وطني تحرقني كل يوم وتصفعني الصفعات ...وهكذا أنا يا وطني شمعة تحترق على أرصفة الانتظار تضيء شوارع الظلام فيك،أحبك يا وطني رغم الهجران، ومعي رجال شاخوا من أجل أن تظل دائما طاهرا قوي الأركان ولأجلك نطلب جميعا على منوال الدعاء الابراهمي حين كان يرفع القواعد من البيت وإسماعيل عليهما السلام" رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك "( البقرة:127) " فهلا من توبة على ما أنت سائر عليه وهلا من رجوع الى الصواب قبل فوات الأوان..وماهجر الطبع وطلب التوبة ونقد الذات.. إلا خضرة وربيع للأوطان والأمم والحضارات ..وربيع للقلوب وحياة بعد موت وهجر وانزواء وسوء عطاء ..