نتابع هذه الأيام أخبار الحراك السياسي في الخليج العربي بما تحمله من تطورات خطيرة في الكويت ودولة البحرين، وربما يغيب عن المتتبع من شمال إفريقيا حجم التوتر الذي يعرفه هذا الإقليم بسبب الحصار الإعلامي المضروب على هذا الحراك من طرف إعلام قناة "الجزيرة" و"العربية" وتركيزهما على المأساة السورية. حراك طائفي لكن حجم وخطورة ما يجري في المنطقة الخليجية وتداعياتها المحتملة على استقرار أنظمة تدخل في منظومة الأمن القومي الأمريكي كدولة إسرائيل والمملكة السعودية دفع بالإعلام الغربي إلى فك الحصار تدريجيا عن مجريات الأحداث ومراجعة أجندة تعاطيه مع حراك بدأ يأخذ منحى طائفي ويتفاقم بتفاقم الصراع المسلح في سوريا وتداعياته على الجوار الإقليمي في تركيا والعراق، واقترابه من خطوط تماس تهدد بانفجار حرب إقليمية تجرف قوى إقليمية كباكستان ومصر إلى جانب السعودية وتركيا . ما يجري اليوم في الكويت والبحرين تجاوز حدود الحراك الذي عرفته دول ما يسمى بالربيع العربي و بدون شك دخل مدفوعا إلى مساحة الاصطفاف الطائفي بين سنة وشيعة وهو من تداعيات انهيار نظام القطب الواحد الذي ساد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وبرز بقوة في حرب العراق الأولى. كل المؤشرات الاقتصادية والجيوسياسية تؤكد أن المنطقة الخليجية توجد في عمق مساحة التماس لحلبة صراع إقليمي يمتد من شمال إفريقيا إلى الشرق الأوسط وأن مساحة الصراع تشمل دولا كباكستان تأثرت بترتيبات الحرب الباردة وبنظام القطب الواحد بعدما عمدت الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى تحويل المنطقة إلى حدود صراعها المستقبلي مع التنين الصيني. تحالفات الولاياتالمتحدة لفهم ما يجري اليوم في هذه المنطقة الممتدة من شمال إفريقيا إلى الحدود مع روسيا من جهة أفغانستان يجب العودة إلى تاريخ النفوذ الأمريكي في المنطقة الذي قام على خمسة شروط أفرزتها الحرب الباردة: شرطانيرتبطان بالعلاقة مع العرب عبر مصر والسعودية. وشرطان يرتبطان بالعلاقة مع باكستان وتركيا والخامس وهو الأقوى يرتبط بالعلاقة مع اسرائيل وهي القوة الإقليمية الوحيدة التي ليست عربية ولا إسلامية . العلاقة مع اسرائيل تطورت بشكل كبير حتى تحولت إلى جزء من السياسة الداخلية للولايات المتحدة الأميركية وهي العلاقة الوحيدة التي اتسمت بالاستقرار مقابل التحولات التي عرفتها العلاقة مع الأربعة أطراف الأخرى والتى تغيرت فيها المقاربة الأمريكية في تحديد شروط تحالفاتها معها بعد انطلاق ما يعرف بالربيع العربي وبالخصوص علاقتها مع بعض الأنظمة العربية ورموزها. رغم أن العلاقة مع الحليف السعودي سبقت في الزمن العلاقة مع دولة اسرائيل وتعود إلى اللقاء الشهير بين روزفلت ومؤسس المملكة السعودية الملك عبدا لعزيز بن سعود سنة 1945 الذي التزمت فيه الولاياتالمتحدة بضمان أمن واستقرار المملكة مقابل النفط السعودي إلا أنها لم ترقى إلى مستوى ربطها المباشر بالأمن القومي الأمريكي الذي يُميز اسرائيل في علاقتها مع أمريكا. بالموازاة مع الحلف السعودي الأمريكي وبعد اصطفاف الهند في القطب السوفييتي أثناء الحرب الباردة دعمت أمريكا باكستان كقوة إقليمية صاعدة وكان للباكستانيين والسعوديين دور أساسي في هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان ونتج عن ذلك الحلف ضد الشيطان الأحمر ميلاد ما سماه البعض بشيطان أخضر "إسلامي" جهادي. العلاقة مع مصر حديثة ولم تنطلق حتى سنة 1978 بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل مقابل دعم أمريكي لمصر يُقدر ب 2000 مليون دولار سنويا في شكل تعاون عسكري بين جمهورية مصر العربية والولاياتالمتحدةالأمريكية. في المقابل نجد أن العلاقة مع تركيا اتسمت ولا زالت بالمزيد من التعقيد لأنها تنطلق من العلاقة التي تربط الدولتين بالحلف الأطلسي الذي يشمل أعضاءه في المادة الخامسة من ميثاقه بالحماية العسكرية وبدور خاص لدول الحدود مع مناطق الصراع كما هو شأن تركيا التي برزت منذ ذلك الحين كقوة إقليمية رادعة. تحولات منتظرة المُتغيرات التي تعرفها المنطقة بعد سقوط أنظمة حليفة مثل مصر وتونس خلخلت عناصر المعادلة التي أسست للنفوذ والوجود الأمريكي في الإقليم و تحولت دول الخليج وفي مقدمتها قطر والسعودية إلى خط المواجهة مع إيران و مساحة تماس مباشر في الصراعات الإقليمية التي تعددت أطرافها ومواقع دعمها ووجدت في الطائفية مبررا لاستمرار نفوذها شرط أن لا يُهدد الصراع الطائفي المصالح الاستراتيجية للقوى العالمية القديمة منها كالولاياتالمتحدةوروسيا والتي في طور التشكل كالصين. المنطقة مقبلة إذن على تحولات قوية أرادت فيها قوى النفوذ الخارجي التقليدية والصاعدة أن يكون لدول الخليج عبر محور قطر والسعودية دور الريادة والاطمئنان للإسلام السياسي كبديل إيديولوجي للقومية العربية وكضامن للاستقرار في إطار الاستمرارية. المفارقة أن من الأعراض الطبيعية لهذا البديل الجديد/القديم بروز الصراع الطائفي الذي يضرب عمق الخليج نفسه في البحرين والكويت وقد يهدد المنطقة بانفجارات غير محتملة. من السذاجة احتمال نجاح مثل هذا المخطط الجديد دون مفاجآت تفرضها طبيعة منطقة شديدة التعقيد و لاتخلو من مقاومة شرسة وربما انزلاق اسرائيل في حرب همجية على قطاع غزة واستدراجها للمواجهة الآن والتحرك المصري غير المعتاد بسحب سفيرها من إسرائيل وزيارة رئيس الحكومة المصري هشام قنديل إلى غزة مؤشرات على فرضية انقلاب السحر على الساحر أو على الأقل هذا أملنا.