هذه عبارة بسيطة في كلماتها ،كبير في معناها ومغزاها .حبذا لو كل عامل ،وكل موظف،وكل مسئول وكل مواطن له غيرة على وطنه،وضعها نصب عينيه قبل أن يشرع في أي عمل. "" هذه العبارة نطق بها ذلك الرجل الذي قال فيه أبو بكر(ض):والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد. وقال في حقه عمر :عجزت النساء أن يلدن مثل خالد.إنه الرجل الذي قهر الردة في شبه الجزيرة العربية ، وفتح أجزاء من العراق ،ثم أرسل إلى الشام لينصر إخوانه .وهو في أوج انتصاراته،وبطولاته،توفي أبو بكر وخلفه عمر .فكتب هذا الأخير إلى أبي عبيدة يأمره أن ينحي خالدا عن القيادة ويستلمها منه .فقال له كلمته المشهورة :"وهل أنا أحارب لأجل عمر؟ليكن ما يشاء الخليفة ما أنا بالذي يعصي له أمرا". هكذا تكون التضحية في سبيل المصلحة العامة. وهكذا تكون طاعة أولي الأمر. صدقت يا سيف الله المسلول .لقد ضربت مثلا ،وأي مثل،في نكران الذات .لم تغرك مطامع الدنيا .ولم تغرك الانتصارات،ولم تخدعك البطولات،ولم تذهب بك شهوات حب السلطة والنفوذ بعيدا فتنسى نفسك والهدف الأسمى الذي تحارب من أجله...إنك لا تحارب لأجل عمر.وهذا أكيد. هذا نموذج من الرجال تخرج من مدرسة محمد بن عبد الله (ص) .لم يسافر إلى أمريكا ولا إلى أوربا ليتعلم في جامعاتها .ولم ينخرط في حزب سياسي فيصبح أمينه العام ليترشح في الانتخابات ويفوز بكرسي من كراسي السلطة ويعيث في الأرض فسادا إلا المخلصين فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. "وهل أنا أحارب لأجل عمر"قالها وتقبل الأمر بروح من المسؤولية وثقة في النفس.لم يسرع إلى الانشقاق. ولم يلجأ إلى تكوين حزب... هذا درس حبذا لو تعلمه كل واحد وردد هذه العبارة بينه وبين نفسه قبل أن يقدم على القيام بأي عمل حتى يؤديه على أكمل وجه دون أن يضرب لرئيسه،أو رب عمله ألف حساب. لأن الله يحب إذا عمل العبد عملا أن يتقنه بلا تماطل ولا غش...ضميره في ذلك هو رقيبه وحسيبه، وخدمة وطنه ورقيه هدفه ومبتغاه. ومعنى هذا أن يتجرد من أنانيته، ويجعل المصلحة العامة في إنجاز أعماله فوق كل اعتبار.ويراقب المرء نفسه قبل أن يراقب،ويراقبه غيره.وهذا ما عبر عنه الأستاذ محمد لزعار ب"علو الهمة".علو الهمة هذا لا يجب أن يكون في السياسة فحسب،بل في كل الميادين.أن يكون في التجارة فلا نحتاج لمفتشين ولجن لمراقبة الأسعار ومحاربة الغش.علو الهمة عند التصويت في الانتخابات فلا نبيع أصواتنا،عفوا أنفسنا لمن يدفع أكثر .بل نمنحها ونحن واعون لمن له الكفاءة والرغبة في خدمة هذا الوطن.صحيح "لو كان الفقر رجلا لقتلته "ولكن مع ذلك "تموت الحرة ولا تأكل بثدييها".علو الهمة في الامتحانات لنحقق القولة :من جد وجد.وليس: من نقل انتقل،ومن اعتمد على نفسه ظل في قسمه.علو الهمة في مباريات التوظيف لينجح الأجدر والأكفأ لا ابن فلان،وابن صديق فلان... لقد عم الفساد في البر والبحر فعلى أصحاب الضمير الحي ،والغيرة على هذا الوطن العمل على تغيير العقلية الفاسدة .العقلية الانتهازية .عقلية "أنا وبعدي الطوفان"وذلك بالانخراط في العمل الجاد المنبعث من القلب المغربي الحر الذي لا يرضى بالذل والاهانة والمساس بالكرامة .والبداية أن ينظف الإنسان نفسه ثم بيته ثم حيه وهكذا... أي الانطلاق من الخاص إلى العام .