مما ينبغي أن يعرفه كل ناخب ويحرص على أخذ نفسه به، هو تصحيح نيته، وتوسيع دوائر طموحاتها وتحريرها من شوائب المصالح الذاتية الضيقة. فيجعل أعظم طموحاتها رضوان الله بخدمة مصلحة المواطنين الدينية والدنيوية. وليعلم كل ناخب ـ يؤمن بالله واليوم الآخر ـ أن ما استقر في أعماقه من إرادات وسعى لها سعيها، هو الذي سيكون نصيبه في حياته الدنيا وأجره في الأخرى.. إن كان خيرا، فخير.. وإن كان، شرا فشر.. وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشتهر على ألسنة الناس: (( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى...)). ففي قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنما لكل امرئ ما نوى) قانون إلهي يضبط حركة الفرد وحركة المجتمع وحركة التاريخ.. وهذا ما يشير إليه شرح ابن دقيق العيد للعبارة الشريفة: ((يقتضي أن من نوى شيئا يحصل له، وكل ما لم ينوه لم يحصل له، فيدخل تحت ذلك ما لا ينحصر من المسائل . ومن هنا عظموا هذا الحديث .)). ويؤكد هذا المعنى قول ابن عباس رضي الله عنهما: ((يُعطى الرجل على قدر نيته)). فعلى قدر نيته المستقرة في قلبه يعطى مكاسبه الدنيوية التي يستحقها في حدود ما تسمح به الظروف المادية والمدة الزمنية، ويعطى أجره الأخروي كاملا.. وحقيقة نية العبد ما كان حافزا له إلى العمل. وإذا لم تحفزه فهي أمنية وليست نية. والأمنية من الشيطان يخدع بها الإنسان قال تعالى: ((يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)). ومن هنا على الإخوة الناخبين أن يميزوا بين نواياهم وأمانيهم. ويبتغوا ـ عند تصويتهم ـ الله والدار الآخرة، ليسهل عليهم التوجه إلى مصلحة الوطن الحقيقية، ويسلموا مما ينصبه لهم المفسدون من فخاخ.. وشتان بين اختيار ناخب لمصلحة الوطن يرضي الرب ولو أسخط العبد. وناخب لا اختيار له إلا ما أراده له من اشتروه بثمن بخس وصار لهم عبدا. فالأول يبني الوطن ويكسب الأجر في الآخرة. والثاني يخرب الأمة ويمكن للمفسدين من رقابها وإن لم يتب حق عليه العذاب يوم الحساب.. والأول يكون له أجر كل خير نواه بتصويته وأجر كل عمل قام به المنتخبون الصالحون الذين صوت لهم وفازوا دون أن ينقص من أجورهم شيء.. والثاني له وزر نيته الفاسدة ووزر الأعمال الفاسدة التي يقوم بها من باع لهم صوته وفازوا وهم فاسدون.. ثم يسلط الله عليه هؤلاء الفاسدين فيذلوه أكثر من غيره.. فليجعل كل ناخب هذه الآية الكريمة نصب في سويداء قلبه ونصب عينيه: ((ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى)).