الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور المهدي المنجرة : الحرية ترادف الصلاة في الأجر

يعتبر الدكتور المهدي المنجرة، خبير المستقبليات بالمغرب، أن العلم والمعرفة سبيل الحرية والكرامة، مستغربا من التنكر للحرية في العالم الإسلامي، على الرغم من أن بداية الإسلام كانت أكثر تفتحا تجاه الحرية مما نشهده الآن.
وقدم المنجرة رؤية علمية لعلاقة الحرية بالكرامة والاستبداد والتنمية والأخلاق، مبينا أن النخبة في العالم الإسلامي تخلت عن دورها في تنمية المجتمع ومناقشة الإشكالات الكبرى مثل الحرية من أجل مصالح شخصية وأنانية للوصول إلى الحكم والبقاء فيه ولو ضد إرادة الشعوب، ورأى أنه لا حرية بدون محاربة الأمية وبدون علم، فالحرية تدفع إلى العلم، والعلم يدفع إلى الحرية، كما أنه لا حرية بدون مشاورة وبدون إجماع وشورى، وأشار إلى أن المعرفة تحرر الإنسان من أكبر سجن، ألا وهو سجن الظلم، داعيا المسلم إلى النهي عن الظلم والمنكر أينما كان ضمانا للحد الأدنى من الكرامة، مؤكدًا أن الخوف والذل وسائل للتنكر للحرية وإشاعة الاستبداد، فالحرية كما يرى ترادف "الصلاة" في الأجر كقيمة شخصية ذات أبعاد اجتماعية.
الحرية قيمة القيم
الحرية قيمة من بين القيم الإنسانية الأساسية، وألفتم كتاب "قيمة القيم"، في نظركم أين تضعون قيمة الحرية في سلم هذه القيم؟
الحرية هي قيمة القيم وبدونها تضيع عدة أشياء، ففي الميدان المعرفي تعتبر الحرية أساس البحث العلمي والشعر والطرب وفي كل شيء، وهنا يجب أن نعرف الفرق بين المقاصد والقيم والعقيدة بين الحضارة الإسلامية والمرجعية الغربية.
فالمرجعية الغربية في شأن الحرية هي مرجعية فلسفية قبل أن تكون شيئا آخر، وهي مرجع متأثر بقيم اليهودية والمسيحية في الغرب، بينما مفهومنا للحرية في الدين الإسلامي الحنيف له علاقة بالعقيدة الإسلامية.
وأظن بكل موضوعية أنه يمكن أن نقول انطلاقا من القيم الدينية: إن الإسلام أعطى حرية خاصة المؤمن والمؤمنة، بخلاف المسيحية واليهودية، فليس بين المسلم المؤمن والله تعالى الذي خلقه أي وسيط أو تدخل مبدئيا، إلا إذا قام الإنسان بشيء فيه إساءة للمجتمع، فهناك ردود فعل وتدابير، وليس في الإسلام ما يمنع من أن تكون الحرية قيمة القيم.
ولكن مبدئيا وفلسفيا في الإسلام، يولد الإنسان حرا، لكن قد تحصل في بعض الأحيان مبالغات في قراءة بعض النصوص الشرعية والعرف، وأستغرب أن يكون المجتمع الإسلامي صاحب الحضارة والقيم هو من يعاني أكثر من مناطق أخرى من محاربة الحرية، وفي رأيي الخاص هناك عدة أسباب للتنكر للحرية، فلكي تتمتع بالحرية يجب أن يكون هناك مستوى ثقافي وحضاري، فالأمية والمجاعة لا تعطي قيم الحرية من الناحية العقلانية، وعلى الرغم من أن الإنسان الأمي والضعيف في كثير من الأحيان لديه مفهوم آخر للحرية وهو الكرامة، لكن يجب التفريق بينهما، فللإنسان كرامته الخاصة، والأبحاث العلمية تثبت أن للنبات والحيوان كرامة أيضا، فالنبات يتصرف تصرفا مضادا لهجوم الحشرات عليه، ويخبر النبات والأشجار بخطر ذلك؛ ولذا فالكرامة وهبها الله لكل مخلوق، فهي مفهوم كوني يختلف من مكان إلى آخر في العالم، لأنها مرتبطة بقيم وعوائد خاصة بكل مجموعة.
ونحن نتساءل: لماذا نجد في العالم الإسلامي تنكرًا للحرية على الرغم من أن بداية الإسلام وتصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت متفتحة؟ وما هو المناخ الذي تبلورت فيه الحضارة الإسلامية، علما بأن من ساهموا في بنائها كانوا يحاربون مفهوم السلطة؟ ونحن اليوم نجد سلطة ومواقف سلطوية تحارب الحرية لأشياء بسيطة، منها الرغبة في البقاء في الحكم، وعندما تتغير المقاصد كما يقول الفقيه العلامة يوسف القرضاوي تأتي الآفات.
فأول آية نزلت في القرآن الحكيم هي "اقرأ"، إلا أننا نجد أن نصف المسلمين في العالم أميون، فهل يمكن والوضع هكذا أن نتحدث عن الحرية ووضعها في هذه الظروف، باعتبار أن أكبر عدو للحرية ليس الجهل فقط، لكن هو فقدان وسائل التحليل والدفاع عن النفس.
واليوم ليست في المجتمع المسلم وسائل لمحاربة الظلم والعنف، فكل الأمور ترجع إلى الحكومات، وهذه الأخيرة تعيش في ظروف "الميغا إمبريالية" أو الإمبريالية الكبرى، وهي مضطرة للأخذ بتوصيات القوة الكبرى التي تفرض عليهم ما تريد ولو ضد إرادة الشعوب.. وهنا نصل إلى المعادلة الأولى، وهي أنه لا حرية بدون محاربة الأمية وبدون علم، فالحرية تدفع إلى العلم والعلم يدفع إلى الحرية.
وثانيا: لا حرية بدون مشاورة وبدون إجماع وشورى، وهي بالنسبة لي ترادف مفهوم الديمقراطية، على الرغم من أنها تطورت بخلاف الشورى، ولو احترمت الشورى في العالم الإسلامي لتطورت أحسن من الديمقراطية لتتناسب مع المشاكل الآنية، باعتبار أن الإسلام جاء لكل زمان ومكان، ولم يبق الزمان كما هو، حيث نرى في الحاضر ظلما وحربا في العراق وفلسطين ولبنان وأكثر البلدان الإسلامية.. ولكن الواقع العقلاني والتحليلي الموضوعي يؤكد أنه ليس هناك احترام حقيقي للحرية الآن، فأين البلدان التي نرى فيها (وأمرهم شورى بينهم)، فالانتخابات تكون نتائجها مدبرة مسبقا مع استحضار اختلاف التجارب في كل بلد عربي، وفي الكويت مثلا عندما نجحت بعض محاولات المعارضة في البرلمان، تم اتخاذ قرارات عكسية لإجهاضها.
نحتاج للنور الإلهي
ولكن لماذا لا يوجد هذا الاحترام في العالم الإسلامي على الأقل، أي ما هي أسبابه؟
لأن المسيرين في البلدان الإسلامية لا يريدون حرية، فمع وجودها سيضطرون إلى مغادرة مناصبهم، كما أن مصالح الغرب والاستعمار لا زالت موجودة بقوة في البلدان الإسلامية، وهي التي تدعم وتقدم ضمانات لبقاء الحكام في بلداننا الإسلامية.
أظن أن ما عشناه في القرن الماضي مع الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وفي المغرب أبي شعيب الدكالي وعلال الفاسي ومولاي العربي العلوي والتهامي الوزاني وآخرين، كانت حركتهم تسمى "الحركة السلفية"، وباللعب بالألفاظ تحولت السلفية إلى العكس تماما، وأصبحت تعني العنف وغير ذلك.
وأذكر هنا مقولة لخبير فرنسي في العلوم الاجتماعية مفادها أن "الحروب المقبلة ستكون سيمية "سيمنتيكية لغوية"، فإذا استطعت فرض مفهوم كلمتي عليك فقد استوليت عليك، ونحن نعيش أزمة وضوح الأفكار والمبادئ، وحتى عندما تتضح هذه الأفكار نجد في بعض الأحيان أن من جاءوا بهذه الأفكار يحرفونها عند التطبيق، وبذلك نحتاج إلى النور الإلهي، الذي يوضح للإنسان دوره في المجتمع وما هي مقاصده وما هي أهدافه في الحياة.
هل الحرية وسيلة لتحقيق التنمية أم هي ثمرة لوجود تنمية، وما هي الآليات لجعلها قيمة سارية في المحيط الخاص والعام؟
هي الاثنان، فبدون حرية ليست هناك تنمية، وبدون تنمية لا يمكن أن تستفيد من الحرية، لأن التنمية تطالب بوجود الحرية التي تعطي حيزا واسعا للإبداع وليس البدعة، بل الخلق والإبداع، فالنشاط الخلاق للإبداع داخل نطاق معين يمنح التنمية، والأزمة الموجودة اليوم في العالم العربي هي أزمة إبداع، والأنظمة التربوية لم تكن في مستوى هذا الهدف.
أما تصريفها في الوسط الخاص والعام، فهذا أمر يرجع بنا إلى الحديث عن التربية والأمية وعدم التطبيق، وما سميته "الخوف قراطية"، أي زرع الخوف في كل مكان كطريقة للحكم، وفي العالم الإسلامي نجد الوضعية غير مستقرة من هذه الحيثية.
وأحيانا ألوم النخبة، لأن دورها هو بلورة هذه الأفكار التي نتحدث عنها، إلا أنها لمصالح شخصية وآنية وأنانية دخلت اللعبة مع الأنظمة السياسية والحكام، بدلا من أن تقوم بدورها مثل دور "العالم" قديما، فكانت العلاقة بين العالم والحاكم متوترة، وكان البحث عن طرق لإيجاد الحلول بينهما، ودائما كان الأمير الحقيقي المؤمن يعطي الوزن الكافي لآراء العلماء.
واليوم نتساءل من يعطي أولوية العلماء بالمفهوم المعاصر للعالم، وليس فقط المتخرج من كلية الشريعة، بل العالم بصورته الشمولية، فالسياسي عندنا لم يرق إلى مرتبة تؤهله لأداء هذه الرسالة لوجود طموحات في الطريق، فيبدأ المفكر في نقطة ونظرا لهذه الطموحات تتحول أفكاره للوصول إلى الحكم السياسي، ولما يصل إليه نكون في وضعية أخرى وهي البقاء في المنصب، وهذا ما يؤدي إلى حدوث تواطؤ أحيانا مع السلطة القائمة والدول الأجنبية وغير ذلك.
الحرية والممارسة
في الحرية يمكن التمييز بين البعد الرمزي لمبدأ الحرية وواقع الممارسة، كيف يمكن التوفيق بينهما للوصول إلى تنمية حقيقية؟
بالنسبة لي فالتنمية شمولية، وهي تضم تنمية القيم والتعامل مع إرادة الشعوب، فكلما تقلص الفارق بين النظرية والتطبيق، يمكن التوفر على أهم ميزان للنمو الحقيقي، ففي الغرب الفارق بين النظري والتطبيقي في مجال الحرية يكون ضئيلا مع استحضار البعد الأيديولوجي، فالشيوعي له نظرته الخاصة للحرية، والرأسمالي أيضا، لكن المبدأ هو الذي يؤكد أن تحقيق التنمية يكون بتقليص الفجوة بين النظرية والتطبيق، وبالنسبة لنا، فالنظرية سامية تفوق ما نعيشه، لكن لم نصل إلى تطبيقها، بل نحاربها من جذورها ونحارب تأثيرها.
وأضرب مثالا باليابان في القرن 19 عندما استطاعت أن تمحو الأمية في زمن لا يتجاوز ثلاثين سنة، وفي مؤتمر لوزراء التربية في إيران خلال الستينيات من القرن الماضي حول محو الأمية، وحصل الإجماع بين الخبراء على أن محاربتها أمر بسيط في التقنية والتكلفة، ولكن هنالك معارضة سياسية داخل البلدان من الذين لا يريدون القضاء على الأمية، لأن المعرفة تحرر من أكبر سجن، الذي هو سجن الظلم.
هناك من يعتبر الأخلاق الدينية قيدًا للحرية الفردية، كيف ترون هذا الأمر؟
لابد أن نقر بوجود أناس مؤهلين لتفسير النصوص الشرعية، ولكن أؤكد أن المؤمن يبقى مؤمنا ينفذ تعاليم دين الله دون أن يضر بمصالح المجتمع الذي هو فيه، ولا يولد أشياء مضادة للقيم العامة.
وفي الواقع، فكل من له سلطة تكون له ميول ليكون سلطويا، وهنا أذكر بعض الفتاوى والمواقف التاريخية التي كانت مصدر تأخر العالم الإسلامي. وشخصيا لم أجد ولم أر أي تناقض بين أن يكون المسلم مسلما في إيمانه وأخلاقه وأن يدافع في الآن نفسه عن الحرية والديمقراطية، بل هذا الدفاع يعتبر الواجب الأول لدى المسلم، لأن الحرية يمكن اعتبارها أحيانا "صلاة" أيضا، فالصلاة قضية شخصية بين العبد وربه، ويحتسب الأجر عند الله، وذات طبيعة اجتماعية، وكذلك الحرية فهي قضية شخصية وفي الوقت نفسه قضية اجتماعية، ودفاعك عن الحرية لنفسك ومجتمعك فأجرك عند الله تعالى.
متى تتحول الحرية إلى استبداد؟ وكيف يكون الفرد حرا وملتزما اجتماعيا؟
استغلال الحرية هو استبداد، فاستعمال الريشة المصنوعة للكتابة للضرب هو نوع من الاستبداد، وبالتالي فطريقة استعمال الحرية، مع الإقرار بوجود حدود في استعمالها عندما تمس بحرية الآخرين، فهناك القانون العام والقانون الخاص لضبط العلاقات.
الفرق بين الحرية الشخصية كآلية والدفاع عن الآخرين، فكيف أدافع عن الحرية الشخصية دون توفير مناخ شمولي يجمع الكل على الرغم من اختلاف المواقف، لكن يبقى مبدأ الحرية مكفولا دون الدخول في نيات الآخرين، وأرى أن يكون الالتزام على المستوى الشخصي داخل المجتمع.
استنساخ الحرية
ذكر عبد الله العروي مراحل لتحصيل الحرية من الرمزية إلى الواقع وفق المنظور الليبرالي الغربي، هل يمكن نسخها بمراحلها لنحصل على حرية؟
صعب علي أن أنقد آراء زميل أكن له تقديرا خاصا، فلا أعرف بالضبط نظريا قصده بمراحل الحرية، ولكن كل الأشياء تخضع لمراحل مثل الإنسان، يبدأ المشي بأربعة أطراف ثم اثنين ثم ثلاثة، ولكن هذه المراحل تتطلب مناخا يسهل الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ومعرفة المناخ، الذي يعاكس هذه المراحل، ويجعل الإنسان قابعا في المرحلة الأولى ولا يتقدم.
فالمراحل مفهوم دينامي، ولكن يجب أن تكون بداية لهذه المراحل من الأولى إلى الثانية وهكذا، فالأرضية النظرية في الدين الإسلامي موجودة شرعا وعرفا وقانونا، كله مهم لإشاعة الحرية، فنحن المغاربة كنا نفكر في الاستقلال كمرحلة لحل جميع المشاكل ببرامج ومقاصد، والغلط أنه ليست لنا مقاصد واضحة تطبق بشمولية، والمراحل لم يسهل تطبيقها.
أما استنساخ الحرية فهو غير ممكن، ومن الناحية العلمية ليس هناك استنساخ إلا بشكل محدود في الحيوان والنبات، ويبقى النمو والتطور الذاتي هو الأساس، وهذا لا يمنع من وجود مقاربة وأخذ الأشياء اللائقة، ولكن يجب أن تكون فلسفة التنمية مبنية على الذاتية، وليست الآتية من الآخرين، وهناك تعددية، سواء في العالم الإسلامي نفسه أو عبر العالم بأسره، وهي ضمانة للحرية.
يختلف تعريف الحرية بين الفلسفة الغربية والمرجعية الإسلامية، هل تؤثر هذه المرجعيات على مفهوم الحرية؟
لكل مجتمع مفهومه للحرية، ولكل بلد أوروبي مفهومه للحرية، فالحرية في السويد تختلف عن الحرية في أسكتلندا، ومفهومها في ألمانيا ليس هو في البرتغال، وهذا لا يعني وجود تناقض بينها، ولكن هناك عرف ومناخات خاصة مثل النبات، فهناك نبات ينبت في بيئة باردة أو حارة وهكذا، والمطلوب هو التواصل الثقافي والحضاري، وليس أن يكون الفرد نسخة من غيره.
هل يمكن أن تؤثر العولمة التي يشهدها العالم اليوم على الحرية مفهوما وتطبيقا؟
العولمة إيديولوجيا ومبدئيا جاءت لعولمة الحرية، لكن في التطبيق نجد نوعا من النفاق، فالدولة التي جاءت بالعولمة كوسيلة للحرية بدأت تروج أن الحرية يمكن أن تنقل من مكان إلى مكان كما هي.
ولكن اليوم انفضح الأمر حتى لدى الرأي العام الغربي نفسه، وتبين له أن هذا الترويج كله نوع من النفاق، والمقصود الحقيقي هو الاحتلال والضرب ومحاربة منطقة معينة، خاصة الإسلامية مثل أفغانستان والعراق ولبنان، ويمكن غدا سوريا أو إيران، ومناطق أخرى في الخليج والمغرب العربي.
وهذا تناقض موجود لدى الغرب، فلا حرية في الإسلام بدون النهي عن المنكر، أي أن تقول هذا منكر في منطقتك الخاصة، وفي منطقتك المسلمة، وفي أي دولة أخرى ولو كانت فنلندا، فيجب أن يكون لك موقف منه كمؤمن، لأن الروح الآدمية عزيزة عند ربنا، فإن كان هناك ظلم وانتهكت حرية الآخر فيجب أن تتخذ موقفا من الذي مارسه، لأنه مس بقيم كونية وهي الدفاع عن الخلق والإبداع والكرامة الإنسانية، فهناك بلدان تحترم كرامة الشعب وفي الشارع، وهناك بلدان في العالم الثالث ما يسمى "الذل قراطية" وليس الحرية.
سؤال أكثر حميمية وذاتية، الدكتور المنجرة يصدع بأفكاره بحرية وشجاعة، هل هذا مكتسب فطري أو تعلمته من تجارب الحياة؟
الحرية لها حدود، وداخل نفسي، حريتي لا يمكن أن أتصرف بها لمصالحي الخاصة وضد مصالح الآخر، فحرية الشخص تنتهي عندما تبتدئ حرية الآخر، وهذا التفاهم الاجتماعي هو الذي ينتج مجتمعا متمدنا ومتقدما ويطبق روح المبادئ الإسلامية كما جاءت، وليس كما تطورت للأسف في بعض المناطق من العالم الإسلامي، حيث يعمل الإنسان العكس.
والإسلام ينبني على الإقرار، وهو يطالب المجتمع أن يكون علميا ومتربيا، ولا توجد فيه أمية مثل ما هي موجودة الآن، فالعلم ييسر المسار للمقاصد الكبرى وليس تحقيق الوسائل العملية البسيطة.
والحرية بالنسبة لي تربية وممارسة، فالحرية لا تعطى ولكن تؤخذ، سواء على المستوى الفردي أو الجماعات أو الدول، وكل خلقه الله ليمارس حريته، لكن الإنسان يعيش في مجتمع وليس وحده، وحتى الوحوش يجدون طريقة للتعامل مع بعضهم البعض، ولهم قوانين.
فالحرية لدى البعض في المرتبة الأولى، ولكن بالنسبة لي هي في المرتبة الثانية بعد الكرامة كغاية ومقاصد، فالحرية وسيلة والكرامة غاية، وبدونها لا يمكن أن يعطي الإنسان كل ما عنده من إمكانيات للمجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.