لم يكن ممكنا أن تمرّ الهزيمة النكراء التي مني بها حزب الجرّار في الانتخابات التشريعية الجزئية الأخيرة بمراكش وطنجة أمام غريمه المصباح دون تداعيات ومساءلة، خصوصا أن كلا الحزبين راهنا على تحقيق نتائج إيجابية في تلك الانتخابات باعتبارها ستحدد مسارا سياسيا مختلفا لكلا الطرفين. ولا يحتاج المرء إلى دهاء سياسي كبير ليدرك أن اصطفاف السلفيين التقليديين إلى جانب العدالة والتنمية في الانتخابات كان له التأثير الحاسم في إعادة ترتيب الأوراق وفرز خريطة جديدة بمنطقة الحوز، مع العلم أن المغراوي لم ينزل بكامل ثقله في الانتخابات السابقة، لأن العديد من أتباعه لم يكونوا مسجلين باللوائح الانتخابية. في هذا السياق يجب أن نقرأ الاتهامات الأخيرة الخطيرة الموجهة للشيخ ابن عبد الرحمن المغراوي من طرف أحد برلمانيي الأصالة والمعاصرة أثناء مناقشة قانون المالية بالبرلمان، وهي اتهامات عارية عن الصحة لأن السلفية العلمية هي الغريم التقليدي والخصم الإيديولوجي للتنظيمات الجهادية التي تمتح من فقه القاعدة وتدعو للخروج على الحكام بالسيف وتنشر ثقافة التكفير والتفجير؛ ولهذا دعونا منذ سنوات، مع بوادر ظهور القاعدة جنوب الصحراء، بتوسيع مجال دور القرآن، خصوصا في المناطق الجنوبية للمملكة، من أجل نشر حزام أمني/إيديولوجي يحول دون تسرب فكر القاعدة إلى الشباب السلفي، فيأتي اليوم من يتهم الشيخ بأنه إرهابي يهدد السياحة بمراكش وأكادير. وهذا الاتهام ينسحب بالطبع على حزب العدالة والتنمية الذي دعا الشيخ إلى تأطير العديد من أنشطته بمنطقة الحوز، كما زاره في مقر جمعيته وزير العدل والحريات السيد مصطفى الرميد منذ بضعة أشهر لقناعته بأن ملف دور القرآن يجب أن يعرف طريقه إلى الحل العادل؛ ونحن بدورنا وإن اختلفنا مع الشيخ في العديد من اجتهاداته القديمة وهو أعلم منا بالكتاب والسنة فإننا لم نشك يوما أن الرجل يدعو بمنهج سلمي إلى التمسك بالكتاب وصحيح السنة ونبذ الشرك والبدع، وقد زرته منذ ثلاثة أشهر في مقر جمعيته بمراكش رفقة أخينا الفاضل بلقايد العربي، البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، والكاتب الجهوي للحزب سابقا وعضو مجلس المدينة، وكانت تلك أول زيارة لي له بعد 12 سنة، في آخر لقاء معه كنت أهديته نسخة من كتاب "الرحلة المراكشية" لجدنا العلامة ابن الموقت المراكشي بعد إعادتنا طبعها وتحقيقها، كان ذلك سنة 2000؛ وقد تغيرت العديد من قناعات الشيخ بعد إغلاق دور القرآن، وسألته عن موقفه من هدم المزارات والأضرحة شمال مالي بتمبكتو، فأنكر ذلك واعتبره خارجا عن الحكمة، وتأسف لعدم إصدار بيان حينها يستنكر فيه ذلك. في بلاغه الأخير، أفاد الشيخ المغراوي أن عمدة مدينة مراكش السيدة فاطمة الزهراء المنصوري، ومصطفى الباكوري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة؛ طلبا لقاءهُ مؤخراً وأبديا الرغبة في معرفة رأيه في بعض القضايا، معبِّرَيْنِ عن احترامهما لشخصهِ وما يقدمه من خدمات للوطن وللساكنة المراكشية، وهذا ما يبدو مناقضا في ظاهر الأمر للاتهام الموجه إليه من السيد محمد المهدي الكنسوسي البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة،لكن الأمر لا يعدو أن يكون تبادلا للأدوار من أجل الضغط على الشيخ للخروج من لعبة التوازنات السياسية مع اقتراب موعد الانتخابات الجماعية المقبلة. الذي سيدركه الشيخ ابن عبد الرحمن المغراوي، مع مرور الوقت، أنه أصبح ورقة رابحة في تحديد معالم الخريطة السياسية لجهة الحوز، وأنه سيخضع لضغوط أكبر مع اقتراب موعد الانتخابات، وإذا ما أحسن إدارة الصراع السياسي فإن الحد الأدنى الذي يمكن أن يحققه في هذه الفترة هو إعادة فتح مقرات دور القرآن التابعة له، أما تهمة "الإرهاب" فإن أول من يعلم براءته منها المخابرات المغربية.