كلما تم تفكيك خلية إرهابية هنا أو هناك .. عدت من جديد لأقنع نفسي ومن حولي بضرورة التربية الصوفية لإنقاد ما تبقى من أجساد مفخخة وعقول تغط في سباتها العميق، يتم التغرير بأصحابها . وعليه، فإن عنوان المقال ليس من العناوين الاستهلاكية التي يكون غرضها فقط اللعب على أوتار القارئ، بل إن للتصوف حلولا لا تستطيع حتى أكبر القوى السياسية في العالم أن تقدمها .. لأن السياسة في الأول والأخير تخاطب الجسد .. وإن ارتقت فهي تخاطب النفس .. وإن ارتقت رتبة أعلى فهي تخاطب العقل؛ .. وكلها لا تحدد ماهية الإنسان، كما أنها خاضعة من جهة أخرى لمنطق مادي صرف؛ بينما التصوف يخاطب جوهر وروح الإنسان بمعنى الصفة الثابتة فيه فضلا عن روح المعاملات بين الأنا والآخر.. على رأسها التسامح. كلامنا السابق ليس إلغاءا للعقل كلية، أو السياسة معا؛ بل إننا نصل بالعقل إلى الحاجة إلى ما هو أقوى وأكبر منه .. وهو الإيمان .. الذي يعيد انسجامنا مع ذواتنا، وبه أيضا نصل إلى ما هو أرقى من المعنى الذي يقدم «للسياسة» كما تدبر دواليبها اليوم .. وما الحديث عن «أخلاقيات السياسة» أو «تخليق الحياة السياسية» وغيره .. إلا محاولة لإعادة الثقة إلى ذات السياسي، وإلى جسم السياسة بشكل عام .. أو قل محاولة تزكية السياسة من قيم الفساد والمحسوبية والكذب والبرغماتية ... والتزكية يا أحبابي من إختصاص علماء التربية ! الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرشدنا إلى مقام أعلى من مقام الإيمان وهو الإحسان .." أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " والعلم الذي يوصل إلى هذا المقام هو علم التصوف، وأصحابه هم العلماء ورثة الأنبياء .. أي العارفون بالله تعالى .. هذا هو حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله يقول : ولقد علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرهم أحسن السير وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق. ويقول الامام مالك رحمة الله تعالى: من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق . *** الأهمية الكبيرة التي أعطيت ولازالت تمنح للعقل حولته إلى صنم، إلى شيء يعبد بدون شعور؛ لأن المطالبة المتكررة بتطبيق المنطق والتفكير بعقلانية والإعتماد على شواهد العقل العلمي غالبا ما تسلب الإنسان إنسانيته وتسحر ملكاته، والعقل نفسه أثبت نسبيته وخضوعه لشروط معرفية لعصره، لذلك تحدث فلاسفة العلم عن مفهوم القطيعة والتكذيب .. وفي الجزيرة الأخرى من الفلسفة تحدثوا عن اللاعقل .. والكوارث التي وصلت إليها الأمم اليوم في ميادين السقوط والفشل الإنساني دليل على قصور العقل كما نفهمه على الأقل في تدبير حياة الإنسان . آن أوان البشرية أن تعترف اليوم وأكثر من أي وقت مضى بضرورة الإهتمام بالجانب الروحي للإنسان كما هو واضح في التصوف السني، وهي رسالة بقدر ما تهم البشرية جمعاء بقدر ما تجعل المسلم هو أول مسؤول ومكلف بنشر هذه الرسالة لأن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم رحمة للعالمين .. عسى أن نحد من تفشي جملة من الظواهر السوسيولوجية السلبية مثل التطرف والإنتحار والإنحراف عن عبادة الخالق سبحانه وتعالى «أقصد هنا عبدة الشيطان وغيرهم» ! وما كثرة الجرائم وتفشي ظواهر أخلاق الرذيلة في مجتمعاتنا الإنسانية من رشوة وفساد ونهب للمال العام واغتصاب وقتل .. وغيره، فضلا عن جفاف المشاعر وعواطف المحبة والتراحم ، وانتعاش «الفكر الإرهابي» إلا دليل قوي على أن روح الإنسان تحتاج إلى تربية .. تحتاج إلى صفاء .. حتى يرى الحق حقا والباطل باطلا .. [email protected] https://www.facebook.com/belhamriok