1) تغيرت العديد من معاني العيد عندنا، وأول معنى تغير هو طريقة التهنئة، فبعدما كانت كلمة "مبروك لعواشير" تسمع في كل منزل وكل حي، بحيث يزور الأهل بعضهم البعض ويلتقي الأصدقاء بعد طول غياب، تحولت هذه الكلمة إلى مجرد جملة ركيكة تتجول ببرودة دم في الفايسبوك ولا تحمل حقيقة المشاعر التي من المفروض أن يحملها العيد، أو إلى صورة إلكترونية ملونة عليها رسم خروف وكلمة مبروك العيد يرسلها الشخص إلى أصدقائه الافتراضيين أو يكتب عليها أسماءهم دون حتى أن يعرف هل ذلك الشخص المكتوب اسمه على الصورة حي يرزق أم ودع الحياة..هل لديه الانترنت أم لا..هل سيدخل على الفايسبوك أم لا..المهم تهنئة إلكترونية باردة لا تعني سوى واجب التهنئة لا اقل ولا أكثر.. أكيد أن المواقع الاجتماعية تبقى وسيلة مميزة لتهنئة بعضنا البعض بالعيد خاصة أولئك الذين لا شيء يجمعهم سوى خيوط هذا العالم الافتراضي، لكن من غير الجميل أن نستغني عن مباركة من يمكن أن نطرق بابهم القريب منا باستخدام الفايسبوك، ومن غير الصواب أن نتجاهل وجود الآخرين في الحياة الواقعية ونصنع لهم تماثيل في عالم افتراضي المفروض فيه أن يساعدنا على التقارب بيننا لا العكس.. وحتى من يستخدم الرسائل النصية القصيرة، يقوم أحيانا بنسخ نفس الرسالة ويرسلها لجميع الأصدقاء، وكثيرا ما تصلك رسالة نصية بها أخطاء لغوية كثيرة قد وصلت أيضا لصديقك، ولا عجب، فالتكنولوجيا جعلت البعض منا يتكاسل حتى عن كتابة رسالة نصية فما بالك بزيارة الأحبة.. 2) هوس بعض المغاربة بالكبش هوس غريب يستحق أكثر من حديث وحديث، فالبعض بيننا يختزل عيد الأضحى في ذلك الكبش ذو القرنين الذي سيتم ذبحه صبيحة العيد، بل أن هناك من يقيس حجم الفرح الذي يسكننا يوم العيد بمساحة خروفه من اللحم والشحم، وأعرف قريبا لي من العائلة، أصيبت زوجته بنوبة هستيرية بسبب خروف صغير لم يستجب لتطلعاتها فبدأت تصرخ:"وناري ميمتي..جاب لي مش..وناري على شوهتي بين الجيران..." القريب المسكين عاد من جديد إلى الرحبة لكي يبحث عن خروف أكثر إقناعا لزوجته، ولما وجد أن الخراف السمينة قد بيعت ولم تبقى سوى "القطط" على وزن كلام زوجته، زار أقرب سوق ممتاز، واشترى لزوجته ثلاجة جديدة كي يلملم خاطرها بعض الشيء:اللهم "عمش" الثلاجة أو عمى نحافة الخروف.. الحمد لله أن اللحوم متوفرة في الأسواق رغم ثمنها المرتفع قليلا، فلا يهم حجم الخروف ما دام المهم هو إحياء سنة دينية لا تشترط السمين أو ذو القرون الطويلة..لكن البعض منا يتعامل مع العيد على أنه سباق لشراء أكبر الأكباش شحما ولحما، لتكون النتيجة تبذير للمال وزيارة مقبولة للمستشفى والصيدليات بعد العيد.. 3) الأعياد بصفة عامة تحولت إلى ضيوف ثقيلة ينتفي معها ذلك الإحساس الذي كان في الماضي بروعتها وقدرتها على ضخ البهجة في قلب الإنسان، منذ مدة وأنا أبحث عن السبب في ذلك، فاسترعى اهتمامي أمر غريب هو أن الأطفال هم أكثر من يفرحون بالعيد وهم أكثر من يتذكرونه، لأنهم ببساطة لا ينظرون للعيد إلا كمناسبة للفرح وللبس أجمل الملابس، فهم يتعاملون مع العيد بكثير من النضج عكسنا نحن البالغين الذين ننغمس في همومنا حتى الثمالة فيمر العيد ثقيلا للغاية.. في كل سنة نتقدم فيها في العمر، تتناقص المساحات المخصصة للفرح ونشتغل بضروريات الحياة فننسى مع ذلك فرص الفرح التي يقدمها لنا القدر:الإنسان البسيط بيننا يقضي الأشهر السابقة على العيد يفكر كيف سيشتري أضحيته وكي سيتدبر مصاريف العيد، الطالب بيننا ينظر للعيد كمناسبة لمراجعة دروسه، الموظف يرى فيه 3 أيام من الراحة، وفي الجانب الآخر، الكثير من التجار بيننا لا ينظرون للعيد إلا كمناسبة لتحصيل الكثير من المال غير عابئين بالمستوى المادي لإخوانهم، فيرتفع ثمن الأضحية بشكل صاروخي ويصير ثمن تذكرة الحافلة أو التاكسي مضاعفا، ويتحول المواطن إلى أداة لملأ الجيوب رغم أن من المفروض أن يكون العيد مناسبة للرحمة كما نتشدق بذلك في الخطب والكلمات الرسمية.. 4) العيد يحتاج منا أن نراه بأعين صافية صادقة..أن نستخلص الدروس والعبر من وقوف الحجاج في يوم عرفة جنبا إلى جنب متوحدين غير عابئين بالاختلافات والحواجز اللغوية والثقافية والاجتماعية..أن نلتفت إلى ذلك الفقير الذي لا يملك ثمن الأضحية فنساعده على شرائها عوض التمادي في التباهي بحجم الخروف..أن نخرج قليلا من المواقع الاجتماعية ونعطي الأهمية لبعضنا البعض في الواقع..أن نرى في العيد مناسبة للفرح وليس شيء آخر.. عيدكم مبارك سعيد..أدخله الله عليكم باليمن والبركات.. [email protected] http://www.facebook.com/azzam.page