قال حسن هموش رئيس فدرالية الفرق المسرحية المحترفة، إن الحركة المسرحية مشروع مجتمعي يتطلب تدخلات إستعجالية ورؤية واضحة وسياسة ثقافية لها من الجرأة ما يخرجها من الثقافة الترقيعية وسياسة التهدئة. وأكد ذات المتحدث في حوار مع "هسبريس" أن تراجع المسرح في السنوات الأخيرة ناتج عن عدم وجود استمرارية الإنتاج والبحث، وأن الحركة المسرحية في الفترة الماضية عاشت غياب إطار يمثل ويشكل حلقة تواصلية ما بين الإطارات. كرئيس للفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، كيف ترى الحركة المسرحية في المغرب؟ قبل أن أكون رئيسا للفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، خبرت الحركة المسرحية من خلال تجربتي المتواضعة والتي راكمتها منذ الثمانينات من القرن الماضي، وأعتقد أن هذه الحركة إلى حد الآن، تعيش من ذاتها ولذاتها، وتتأرجح ما بين مزاجيات المؤسسات التي تولت رعاية الشأن المسرحي ببلادنا وبين الهشاشة التي تعتري هذه الممارسة سواء على المستوى التنظيمي والقوانين المنظمة للقطاع التي جعلت منه مجرد نشاط عادي مبتذل . الآن لا بد من الإشارة، أن الحركة المسرحية ليست موضوعا لقضية تفك رموزها في يوم دراسي، إنها مشروع مجتمعي يتطلب تدخلات استعجالية ورؤية واضحة وسياسة ثقافية لها من الجرأة ما يخرجنا من الثقافة الترقيعية وسياسة التهدئة، التي لا تقدم سوى حلولا مرحلية، سرعان ما تظهر بوادر النقص والعيوب بها. وحتى لا أكون عدميا، هناك إرادات حقيقية، حاولت أن تبلور تصورات مرحلية، لوضعية الحركة المسرحية، وهنا لن ننكر الدور الذي لعبته النقابات الفنية في هذا المجال وعلى سبيل المثال لا الحصر النقابة المغربية لمحترفي المسرح، وبعض التفاعلات الإيجابية مع الوزارة الوصية، لكن أنا أقول أن الإرادة وحدها لا تكفي، وما أنجز لحد الآن لا يرقى وبشكل كبير إلى طموحات المسرحيين، لسبب بسيط أن قضية الممارسة المسرحية هي قضية الدولة بكل أجهزتها. كما يجب الإشارة أنني هنا أتحدث عن الجوانب الهيكلية والتنظيمية، أما الإبداع فتلكم قضية أخرى ولو أن الفصل بين شكل القضية وجوهرها أمر لا منطق له. صحيح أن فرق مسرحية استطاعت الاستمرار رغم كل ما ذكر، واستطاعت الحفاظ على أثريات الحركة المسرحية وتعاقبت بعدها فرق مسرحية أثثت المشهد المسرحي بإبداعات متنوعة ومختلفة وتعبر عن هموم وقضايا عصرها والمرتكزات الفكرية والفنية لأصحابها... صحيح أن هناك قيم مضافة للحركة المسرحية يجب أن نعترف بها وأن يهتم بها النقد المسرحي وهذا مجال أخر له اشكالياته وتداعياته...لكن الأساس، أن لا ينفصل الإبداع عن جوهر القضايا الإنسانية وأن لا يعتبر المسرح قضية مؤجلة. المسرح المغربي كان في وقت ما يشار إليه بالبنان لرصانته وقوة نصوصه ولوجود نخبة من الفنانين المبدعين قبل أن ينحدر به الأمر إلى ما يسمى المسرح التجاري، هل هناك أمل في ازدهار المسرح المغربي من جديد؟ أولا لا بد من التوضيح، أننا عندما نتحدث عن فنان نتحدث عن مبدع يفكر ويعي قضاياه والإشكالات الوجودية والفلسفية، فالمبدع مبدع والفن فن، وحين نتحدث "عن وقت ما"، نتحدث عن فترة زمنية امتدت تقريبا من أواسط القرن الماضي إلى أواخر الثمانينات من نفس القرن، وبالضبط أخر مهرجان لمسرح الهواة في سنة 1986 على ما أعتقد. دعني أذكر أن الشروط الثقافية والفنية وحتى المخاض السياسي أنداك، أفرز حركية متميزة ليس فقط في المغرب بل في العالم بأسره، هذه الحركية أثرت "إيجابا بالمفهوم النسبي" على كل مناحي الحياة الثقافية المغربية، الأدب، النقد، الشعر، الموسيقى، التشكيل والمسرح، وأفرزت تجارب مهمة رغم قلتها، وأبحاث نقدية وتنظيرية مهمة، الآن الأمر يختلف لأسباب متعددة أبرزها : أولا عدم وجود استمرارية الإنتاج والبحث، وهما عاملين أساسين في بناء المشروع المسرحي الذي قد يلغي أو ينفي ما سبق لكن بمعرفة أكيدة ومضبوطة، وهذا هو قانون الإبداع على المستوى العالمي وما ميز التيارات الفكرية والفلسفية التي تعاقبت قبل وبعد الحرب العالمية الأولى والثانية. ثانيا تعدد الوسائل المنتجة للفرجة، والتعامل معها بنوع من البراكماتية المادية أو ما أسميه البركماتية المعيشية.( كالسينما – التلفزيون ...إلخ) ثالثا السؤال الآن لا يهم فقط المسرح، بكل تعقيداته وإشكالاته، وهو الفن الذي يتطلب انصهار الجماعة والإنتاج والإبداع الجماعي، السؤال يشمل الموسيقى والغناء والتشكيل والكتابات الأدبية نثرا وشعرا والكتابات النقدية والرقص.. لكن يبقى المسرح، بالرغم من كل هذه التحولات يشكل حضوره جزءا مهما في الخريطة الثقافية ببلادنا، ما نصدره من أحكام على أنه فن راق أو غير راق، أعتبرها مجرد أحكام قيمية، لأن الحكم يكون مواكبا بالنقد التحليلي التفكيكي، الآن أمام غياب هذا المعطى المؤشر الحقيقي لما عليه الحركة المسرحية، يمكن أن أصطف في موكب الناقد لأقول، أن هناك العشرات من الأعمال المسرحية لفرق مسرحية ذات مستوى إبداعي وفني جيد، ونصوص مسرحية ورؤى إخراجية جيدة، وقدرات في التشخيص جيدة وتصورات في السينوغرافية والاهتمام بتصور الملابس والإنارة جيدة، إذا كنا ننتج 60 عرضا مسرحيا في السنة ونقدم 20 عرضا جيدا و 2 عرضا متوسطا فأعتقد أننا لازلنا أوفياء للزمن الجميل الذي نتحدث عنه .. هذه الأرقام التي أعطيتها هي أرقام تقريبية . فكما يجب أن نهتم بالعرض المسرحي كمنتوج فني فكري، لا بد من الاهتمام بشروط إنتاجه المادية والتنظيمية والبشرية، وكم حققنا قبل الحديث عن العروض المسرحية من قاعات للعرض المسرحي وما هي الميزانية العامة المخصصة للإنتاج المسرحي سواء من وزارة الثقافة أو الجماعات المحلية التي تغيب عن هذا المشروع. الآن نحن متفائلون جدا بالوعي الذي أصبحت عليه الحركة المسرحية، وواعون بالحقوق والواجبات. وواعون أن المسرح هو في أمس الحاجة لرعاية الدولة واحتضانها. نحن مع الاختلاف والتنوع، وما قد يسمى بالمسرح التجاري هي تنظيمات تعرفها كل دول العالم تعبر عن ذاتها وتتعامل مع القضايا برؤيتها وليس لنا الحق في مصادرة حق أي أحد، الأكثر من هذا لابد من الخروج بالمسرح من منطق الدعوات والمجانية. ما الذي يمكن ان تضيفه الفدرالية للمشهد المسرحي الذي يعاني من الهشاشة؟ لا بد من التذكير أن خلال هذه الفترة، عاشت الحركة المسرحية غياب إطار يمثل ويشكل حلقة تواصلية ما بين الإطارات الإنتاجية / الفرق المسرحية فيما بينها من جهة وما بينها وبين الدولة من جهة أخرى. لقد استعرضت باقتضاب شديد الإشكالات والمعيقات، و نحن واعون جيدا على أنه أن الأوان أن نتوحد حول المشترك وأن نتحاور ونناقش المختلف فيه وهذا قمة الوعي والإدراك الذي جعل الإطارات المسرحية تقرر أن تتوحد وتختلف ولم لا في إطار يجمع كلمتها ويوحد رؤيتها. ألا ترى أن الفدرالية كانت ردة فعل على سياسية وزير الثقافة السابق حميش لدى ولدت ميتة؟ كيف تحكم عن هذه الولادة بالموت ؟ كيف تحكم على تجمع ضم 48 فرقة مسرحية، واعتذار ما يزيد عن 10 فرق مسرحية لارتباطاتها المهنية المسبقة، والتحاق ما يناهز 15 الفرقة مسرحية والحوار والتواصل ما زال مفتوحا مع كل الفرق المسرحية بكل ربوع المملكة، هذا يؤكد أن الإطار ولد راشدا ناضجا... دعني أقول أنه لدينا وعي بالتحولات التي تعرفها المرحلة، ولنا إيمان بأن قضايا المسرح لن يفصل فيها إلا المسرحيون أنفسهم، ونحن ضد كل سياسة التهميش والإقصاء .. نحن ندعو إلى إصلاح المؤسسات وضمان إستمراريتها، فالمؤسسات التي تسيرها مزاجية أشخاص، هي لا تعبر سواء عن ضعف الدولة.. فحميش مرحلة انتهت، وفترة أكدت وعي المسرحيين الذي قيل عنهم ما قيل في دهاليز الوزارة آنذاك. ونحن سنكون ضد كل سياسة "حميشية " أو تدبير "حميشي، ونحن واعون أيضا أن هناك من لا مصلحة لديه أن يكون للفرق المسرحية صوتا يعبر عنها ويجمع كلمتها على نقط أساسية وواضحة. بعد رحيل حميش ما هي أفاق الانتظار وما هي مطالب الفدرالية؟ لم تنتظر الفرق المسرحية "حميش" كي يكون لها مشروعا، ورؤيا، ولم تكن غائبة عن مواكبة هذه التحولات، إذن نحن لا نختزل ذاكرتنا ومشروعنا عند ولاية وزير بعينه. والأكيد أن انتفاضة المسرحيين جاءت مع الربيع الديمقراطي، وسنستمر في صنع ربيعنا المسرحي، والمطالب سنعلن عنها قريبا في برنامج عملي واضح المعالم ومحدد الأهداف. ألا تظن بأنك رفقة مسعود بو حسين رئيس نقابة محترفي المسرح ستكونان صمام الأمان لنجاح تجربة الوزير الحالي؟ هذا السؤال إما ينطوي على جهل بتاريخ مسعود بوحسين وحسن هموش، أو أنه يريد أن يجعل من قضايانا المشتركة، قضية مبتذلة، قضيانا مع الدولة ومع الحكومة. نحن الآن نشتغل على ملفات تهم وزارة الثقافة، ووزارة الاتصال، ثم وزارة الداخلية الممثلة للمجالس الجماعية، ووزارة السياحة، والقطب العمومي لقطاع السمعي البصري. نحن نمثل كل الحساسيات الثقافية والفنية وحتى السياسية فلا مزايدات في هذا الشأن. لنا أجندة لقاءات مع كل هذه المؤسسات، ببرنامج واضح، وكلمتنا ستكون بالنتائج التي سنحصل عليها بالحوار أولا ثم بالأشكال التي نراها مناسبة حسب ما ستسفر عليه نتائج اللقاءات. كيف تتصورون مستقبل المسرح المغربي في عهد الحكومة الجديدة التي يقودها بنكيران؟ لحد الآن، ليست هناك أي إشارات واضحة تحدد التوجه العام للحكومة حول مجموعة من القضايا الخاصة بالشأن الثقافي والفني، الأهم أن الدستور المغربي، خصص جزءا مهما ولأول مرة في تاريخ دساتير المملكة فقرات هامة عن الثقافة مع إحداث المجلس الوطني للغات والثقافات، الآن بيننا وبين الحكومة كيفما كان لونها السياسي، حكم نحتكم إليه، الدستور المغربي وهناك أيضا مواثيق واتفاقيات دولية. لكن نحن نعتمد الآن عن نتائج اللقاءات التي ستبين وتوضح كل التساؤلات التي يحملها الملف المسرحي تنظيما وهيكلة والقضية الثقافية عموما.