أعلن رئيس الحكومة المغربية عن إطلاق "المخطط التشريعي"، وتناوب العديد من المسؤولين الحكوميين على شاشات التلفزيون ليرددوا خطابا مبنيا على فكرة أن المخطط التشريعي حدث تاريخي غير مسبوق في المغرب ،دون الانتباه إلى انه لم يسبق في التاريخ الدستوري المغربي منذ 1962 أن نصت الوثيقة الدستورية على المضمون الذي جاء في الفصل 86 من وثيقة يوليوز 2011 ،الذي يشير إلى انه ينبغي "أن تعرض مشاريع القوانين التنظيمية وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان في اجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ الدستور ". وبالتالي، فنحن أمام حدث عادي وليس أمام حدث تاريخي كبير يردده المسؤولون الحكوميون على مسامعنا لدرجة الاعتقاد أننا لازلنا في حملة انتخابية أو أننا لازلنا في عهد دستور 1996. ويبين التشخيص الأول لهذه المسودة التشريعية، أنها جاءت قابلة لقراءات مهنية في طريقة الإعداد وقراءات دستورية وسياسية توضح الطريقة التي تفكر بها الحكومة في تنزيل مقتضيات الدستور والكيفية التي تنظر بها إلى البرلمان . "تقرير لنيل الإجازة المهنية" أكثر منه مسودة مخطط تشريعي ويوضح شكل مسودة "المخطط التشريعي" أن الأمر يتعلق بمشروع بحث أكثر منه مخطط تشريعي ،فمواصفاة " المخطط التشريعي "غير موجودة وجداول التقييم الموجودة في المسودة هي شبيهة بتقارير الأنشطة الإدارية ،ولا احد يعرف ماهي الدراسات التي باشرتها الدولة قبل أعداد المخطط ؟وهل هناك دراسات للجدوى ودراسات للكلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ترتيب أولويات مشاريع القوانين التنظيمية المقترحة، فماهي المعايير التي اعتمدتها رئاسة الحكومة لتأخير القانون التنظيمي للجهوية رغم أن تأخيره يشكل مخاطر داخلية وخارجية على الدولة ،خارجية لان الذين اعدوا المسودة لم ينتبهوا الى ان تنزيل الدستور قضية اكبر من برنامج انتخابي او حكومي لكونها مراقبة من طرف المنتظم الدولي ،فالقارئ لمضمون تقرير الأمين العام الاممي الأخير حول الصحراء سيلاحظ انه أعاد مرارا تكرار فكرة تبني المغرب للجهوية في إصلاحاته الدستورية،وبالتالي ، فان تأجيل تنزيل مشروع الجهوية بمبررات وحجج وحسابات انتخابية داخلية قد يجعل الدولة أمام حالة انحصار دستوري في شقه الترابي، و قد يجعل المجتمع الدولي ينسى تدريجيا فكرة الحكم الذاتي، لسبب بسيط هو إمكانية خروجه بفكرة مفادها أن الدولة غير القادرة على تبني الجهوية لن تكون قادرة على تبني الحكم الذاتي . وتوضح صفحات مسودة "المخطط التشريعي" أننا أمام عمل وصفي اعد بدون دراسات ،ويعتمد في تطبيقه على ندوات او تشكيل لجن في المستقبل ،وهنا يطرح عامل الزمن حول اشتغال اللجن، كما يطرح السؤال حول تنظيم ندوة أو ندوتين،هل هو عمل كافي للخروج بتوصيات لإعداد قانون تنظيمي او قانون عادي خاصة وان الحكومة نفسها اشتغلت أربعة شهور لإخراج مرسوم واحد، هو المرسوم التطبيقي للقانون التنظيمي للتعيين في المناصب العليا؟ وتبين الأجندة الزمنية الموضوعة في "المخطط التشريعي" سوء تقدير زمني كبير للصناعة التشريعية ،فالحكومة تتوقع إنتاج خمسة قوانين تنظيمية خلال الثلاث اشهر المقبلة (القانون التنظيمي للحكومة ،القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية ،القانون التنظيمي للمالية ،القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب ،القانون التنظيمي المتعلق بتحديد طريقة تسيير لجان تقصي الحقائق ) ،فهل يمكن لمجلس النواب ومجلس المستشارين، ونحن في منتصف شهر أكتوبر، ان يدرسا ويناقشا ويصوتا على كل هذه القوانين التنظيمية في أواخر سنة 2012؟ فواضعو الدستور قدروا زمنية وضع 21 قانون تنظيمي خلال فترة زمنية لخمس سنوات، والحكومة اليوم تتوقع إنتاج خمس قوانين تنظيمية في ثلاثة اشهر. رئيس الحكومة يحول الأمانة العامة للحكومة إلى برلمان ولعل أول سؤال يطرح عن هذا الحدث العادي هو من أعطى لحكومة "عبد الإله بنكيران" الترخيص لإعداد ما سمته ب"المخطط التشريعي "؟ فالبرلمان هو صاحب السلطة التشريعية ،وفق ما جاء في الفصل 70 من دستور يوليوز 2011، وهي سلطة لم تكن موجودة في دستور 1996 ،ويبدو هنا ان رئاسة الحكومة تتعامل مع البرلمان بمقتضيات الدستور القديم ، ولم تنتبه إلى أن التوصيف الدستوري الذي يقدم للنظام السياسي المغربي بعد وثيقة 2011 هو انه محكوم بقواعد النظام البرلماني في العلاقة بين البرلمان والحكومة ومراقب بقواعد دستورية تستعمل من طرف سلطة رئاسية التي هي الملك ،فالمعطيات المتوفرة ،ومنها تصريح رئيس مجلس النواب السيد "كريم غلاب " في حوار مع جريدة الأحداث المغربية يوم 12 أكتوبر 2012،تبين انه "لم يطلب من المجلس أن يشارك في هذا العمل " ،بمعنى أن مجلس النواب لم يستشر حول المسودة التي أعدتها الحكومة رغم انه سلطة تشريعية . فكيف يمكن لرئيس الحكومة أن يهمش السلطة التشريعية في لحظة إعداد النصوص ويحول سلطات البرلمان إلى الأمانة العامة للحكومة ؟ فتصريحات السيد "مصطفى الخلفي" وزير الاتصال تبين بان الأمانة العامة أشرفت على عمل القطاعات الوزارية و "أعدت النصوص النهائية للمشاريع الوزارية" وهو ما يعني ان الأمانة العامة للحكومة تحولت الى سلطة تشريعية محل البرلمان في المغرب . وبذلك، يكون رئيس الحكومة قد استولى على الحقوق الدستورية للبرلمان بدون اخذ الترخيص منه بصفته سلطة تشريعية أو إشراكه في عملية الإعداد والإشراف،فرئيس الحكومة تجاوز التنفيذي ومارس التشريعي محل البرلمان بواسطة الأمانة العامة للحكومة. وتشير صيغة الأمر المستعملة في نهاية المسودة، لما يطلب رئيس الحكومة من البرلمان "تسريع وثيرة العمل التشريعي وعقلنته" ،أن الحكومة تنظر إلى البرلمان ،من خلال هذه العبارة المثيرة للانتباه ، بأنه مؤسسة تنفيذية تابعة لها . وإذا كانت وثيقة يوليوز 2011 قد تضمنت في فصولها 161 الى 170 التنصيص على مؤسسات وهيئات حماية حقوق الإنسان والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية وهيئات حقوق الإنسان بدون ان تميز بينها،فان رئيس الحكومة عمد إلى التمييز بينها بان جعل الهيئات الجهات المشرفة على إعداد قوانين هذه الهيئات تتوزع مابين الديوان الملكي (حالة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ،الوسيط ،مجلس الجالية المغربية بالخارج )وبين لجن خاصة وحدها (كحالة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ) وقطاعات حكومية مشرفة (كحالة إشراف الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة على إعداد مشروع قانون الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ). ولكن ، كيف يمكن لرئيس الحكومة ان يسلم أمر إعداد بعض قوانين تأليف وصلاحيات وتنظيم وقواعد سير هذه المؤسسات إلى جهات أخرى؟و ماهو الأساس القانوني الذي اعتمد عليه في هذا التوزيع ؟ و هل يملك رئيس الحكومة صلاحيات دستورية تسمح له بان يطلب من الديوان الملكي الإشراف على إعداد مشاريع نصوص قانونية لبعض الهيئات كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ؟ ام أننا أمام "اجتهاد دستوري" لمؤسسة رئاسة الحكومة ؟ وما هي المسطرة القانونية التي سيمنح بموجبها إلى الديوان الملكي صلاحية أعداد مشاريع قوانين بعض المؤسسات ؟ وكيف سيكون الشكل القانوني الذي سينتجه الديوان الملكي لهذه المؤسسات التي ينص الدستور أنها ستنظم بمقتضى قوانين ؟ وهل يقدم رئيس الحكومة سلطات الى الديوان الملكي قد يتحول إلى محتج على ممارسة هذه السلطات في المستقبل؟ رئيس الحكومة يضيف قانونا تنظيميا جديدا ويقصي القانون التنظيمي للمعارضة؟ وتشير مسودة "المخطط التشريعي "، بشكل يدعو الى الغرابة ، في تناولها للقانون التنظيمي المتعلق بالجهات والجماعات الترابية إلى إمكانية وضع قانونيين تنظيميين واحد يخص الجهوية الموسعة والثاني يخص الجماعات الترابية ،فالأمر هنا يتعلق بمحاولة واضحة لمخالفة الدستور الذي ينص في فصله 146 على قانون تنظيمي واحد يجمع فيه الجهات بباقي الجماعات الترابية . ومقابل إمكانية زيادة قانون تنظيمي جديد ،فان مسودة "المخطط التشريعي" سكتت عن القانون التنظيمي لضمان حقوق المعارضة المشار إليه في الفصل 10 من وثيقة يوليوز 2011 لما نص على انه (...تحدد كيفيات ممارسة المعارضة لهذه الحقوق ،حسب الحالة ،بموجب قوانين تنظيمية او قوانين عادية او بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان ) ،والحال انه كان على الحكومة أن تثير مشروع هذا القانون التنظيمي لضمان حقوق المعارضة ، لأننا سنكون أمام حالة اهتزاز في التوازن البرلماني على مستوى المناقشة والتصويت على مضامين "المخطط التشريعي" في حالة ما إذا استمر تنظيم حقوق المعارضة بمقتضى النظامين الداخليين لمجلس النواب والمستشارين . إقصاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان:مخاطر تشريع بدون مقاربة حقوق الإنسان ويلاحظ أن "المخطط التشريعي " عمد إلى إقصاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان من الهيئات التي ستشرف على إعداد القوانين التنظيمية ومن الجهات المشرفة على إعداد نظام هيئة المناصفة ومكافحة إشكال التمييز، واستبدال المجلس الوطني في هذه المهمة بالمندوبية السامية لحقوق الإنسان التي لا يعرف إلى حد الآن ماهي وظيفة هذه المندوبية في مجال حقوق الإنسان في المغرب ؟ وكيف يمكن ان يقبل الهيكل التنظيمي للدولة بمندوبية لحقوق الإنسان ومجلس وطني لحقوق الإنسان ؟ ف"المخطط التشريعي" يبعد المجلس الوطني عن التشريع رغم ان المهام المنصوص عليها في المادة 13 من الظهير المحدث له تنص على أن المجلس يتولى بحث ودراسة ملائمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ورغم إن الدستور المغربي لسنة 2011 يتضمن بابا يضم 22 مادة تنظم الحقوق والحريات ،وبالتالي فغياب المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن الهيئات المشرفة على إعداد القوانين التنظيمية معناها انه سيتم تنزيل مقتضيات الدستور بدون مقاربة لحقوق الإنسان، لأنه ليس هناك في الحكومة جهاز مختص في مجال حقوق الإنسان له خبرة الموارد البشرية في المجلس الوطني . مخطط تشريعي بديمقراطية تشاركية رسمية: أين المجتمع المدني؟ وإذا كان الفصل الأول من الدستور يحدد الديمقراطية المواطنة والتشاركية كأحد الدعامات والقواعد التي يقوم عليها النظام السياسي المغربي ،فان مسودة "المخطط التنشريعي" لم تجعل من القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسات حق المواطنات والمواطنين في مجال ملمتسات التشريع والعرائض إلى السلطات العمومية قانونا تنظيميا له أولوية ،بمعنى انه لن يحق للمواطنين والمواطنات المشاركة باقتراحاتهم ورفع مذكراتهم الا في سنة 2015، اذا تم الإسراع بمسطرة المناقشة، فكيف ستضع الحكومة نصوص قانونية بدون وضع القوانين التي تمكن المجتمع المدني من المرافعة والمشاركة بملتمسات تشريعية ؟ وما الفائدة من وضع القانون التنظيمي المحدد لشروط تقديم ملتمسات التشريع والعرائض بعد إصدار جزء كبير من النصوص القانونية ؟ وكيف يمكن إشراك المجتمع المدني عن طريق تقديم مذكرات حسب الصيغة المنهجية المقترحة في مسودة المخطط التشريعي ؟ بمعنى أخر، كيف يمكن للحكومة ان تقنن مشاركة النسيج الجمعوي المغربي، كأحد اكبر تجمعات تنظيم المجتمع المدني في إفريقيا والعالم العربي، عن طريق تقديم مذكرات مكتوبة؟ ويبقى الشيء المثير للانتباه هو إصرار الحكومة على وضع كل هذا العدد من القوانين التنظيمية والعادية التي تصل الى حوالي 300 نص قانوني ضمنها 15 مشروع قانون تنظيمي خلال الأربع سنوات المقبلة ،فالقراءة النفسية تظهر صورة حكومة حزب العدالة والتنمية وكأنها تنطلق من نقطة الصفر وتريد بناء دولة بنصوص قانونية جديدة،وكان نفسية قيادات حزب العدالة والتنمية تقول أن الحزب أمامه فرصة وحيدة لوضع تصوراته للتشريع ،وانه لن يجد فرصة أخرى للعودة الى الحكومة ،وهنا تكمن المخاطر السياسية لما هو قادم في هذا "المخطط التشريعي"، فالرسائل الأولى لمسودة "المخطط التشريعي " استولت فيها الحكومة على سلطات البرلمان وأبعدت المجلس الوطني لحقوق الإنسان وضربت موعدا لتنظيمات المجتمع المدني لكي تقدم ملتمسات تشريعية لبرلمان 2016 وموعدا لمرافعة المجتمع المدني أمام السلطات الحكومية في سنة 2016 . *رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات [email protected]