في سابقة لم يشهد لها العالم العربي والإسلامي مثيلا؛ أعلنت المنظمة غير الحكومية (نساء على الأمواج) Waves Women on عن بدأ حملتها بالمغرب؛ بعد توجيه الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية (مالي) الدعوة إليها من أجل القدوم إلى بلدنا، بهدف أن يجري أعضاء المنظمة طيلة أسبوع كامل عمليات (إجهاض آمن) للنساء اللائي لا يستطعن تحمل مصاريفه المكلفة؛ ويقدموا الاستشارات والتوجيهات والنصائح التي تحتاج إليها المرأة المغربية في هذا المجال. وللإشارة؛ فالسفينة المذكورة سبق وخلقت ضجة كبيرة في القارة العجوز؛ أثناء جولتها في إيرلندا وبولندا وإسبانيا والبرتغال؛ بسبب رفض جهات محافظة إرساء هذه السفينة التي يقام على متنها بالمجان عمليات ل(قتل أجنة بريئة في الأرحام)!! وقد منعت السلطات المغربية مشكورة رسو السفينة الهولندية بميناء "مارينا سمير" زوال الخميس؛ بدعوى وجود "مناورات عسكرية"؛ كما ذكرت مصادر إعلامية. وبغض النظر عن صحة الخبر والسياسة التي انتهجتها السلطة لتفادي هذا الإحراج؛ فالذي يدل عليه العقل أنه لا يجب توجيه اللوم فقط لأعضاء المنظمة الهولندية التي تكبدت عناء ركوب البحار ومواجهة أعباء مخالفة القوانين التشريعية والصحية للدول التي توجهت إليها؛ وتعمل بهمة -تغبط عليها- على تصدير أفكارها وتوجهاتها إلى بلاد تراها متخلفة ومنغلقة ورجعية؛ ولا تعلم عن ثقافتها ودينها ومرجعيتها إلا ما سوقه سحرة الإعلام العالمي؛ وسطره دهاقنة الفكر الغربي المغرض. فلا يحق توجيه اللوم إلى هذه المنظمة التي لو رست سفينتُها بميناء دولة تعتزُّ بمرجعيها وترفع رأسها بقناعاتها ودينها لغير ربانُها طواعية وجهتهم؛ ولربما غيروا قناعتهم؛ ولِمَ لا دينهم وملتهم، وإنما اللوم كل اللوم علينا نحن؛ وعلى من وجه الدعوة إليهم؛ وناور واحتال حتى يتحقق وصولهم وحضورهم، وأصر على مخالفة المرجعية الوطنية والقانون المجرم للإجهاض. فإلى متى سنبقى نتعامل بردود الأفعال اتجاه أحداث يفتعلها غيرنا؛ ولا نتكاثف ونتوحد ونضع مشاريع تخدم بلدنا وهويتنا وديننا؛ فهدف الحركات والمنظمات والجمعيات العلمانية في المرحلة الراهنة هو إحراج الحكومة النصف ملتحية؛ ووضعها في المحك أمام اختبار احترام الحريات الفردية والالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية؛ وهو ما يفسر فتحهم العديد من النقاشات الوهمية والمعارك البيزنطية؛ البعيدة عن اهتمامات المغاربة؛ وانشغالاتهم اليومية؛ وأهدافهم الاستراتيجية. ولا يعد المغرب استثناء من القاعدة العربية؛ فكل الدول العربية التي عاشت (الربيع العربي) تعاني اليوم من هيجان التيار العلماني وحروبه البعيدة كل البعد عن اهتمامات الناس وانشغالاتهم. وحركة مالي التي وجهت الدعوة إلى منظمة (نساء على الأمواج) هي إحدى مكونات هذا التيار المتطرف في المغرب؛ وقد سبق لها أن دعت إلى الإفطار العلني شهر رمضان؛ ونظمت -في استفزاز صارخ للمجتمع المغربي- إفطارا جماعيا نهار رمضان بمدينة المحمدية باء بالفشل؛ ودعت أيضا إلى تقنين الإجهاض والعمل على وضع حد لما أسمته ممارسات غير القانونية (الإجهاض غير الآمن)، وهي تطمح اليوم إلى الظهور مرة أخرى على ساحة الأحداث عبر استفزاز الشارع المغربي باستدعاء سفينة أجنبية مهمتها القيام بعمليات إجهاض ممنوع شرعا وقانونا! وتبقى أخطر خرجات الحركة المستفزة واللامسؤولة دفاعها عن المجلة الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو" التي نشرت رسوما كاريكاتورية مسيئة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ واعتبارها أن الأسبوعية لها كامل الحق في نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ وأن هذا العمل مشروع وحق من حقوق التعبير؛ وأن السخرية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعد كفرا..؛ كذا!! فلم يعد مقبولا صب جام غضبنا على العالم الغربي وطابوره الخامس داخل العالم العربي والإسلامي فحسب؛ وتقاعسنا مقابل ذلك عن العمل والوحدة نصرة قضايانا الكبرى؛ لذا فنحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى لملمة البيت الداخلي؛ ومعالجة انحرافات عقدية ومنهجية وسلوكية خطيرة تستشري في المجتمع؛ تعمل جهات نافذة على التمكين لحامليها وتهيئ الظروف وتبيئة المجتمع لتقبل هذه السموم. فعند حديثنا عن الإجهاض فنحن نتحدث عن إفراز حتمي من إفرازات العلمانية التي تلغي الأخلاق والقيم؛ وتحارب العفة وتفتح الباب على مصراعيه للزنا والعلاقات الجنسية الشاذة؛ فبغض النظر عن المرجعية العلمانية التي يصدر عنها هؤلاء المراهقين فكريا؛ فإن المطالبة بتوفير ظروف آمنة لإجراء عمليات الإجهاض التي تهم الأجنة المشوهة وحالات الاغتصاب؛ ما هي إلا الشجرة التي تخفي وراءها الغابة، وعلينا أن نستحضر جيدا أن العلمانيين كانوا يروجون -من قبل- للعازل الطبي على أنه لن يستعمل إلا بين الزوجين لتنظيم النسل لا لتحديده!! وها هو اليوم يستعمل من طرف المومسات والبغايا؛ وأصبحت الجمعيات العلمانية -دون خجل أو وجل- تعلم المواطن المغربي -جهارا نهارا- كيف يستعمل العازل الطبي في حالات الزنا وممارسة الدعارة بصورة شاذة ومخلة أيضا. وهم يسلكون في سبيل كسر (طابو الإجهاض) الطريقة نفسها؛ بالدعوة إلى إباحته ابتداء بالنسبة لحالات معينة كالاغتصاب والجنين المشوه؛ وغدا سيشمل الأمر حمل الزنا والسفاح؛ ويفتح الباب أيضا للظروف الاجتماعية والاقتصادية؛ ومن خشي الإملاق وأن يطعم ابنه معه؛ لتنتشر الفاحشة وتعم. فالكثير من المواطنين والمتتبعين يتساءلون: لماذا لا تعمل الحركات والجمعيات العلمانية على التخفيف من المعاناة الحقيقية التي تعيشها المرأة المغربية؛ والمساهمة في إيجاد حلول عملية للعديد من المشاكل والقضايا التي تمس بكرامتها وحريتها من قبيل البطالة والفقر والهشاشة والعنوسة والأمية والتعليم..؟ ولماذا تصر هذه الجهات على فتح النقاش بالضبط حول ملفات وقضايا مجرمة ومحرمة في الشريعة الإسلامية من قبيل الإجهاض الزنا والخمر؟ ثم أين هو الحق في الحياة؟ وما ذنب الجنين، ولم يحمل جريرة لم يرتكبها؟ فكم تمنينا لو استدعت الحركة سفينة لمعالجة سرطان الثدي الذي استشرى بين صفوف النساء؛ وكم تمنينا لو استدعت سفينة لمعالجة الأمراض التعفنية والمنتقلة جنسيا التي تسجل سنويا 600 ألف حالة إصابة جديدة، تنتشر بشكل واسع بين الفئات الشابة، بين سن 16 و30 سنة، بنسبة 72 في المائة من النساء. لكن يبدو أن الحركة بعيدة كل البعد عن مطالب المرأة المغربية ومعاناتها اليومية ومشاكلها الحقيقية. إنه لم يعد خافيا على أحد الوضع المزري والخطير الذي وصلت إليه الدول الغربية التي أباحت الإجهاض؛ وما جنته هذه الدول من وراء شرعنة قتل الأجنة، ليتضح لنا أن المقاربة العلمانية لمحاربة الظاهرة قاصرة ولا تفي بالغرض على الإطلاق، وأن الأساليب والوسائل التي يركزون عليها لتنظيم الأسرة من تربية جنسية -وفق الطرح العلماني- ورفع الحياء بين الشباب، وتوزيع حبوب منع الحمل والواقي الذكري.. لا تزيد الأمر إلا تعقيدا والظاهرة إلا انتشارا واستفحالا. ويكفي أن نعلم أن الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أن نزلت عند رغبة الحركات النسوية وأباحت الإجهاض بدعوى إنقاذ آلاف المراهقات من استخدام العيادات السرية وغير المرخصة، وما يترتب على ذلك من أثر سلبي على صحتهن وحياتهن، أدى هذا القرار إلى إجهاض أكثر من 15 مليون جنين خلال عشر سنوات فقط (1973/1983م)؛ كما ذكر ذلك الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان؛ وهو عدد يعادل عشرة أمثال الأمريكيين الذين لقوا حتفهم في جميع الحروب التي خاضتها الولاياتالمتحدةالأمريكية. فهل هذا ما يريد أن يوصلنا إليه أصحاب التوجه العلماني/اللائكي في المغرب؟! وصدق من قال: من كان الغراب دليله قاده إلى جيف الكلاب.