يبدو أن دعوة ما غير إيجابية أصابت هذه الحكومة، فمنذ تشكيلها والمصائب تلحق بهذه البلاد، وفي جميع المناحي، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد كان لحادث الدارالبيضاء الأليم الأثر الواضح لدى غالبية الشعب المغربي، في الاحساس بضرورة الرحيل المبكر لهذه الحكومة، ففي البلدان التي تعتبر نفسها مبتدأتا في الديمقراطية، لا ترضى لنفسها أن تقدم 56 ضحية، من مواطنيها الابرياء المقهورين، دون أن تصرف وزيرا أو عدة وزراء، ولما لا الحكومة بكاملها، خاصة وأن عدد الضحايا يعتبر ضخما وفقا للمعايير الدولية في قياس مدى كارتية بعض الحوادث التي تقع في دول العالم، ولا يختلف إثنان في أن كارثة البيضاء تعد من أضخم وأكبر الحوادث التي شهدها المغرب الحديث وخاصة حكومة عباس الفاسي تعيسة الحظ، وليس البيضاء وحدها هي من سودت على عباس جلساته الكثيرة والمريحة بين مدن المغرب العديدة، بل إن حادث انهيار العمارة المعلومة بمدينة القنيطرة لازال ماثلا للعيان، وتأبه الذاكرة الجماعية المغربية أن تنساه، فبمجرد إذاعة خبر حادث حريق البيضاء، تبادر إلى الذهن بشكل مباشر وسريع، حادث القنيطرة المؤلم الذي أساء كثيرا إلى صورة المغرب كبلد يسعى بما أوتي من قوة من أجل أن يقضي على دور الصفيح والسكن غير اللائق، لكن بدا أن كل شيء غير لائق في هذه البلاد، فالمصانع والمعامل غير لائقة للعمل ولا تصلح لشيء إلا تحويلها إلى سجون، لأن طريقة تشييدها، وطريقة اعتقال العمال فيها شبيهة بسجون كبيرة يعتقل فيها الناس بسبب جرم واحد هو البحث عن الخبز. "" الطرق أيضا غير لائقة للسير، والسير هنا يسري على البهائم والبشر، فطرقنا تقتل بشكل يومي، حتى جاز بالإعلام المرئي والمسموع أن يضيف إلى فقراته القارة، فقرة تتحدث عن لائحة قتلى وجرحى حوادث السير لهذا اليوم، وسيكون من بين مزايا هذا البرنامج العجيب، أن المستمعين والمشاهدين الكرام سيساعدون سعادة وزير الطرق على العد والحساب، لأنه لم يعد يستطيع العد لوحده، لأنه قام بهذه العملية وشيط، كما يقول المغاربة "اللي كيحسب بوحدو كيشيط"، وللاشارة فإن كارثة الطريق في المغرب هي الأكبر والاشرس، لأنها تقتل في السنة ما يفوق 3000 شخص، وتعطب الاف المغاربة، ناهيك عن عشرات الالاف من البشر الذين يفقدون معيلهم. يبقى السؤال مطروحا، من دعا على هذه الحكومة؟ ربما أصابتها دعوة إحدى المظلومات من عاملات المصانع التي حرمت من حقوقها، ورميت في الشارع لتلقى مصيرها المجهول هناك، وربما أصابتها دعوة لا ترد من إحدى الأمهات المصليات القانتات، كانت تحلم أن ينقذ إبنها من شبح البطالة وينجو، فأصبح من ضحايا النجاة، التي لم يكن بطلها الأول سوى السيد الوزير الأول، وربما دعت على هذه الحكومة والدة أو والد طالب أو طالبة من الأطر العليا المعطلة التي تسلخ جلودهم، وتقسم ظهورهم بشكل يومي أمام قبة البرلمان، فهل يجب أن تبقى هذه الحكومة مسيرة لشأن العام للملايين ولم يمر على إنشائها إلا بضعة شهور، حتما يجب أن ترحل، لأن المثل المغربي يقول "مال بك طاح قال ليه من الخيمة خرج مايل"، فهذه الحكومة منذ اليوم الأول خرجت من الخيمة مائلة، بل خرجت وهي تحبو على الأرض، وما أن باشر السادة الوزراء الجدد مهامهم حتى بدأت النوازل تحل بالبلاد واحدة تلو الأخرى، وما أن تحل إحداها حتى تكشف عن زيف كبير بقطاع مهم وحيوي من قطاعات هذه الدولة، وما يندهش له مع هول الكوارث هو أن المسؤولين المباشرين وغير المباشرين لا يتحركون من مواقعهم ويملكون الجرأة الكاملة في تبرير كل ما يقع. لقد سقطت ورقة التوت، وظهرت الأمور على حقيقتها، وأصبح الشعب المغربي قاطبة واعيا بما يحل وسيحل ببلده إن بقيت هذه الحكومة في تدبير أمره، ولن يشك أحدهم اليوم أن نحسا كبيرا يلازم هذه الحكومة، والأفيد لها ولنا أن تجمع حقائبها، وتتحلى بالجرأة الكاملة لتعلن للشعب المغربي أنها فشلت في مهمتها، وتطلب منه أن يسامحها على كل الأخطاء التي ارتكبت في حقه، فالوضع أصبح لا يحتمل، والسير على هذا النهج لن ينفع البلاد والعباد في شيء. قديما عندما تحل الكوارث بأرض مصر، يفسرها السكان، بأن الأرواح الشريرة غضبت منهم بسبب فعل ما، أو غير راضية عن قرار معين، فتعمل على زعزعة الأمن، ونشر الدمار في كل مكان انتقاما لعزة أرواحها وكبريائها، وما يلبث الناس أن يصدقوا ما يقع ويعملون على التغيير، وهو ما يؤدي بهم في نهاية المطاف إلى تغيير حقيقي، حكومتنا لم تغضب عليها الأرواح الشريرة، بل يبدو أنها في عطلة، وأن الذي غضب منها هذه المرة هي الأرواح الخيرة، أرواح الخير التي تضامنت مع شعب يعد بالملايين خوفا عليه من قرارات حكومة أثبتت أنها لا تستطيع حل مشاكل من يقدرون بالعشرات أو المئآت.