"TGV" القنيطرة – مراكش سيربط 59 % من الساكنة الوطنية وسيخلق آلاف مناصب الشغل    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    كاتبة الدولة الدريوش تؤكد من أبيدجان إلتزام المملكة المغربية الراسخ بدعم التعاون الإفريقي في مجال الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    الجزائر.. منظمة العفو الدولية تدين "تصعيد القمع" واعتقالات "تعسفية" وملاحقات "جائرة"    رفضا للإبادة في غزة.. إسبانيا تلغي صفقة تسلح مع شركة إسرائيلية    عادل السايح: التأهل إلى نصف النهائي ليس وليد الصدفة    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    جرادة.. ضابط شرطة يطلق النار لتتوقيف ممبحوث عنه واجه الأمن بالكلاب الشرسة    إنزكان… توقيف شخص للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بالضرب والجرح باستعمال أداة راضة    "تحالف الشباب" يراسل مؤسسة الوسيط ويصف تسقيف سن التوظيف ب"الإقصاء التعسفي"    الزلزولي يعود للتهديف ويقود بيتيس نحو دوري الأبطال    الصين تنفي وجود مفاوضات تجارية مع واشنطن: لا مشاورات ولا اتفاق في الأفق    قبل 3 جولات من النهاية.. صراع محتدم بين عدة فرق لضمان البقاء وتجنب خوض مباراتي السد    انهيار.. ثلاثة عناصر من "البوليساريو" يفرّون ويسلمون أنفسهم للقوات المسلحة الملكية    رواد سفينة الفضاء "شنتشو-20" يدخلون محطة الفضاء الصينية    المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: المغرب نموذج للثقة الدولية والاستقرار الاقتصادي    من قبة البرلمان الجزائر: نائب برلماني يدعو إلى إعدام المخنثين    الدليل العملي لتجويد الأبحاث الجنائية يشكل خارطة طريق عملية لفائدة قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية    حين يصنع النظام الجزائري أزماته: من "هاشتاغ" عابر إلى تصفية حسابات داخلية باسم السيادة    الشيخ بنكيران إلى ولاية رابعة على رأس "زاوية المصباح"    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    الوقاية المدنية تنظم دورة تكوينية في التواصل للمرشحين من السباحين المنقذين الموسميين بشواطئ إقليم العرائش    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    "بوكر" تتوّج رواية "صلاة القلق"    القرض الفلاحي يعزز التزامه برقمنة وتحديث المنظومة الفلاحية من خلال شراكات استراتيجية جديدة    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    الخط فائق السرعة القنيطرة-مراكش سيجعل المغرب ضمن البلدان التي تتوفر على أطول الشبكات فائقة السرعة (الخليع)    "اللبؤات" يبلغن نصف نهائي "الكان"    الحكومة تعتزم رفع الحد الأدنى للأجور الى 4500 درهم    بعثة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة تصل إلى القاهرة للمشاركة في كأس إفريقيا    إحباط محاولة لتهرييب المفرقعات والشهب النارية ميناء طنجة المتوسط    مهرجان "السينما والمدرسة" يعود إلى طنجة في دورته الثانية لتعزيز الإبداع والنقد لدى الشباب    امطار رعدية مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    97.6 % من الأسر المغربية تصرح إن أسعار المواد الغذائية عرفت ارتفاعا!    هل يُطْوى ملفّ النزاع حول الصحراء في‮ ‬ذكراه الخمسين؟    وزير الزراعة الفلسطيني يشيد بالدعم المتواصل لوكالة بيت مال القدس الشريف للمزارعين المقدسيين    السجن لشرطيين اتهما ب"تعذيب وقتل" شاب في مخفر الأمن    واتساب تطلق ميزة الخصوصية المتقدمة للدردشة    الوداد ينفصل عن موكوينا ويفسح المجال لبنهاشم حتى نهاية الموسم    رفع قيمة تعويض الأخطار المهنية للممرضين والإداريين والتقنيين.. وإقراره لأول مرة للأساتذة الباحثين بالصحة    نبيل باها: الأطر المغربية تثبت الكفاءة    قادة وملوك في وداع البابا فرنسيس    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    روبي تحيي أولى حفلاتها في المغرب ضمن مهرجان موازين 2025    الصين تنفي التفاوض مع إدارة ترامب    الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية: منصة للإبداع المجتمعي تحت شعار "مواطنة مستدامة لعالم يتنامى"    وعي بالقضية يتجدد.. إقبال على الكتاب الفلسطيني بمعرض الرباط الدولي    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل قدم المغرب تقارير كاذبة للمجلس العالمي لحقوق الإنسان؟
نشر في هسبريس يوم 02 - 05 - 2008

في الصورة عبد الواحد الراضي وزير العدل المغربي رفقة رشيدة داتي وزيرة العدل الفرنسية
قدم الوفد المغربي مطلع الشهرالماضي أمام المجلس العالمي لحقوق الإنسان تقريرا واعدا عن المستوى الرفيع الذي سجلته المملكة المغربية في احترامها لحقوق الإنسان، وقد تمكن وزير العدل (الاتحادي) عبد الواحد الراضي من إقناع الدول الأعضاء بالمجلس بفحوى تقريره الحقوقي، الذي وصفته فعاليات حقوقية من المجتمع المدني بالخاوي على عروشه، ملمحة إلى كونه يفتقر إلى أبسط آليات التطبيق الفعلية التي من شأنها ترجمته إلى حقيقة على أرض الواقع، وهو الفعل الذي يطرح أكثر من سؤال حول الموضوع، منها مثلا هل قدم المغرب تقارير كاذبة للمجلس العالمي لحقوق الإنسان حول حقيقة الممارسة الحقوقية بالمملكة؟ وهل سيتمكن الفاعلون في الحقل الحقوقي الوطني من كشف عورة ذات التقرير أمام المنتظم الدولي؟
أشادت مجموعة عمل المجلس العالمي لحقوق الإنسان المكلفة بالبحث الدوري العالمي، مطلع الشهرالماضي بفحوى التقرير المرفوع أمام أنظارها من قبل الدولة المغربية، بالرغم من الملاحظات التي سجلتها بعض الدول ومنظمات غير حكومية مغربية، حيث نوه "جون بابتيست" الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة بجنيف، نيابة عن دول(فرنسا ورومانيا ومدغشقر) المكلفة بتقديم التقرير لمجموعة العمل، بمحتويات التقرير الذي تلاه وزير العدل المغربي أمام هيئة المجلس العالمي، واصفا إياه بالتقرير المتحلي ب (الشفافية والانفتاح)، مما يدعو لقبول معظم توصياته، على العكس من ذلك وجهت لذات التقرير عدة ملاحظات لاذعة من قبل العديد من الدول الأعضاء، منددة باستمرار مسلسل انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب، وارتفاع وتيرة التعذيب وكذا تدهور أوضاع السجون. وعابت دول ك (سويسرا وبلجيكا وكندا) على المغرب عدم تطبيقه توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وعدم مصادقته على مجموعة من الاتفاقيات في مقدمتها اتفاقية "روما" حول المحكمة الجنائية الدولية، وكذا عدم الانضمام إلى الاتفاقية المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام.
وقد عدّد وزيرالعدل (عبد الواحد الراضي) المعاهدات الدولية التي انضم إليها المغرب وكيفية تعامله مع آليات حقوق الإنسان المختلفة. كما تطرق بإسهاب لمشاريع الإصلاحات الجارية في المغرب، سواء على مستوى القوانين أو الممارسات وبناء المؤسسات الساهرة على مراقبة تطبيق معايير حقوق الإنسان في البلاد. وأتاح التقرير الرسمي المقدم أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان، لغالبية الدول الأعضاء (55 دولة) فرصة الإشادة بالانجازات المقدمة من خلال التقرير المغربي، مع طرحها تساؤلات حول مشاريع الوعود المثبتة طيه بخصوص مجالات قانون الإعلام والأحوال الشخصية والانضمام إلى بروتوكولات اختيارية.
وفي معرض إجابته عن كيفية معالجة المغرب لملفات ضحايا "سنوات الرصاص" التي عرفتها البلاد، وعن المقاييس التي تم بموجبها تقديم "هيئة الإنصاف والمصالحة " تعويضات للضحايا، أفاد الراضي بالقول "إنه مشروع يهدف لإنهاء ملفات انتهاكات الماضي ولإصلاح أغلاط الماضي وضمان عدم ارتكاب تلك الأغلاط من جديد، عبر تفادي الإفلات من العقاب"، موضحا أن 14000 شخصا حصلوا على تعويض من هذه الهيئة، مؤكدا في ذات السياق أن التقرير المغربي المرفوع أمام المجلس العالمي "يعكس الواقع"، معترفا في الوقت ذاته بان "الطريق طويل، لكن الإرادة لتطبيق معايير المعاهدات الدولية حقيقية"، على حد تعبيره، وإن "المغرب وضع السقف عاليا... لإرساء أسُس دولة القانون".
في الوقت الذي صبت فيه تساؤلات أغلب الدول العربية والإسلامية والإفريقية حول التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، طرحت الدول الغربية وبعض من دول أمريكا اللاتينية على الوفد المغربي أسئلة حول ملفات الحقوق السياسية والمدنية. فيما تساءلت كل من (ألمانيا وكندا والسويد) حول قانون الصحافة ومتى ينوي المغرب الانتهاء من مراجعته، وفي السياق نفسه ذهبت بريطانيا الى حدّ التساؤل عن "الرقابة المفروضة على الصحافة ومعاقبة بعض الصحفيين المعروفين".
وفي معرض رده بخصوص مشروع مراجعة قانون الصحافة، استعرض المغرب القوانين التي تضمن حرية الرأي والتعبير في الدستور، أما فيما يخُص المراجعة المُعلنة منذ سنوات لقانون الإعلام أو الصحافة فاكتفى الوفد المغربي بذكر بعض الأفكار المعروضة في هذا الإطار، مشيرا إلى وجود "إجماع بخصوص بعض من نقاطها"، وفيما يتعلق بمعاقبة بعض الصحفيين، اكتفى الوفد بأن العقاب سلط "بسبب ارتكاب جريمة القذف".
كما أثارت عدة دول، من ضمنها سلوفينيا، موضوع التحفظات التي لا زال المغرب يتمسّك بها في مجال حقوق المرأة، أما المكسيك فتطرق إلى موضوع المهاجرين، ملمحا إلى زحف الأفارقة لشمال أفريقيا متسائلا عن كيفية احترام المغرب لحقوق هؤلاء المهاجرين في الظروف الصعبة التي تطبعها الهجرة غير الشرعية.
الإشادة التي حظي بها التقرير المغربي المرفوع أمام المجلس العالمي، خلف موجة من الاستياء داخل الأوساط الحقوقية المدنية بالمملكة، ورغم تباين ردود الفعل المترتبة حول ذات التقرير داخل الجسم الحقوقي الوطني، إلا أنها تتقاطع في كونه أي التقرير لم يتطرق للنقائص، لأن أهمية آلية الاستعراض الدوري الشامل تكمُن في عرض الانجازات، ولكن أيضا في التوقف عند النقائص وتوضيح الالتزامات التي ستقطعها الدولة المغربية لمواجهة التحديات ولسدّ هذا النقص". و ترى في المقابل أن هناك سلبيات لا زالت قائمة مثل "الإفتقار لآليات التطبيق الفعلي لهذه الإصلاحات والقمع الذي تواجه به مظاهرات بعض المطالبين ببعض الحقوق، مثل العاطلين عن العمل، إضافة إلى أن هناك العديد من الملفات تتطلب مراجعة، مثل قانون الأسرة الذي لم يحسم في قوانين الميراث وتعدّد الزوجات وقانون الجنسية. وكذلك عدم تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، رغم التعهدات التي قطعها العاهل المغربي في عام 2006، وعدم استقلالية القضاء، بحيث لا يُعترف بالقضاء على أنه سلطة... كما أن ديوان المظالم لا زال المغاربة يجهلون حصيلة تدخلاته، ولا أحد يعرف نشاطاته.
وارتباطا بالموضوع أكدت "خديجة الرباح" رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بخصوص التقرير المقدم من طرف الجهات الرسمية بالمغرب، أمام الدول الأعضاء ب "جنيف" أوائل الشهر الماضي، ومدى ملاءمته لواقع مسلسل حقوق الإنسان بالمملكة، أنه يمكن الاعتراف أن هناك تقدما ملموسا في جوانب احترام حقوق الإنسان بالمغرب، بدليل أن هناك إنجازات عديدة فيما يخص مصادقة المغرب على العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية وتنظيمه لمجموعة من القوانين الإجرائية في هذا الباب، كإعادة تنظيم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس، وإنشاء ديوان المظالم وهيئة الإنصاف والمصالحة، وكذلك المصادقة على منع الإبادة الجماعية التي يكمن اعتبارها مدخلا حقيقيا لتعبير الدولة المغربية عن إرادتها في التعاطي الإيجابي مع احترام حقوق الإنسان، إلا أنه يبقى واجبا عليها تأكيد هذه الإرادة في جوانب أخرى من خلال تطويرها لآليات تفعيلها واعتمادها للتدابير التي من شأنها مواكبة المحلي بالوطني وجعلهما في مستوى واحد من حيث الترجمة الميدانية - تضيف الرباح – من جهة أخرى إن مجموعة من الوقفات والمسيرات الاحتجاجية التي تنظم لمساندة القضايا العربية أو الحقوقية أو المرتبطة بغلاء الأسعار، ثم التعسف من طرف السلطات المحلية وعناصر الشرطة على منظميها والمشاركين فيها، آخرها ذلك القمع الذي طال الوقفات الاحتجاجية الأخيرة.
على مستوى الحقوق المرتبطة بالنساء – تضيف الرباح – نلاحظ تقدما ملموسا على مجموعة من المستويات، إلا أنها لا تزال مع ذلك بحاجة ماسة إلى مضاعفة الإرادة في تفعيلها وترجمتها بما تستحقه من العناية والملاءمة، فالقوانين المرتبطة بقانون الشغل أو المدونة تحتاج فقط إلى تفعيل، كما حصل العكس بخصوص قانون الأسرة، مثلا "هناك الفصل 476 حيث يجب إعادة النظر فيه وكذا القانون الجنائي الذي يميز بين المرأة المتزوجة عن غيرها في حالات التعرض للاغتصاب.. هذه النماذج تؤكد وجوب النظر في تفعيل أو تعديل بعض القوانين المعمول بها في المملكة بما يتماشى وتحقيق المساواة وكذا توسيع مساحة حقوق الإنسان. هذا لا يعني أننا قطعنا أشواطا كبيرة في احترام حقوق الإنسان، فنحن لا نزال في مرحلة التأسيس والبناء، وعلينا أن نتعامل في المجال الحقوقي على هذا الأساس.
وفي معرض تصريحاتها ل "المشعل"، بخصوص التقرير الذي تمكن بواسطته عبد الواحد الراضي، إقناع الدول الأعضاء بجنيف للإشادة بتقدم المغرب في مجال حقوق الإنسان، ومدى ملاءمة هذا التقرير مع حقيقة واقع حقوق الإنسان على أرض المملكة، أكدت خديجة الرباح أن التقرير يحمل مجموعة من الإيجابيات التي لا يمكن التنكر لها، لكن نفس الحقيقة من جهة أخرى تؤكد كما سبقت الإشارة، أن هناك جوانب عدة ترتبط باحترام مجال حقوق الإنسان بالمغرب لا تزال بحاجة إلى تفعيل وتطوير ومجهود مضاعف، ويمكن القول أيضا إن المسلسل الديمقراطي بالبلاد يعيش إيقاعات مضطربة جدا، خاصة وأن الحكومة الحالية أكدت في تصريحها أمام مجلس الشعب على مجموعة من الأوراش الإصلاحية المرتبطة بجميع مجالات الحياة المغربية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية أيضا، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نحاسب الحكومة التي لم يكتمل شهرها العاشر على تفعيل هذه الأوراش ونتائج الإصلاحات التي جاءت في تصريحها أمام البرلمان، لكن من حقنا مطالبتها بتسريع وتيرة تفعيل هذه الأوراش الإصلاحية تفاديا لتفاقم الأوضاع وفوات الأوان، فالشعب المغربي مملوء عن آخره بالانتظارات وعلى الحكومة الحالية أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في تحقيق آمال فئات واسعة من الجماهير الشعبية، وتحديدا في مسلسل حقوق الإنسان الذي لازالت التعثرات تعتريه في مجموعة من الجوانب والمناحي، ولازالت أشواطه بحاجة إلى مجهود قوي للدفع بها إلى الأمام وتكريسها كحقيقة معاشة، بعيدا عن حبر التقارير وما شابه.
عبد الإله بن عبد السلام/ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
هناك مفارقات بين ما تقدمه الدولة وما يعرفه الواقع من خروقات
- أشادت مجموعة من الدول الأعضاء مؤخرا ب "جنيف" بالتقدم الذي أحرزه المغرب في احترامه لحقوق الإنسان، على ضوء التقرير المقدم أمامها من قبل الوفد الرسمي المغربي برئاسة وزير العدل، إلى ما ترجعون بوصفكم حقوقيا دوافع هذه الإشادة؟
+ في الحقيقة، هناك دعاية مكثفة أجريت قبل المشاورات الرسمية بجنيف، من قبل السلطات المغربية سخرت لها جملة من الإمكانيات من أجل إقناع تلك الدول بما لا يعكس فعلا الواقع الحقيقي لحقوق الإنسان بالمغرب، وهذا الأمر لم يفاجئنا لأنه كان منتظرا بحكم المصالح التي تجمع بين الدول، ولعدة اعتبارات أخرى، لكن في الوقت نفسه هناك من الدول الأعضاء من ساءلت المغرب في العديد من جوانب حقوق الإنسان، كالمحاكمات غير العادلة والاعتقالات وغيرها من الأمور المسيئة لحقوق الإنسان.
- ما هي تأثيرات هذه الإشادة على مستقبل حقوق الإنسان بالمغرب؟
+ المغرب مستمر في نهجه القديم بعيدا عن التقارير الرسمية المقدمة أمام المنتظم الدولي، والدليل أنه خلال الأسبوع الماضي تم الاعتداء على المعطلين وتنسيقيات مناهضة الغلاء، مما يؤكد أن استمرار التناقض في المغرب لازال متواصلا، حيث تجتهد الدولة في تقديم وجه آخر عن حقوق الإنسان، عكس ما يعيشه واقع الحال بالمملكة.
الحقيقة أن الانتهاكات لازالت متواصلة على قدم وساق، وفي مقدمتها الاختطاف الذي عرفته جوانب من مسلسل ملف ما سمي بخلية "بلعيرج"، وهي عناصر تؤكد وجود مفارقات كبرى بين ما تقدمه الدولة من تقارير وما يعرفه الواقع من خروقات، فهي – أي الدولة – تتوجه بالاهتمام دائما إلى الخارج متناسية أن أساس الاحترام يجب أن يتأسس على الداخل، وهذا الأخير يعتبر العمود الفقري لبناء دولة الحق والقانون، لأنه يحمل في عمقه كرامة المواطنين، هذا هو الفعل الذي من شأنه رفع رؤوسها بين مصاف دول العالم، أما أن تراهن الدولة فقط على وضع المساحيق وتلميع الواجهة أمام المنتظم الدولي فإن هذا لن يخدم تطور مستويات حقوق الإنسان ولا البناء الديمقراطي في هذا البلد.
- هل يمكن القول بأن وزير العدل "الاتحادي" عبد الواحد الراضي قد تمكن رسميا من إقناع الدول الأعضاء بفحوى تقريره، وإلى أي حد يمكن مطابقة هذا الأخير مع واقع الحال المغربي؟
+ التقرير الرسمي المرفوع بجنيف، تقرير شامل أي أنه يحمل تقييما شاملا عن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، في ارتباطها بالتقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة والإصلاحات المرتبطة بمدونة الأسرة وتجريم التعذيب ومجموعة أمور أخرى تعتبر في جملتها عناصر مكتملة، لكن ما هو مثبت على الورق لا تتم ترجمته على مستوى الواقع، فالمنطوق شيء والمعمول به شيء آخر، فالانتهاكات لا تزال مستمرة وكذلك التعذيب، والغريب أن هناك حالات من التعذيب أدت إلى الموت، وهذا يدخل في إطار المفارقات التي سبق وأشرت إليها في البداية.
- ما هي الخطوات الواجب اتخاذها من قبل فعاليات المجتمع المدني الحقوقي بالمغرب؟
+ أولا هناك خطوة إيجابية تم تسجيلها بهذه المناسبة، وهي التنسيق المشترك الذي أقدمت عليه مجموعة من المنظمات والهيئات الحقوقية بالمغرب، وهي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، العصبة المغربية، منتدى الحقيقة والإنصاف، المركز المغربي لحقوق الإنسان، الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، منظمة تامانيوت، الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، اتحاد العمل النسائي، حيث حضَّروا تقريرا، وضحوا من خلاله أن سلوك السلطات المغربية في علاقتها بحقوق الإنسان غير مشرفة، منتقدين في ذات الوقت التقرير الرسمي الذي قدمته الدولة المغربية أمام أنظار الدول الأعضاء مطلع الشهر الجاري "بجنيف"، وينطلق هذا الانتقاد من عدم مصادقة المغرب على العديد من الاتفاقيات والالتزامات الدولية في مقدمتها الاختفاء القسري، تجريم التعذيب والمحكمة الجنائية الدولية، وإلغاء عقوبة الإعدام، ويؤاخذ التقرير كذلك على السلطات عدم دسترة اللغة الأمازيغية والمساواة بين المرأة والرجل، ويتعرض أيضا لمجموعة من الخروقات التي تعرفها الحقوق المدنية والسياسية، ويسجل بالمقابل أنه رغم وجود تقدم في مسألة المرأة إلا أنه لازال استمرار مشكل تعدد الزوجات، والزواج المبكر خاصة في البوادي، وما إلى ذلك من التجاوزات التي توضح البون الشاسع بين ما يقدم للخارج من تقارير وما هو سائد في المغرب.
والدليل على خرق حقوق الإنسان في الصميم من قبل أجهزة الدولة المغربية، نلمسه من خلال ارتفاع الأسعار وضرب القدرة المعيشية للمواطنين، علما أن أساس حقوق الإنسان هي الكرامة وتوفير العيش الكريم، لكن ما نلاحظه اليوم هو الارتفاع الصاروخي المتتالي للأسعار وخاصة بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية، والإجهاز في المقابل على الخدمات الاجتماعية، وهي أمور كافية للتأكيد على أن المغرب أبعد ما يكون عن تحقيق تقدم في مجالات حقوق الإنسان، كما أن واقع الحال يرفع أكثر من سؤال، هل من حق الدولة أن تستمر في تلميع الواجهة فقط أمام المنتظم الدولي؟ ثم هل يحق لنا أن نطالب ببناء بلادنا على أسس قوية من شأنها تأهيلنا لمواكبة سرعة التحول التي تجتاح العالم.
إسماعيل بوقاسم صحفي بأسبوعية المشعل ""


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.