واجهت عدة بلدان التقرير الذي قدمه المغرب حول أوضاع حقوق الإنسان، خلال الدورة الأولى للبحث الدوري العالمي المنعقدة بجنيف، بمجموعة من الملاحظات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في المغرب واستمرار التعذيب وتدهور أوضاع السجون بالمملكة المغربية. وعابت عدد من الدول، ضمنها سويسرا وبلجيكا وكندا إلى جانب دول أخرى، عدم تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي أسسها المغرب من أجل إحداث القطيعة مع تجارب انتهاكات الماضي. كما ووجه المغرب بعدم مصادقته على مجموعة من الاتفاقيات على رأسها اتفاقية روما حول المحكمة الجنائية الدولية وعدم الانضمام إلى الاتفاقية المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام وتوصيات أخرى متعلقة بأولوية المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على القانون الداخلي. إلى ذلك، طالب مجموعة من الملاحظين المشاركين في لقاء جنيف المغرب بتحديد تاريخ لإصدار قانون جديد للصحافة، يوفر ضمانات مهمة لحرية التعبير وعدم التضييق على الممارسة الصحفية من خلال المحاكمات والعقوبات الحبسية والغرامات. كما أثار الملاحظون مسألة ملاءمة القوانين المغربية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مؤكدين على أهمية تحسيس القضاة المغاربة في مجال التطبيق الإيجابي لقانون الأسرة. وعابت الكثير من الدول المشاركة في لقاء جنيف استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، على الرغم من العمل الذي قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة. وفي هذا الإطار، ركز المتدخلون على مدى انسجام الخطة المغربية المعتمدة لمحاربة الإرهاب مع احترام مبادئ حقوق الإنسان. كما تم التنبيه إلى الأوضاع المأساوية التي تعيشها السجون المغربية واستمرار التعذيب والإفلات من العقاب. ومقابل الانتقادات التي وجهتها العديد من الدول في إطار تعليقها على التقرير المغربي، الذي ركز على تدعيم حقوق الإنسان بالمغرب، أشادت دول أخرى بالتقدم الذي حققه المغرب في مجال حقوق الإنسان، منوهة بالدور الذي يضطلع به المغرب «كمهندس حقيقي لآلية البحث الدوري الشامل لحقوق الإنسان». وأوضح بعض المتدخلين عن هذه الدول، خلال الحوار التفاعلي الذي تلا تقديم تقرير المغرب ل»البحث الدوري الشامل»، أن «المغرب اعتمد ثقافة حقوق الإنسان بطريقة حكيمة، وأبدع في مجال تعويض ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من خلال إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، خصوصا الشق المتعلق بجبر الضرر الجماعي». من جهته، أكد عبد الواحد الراضي، وزير العدل أن «المغرب منخرط ومؤمن بالبحث الدوري العالمي كآلية ملائمة ومبتكرة للنهوض بحقوق الإنسان». وأضاف الراضي، الذي قدم تقرير المملكة للبحث الدوري العالمي، الذي يعقد دورته الأولى بجنيف، أن هذا الانخراط ظاهر للعيان من خلال الاهتمام الذي أولي لهذا التقرير الأول، وما واكب إعداده من مجهود تواصلي وتحسيسي، مشيرا إلى أن المؤسسات الوطنية والمنظمات غير الحكومية نهجت مقاربة تشاركية لكي تستجيب الوثيقة للخطوط التوجيهية التي تبناها مجلس حقوق الإنسان، مبرزا الروح النقدية التي ميزت إعداده، والتي مكنت من بلورة تقرير واقعي يعكس الإنجازات وكذا آفاق المستقبل، وأضاف أن هذه المقاربة تندرج ضمن رؤية مندمجة، قامت على ملاءمة القوانين وإجراء تقييم عبر هيئة الإنصاف والمصالحة وكذا تقرير الخمسينية، مسجلا أن هذه المقاربة تشمل النهوض بثقافة حقوق الإنسان وترتكز على سلوك مسؤول. إلى ذلك، أكد عبد الواحد الراضي أن استراتيجية المملكة لا رجعة فيها، بدليل فتح أوراش طموحة من أجل النهوض بإعمال حقوق الإنسان على كل المستويات، خاصة من خلال تعزيز عمل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وديوان المظالم. وسجل أنه «إذا كانت الإنجازات التي تم تسجيلها مهمة، فإن المغرب يظل مع ذلك واعيا بالنقائص التي يتعين تجاوزها، وهو حريص على القيام بذلك من أجل إرساء دولة الحق ومجتمع ديمقراطي بفضل الآليات والمؤسسات التي يتوفر عليها ونسيج جمعوي دينامي». من جهته، قال عبد الحميد أمين، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن التقرير الذي رفعه المغرب لا يعكس، كما العادة، حقيقة أوضاع حقوق الإنسان ببلادنا. ووصف التقرير ب«المتفائل جدا»، مشيرا إلى أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجهت عدة انتقادات إلى التقرير المذكور في شخص ممثلها في لقاء جنيف، وأردف قائلا: «لسنا الوحيدين الذين انتقدنا التقرير، بل إن هناك العديد من البلدان التي وجهت عدة ملاحظات تصب في اتجاه الانتقادات التي وجهتها الجمعية».