القوانين التنظيمية هي على قدر كبير من الأهمية في مسلسل الإصلاح الهيكلي القانوني والمؤسساتي، الذي يفرض على الحكومة التعاطي معه ليس بمنطق الحكومة بل بمنطق الدولة. بمعنى آخر، يجب على الحكومة التعامل مع القوانين التنظيمية المُكمِّلة للنص الدستوري بمنطق الدولة التي هي عبارة عن كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين ومواطنات، وكيان أكثر ديمومة، وسلطة مجردة وغير مشخصنة، عاملة في اتجاه تحصين المجتمع برمته من التقلبات الإيديولوجية والسياسية الناجمة عن تغير الحكومات. كما أن المطلوب منها هو عدم الاشتغال على مشاريع القوانين التنظيمية بمنطق الحكومة التي هي ليست إلا جزءا من الدولة، وآلية من الآليات التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها، وهي تتعرض للتغيير والتعديل، ولا تعبر إلا عن اختيارات وتوجهات إيديولوجية وسياسية خاصة بالمكونات الحزبية المشكلة للأغلبية الحكومية. والمؤكد هو أن أي انزلاق على مستوى منطق التعامل مع مشاريع القوانين التنظيمية من طرف الحكومة الحالية، وتغليبها لكفة التوجهات والاختيارات السياسية الحزبية ذات الصلة بالحزب الأغلبي الحالي، واستبعاد الاحتكام إلى قواعد وضوابط تدبير وتسيير العيش المشترك لكافة المغاربة على أساس من التفاهم والاتفاق والتعاقد فيما بين مكونات المجتمع المغربي، سيؤدي لا محالة إلى موقعة هذه الحكومة في وضعية اللاشرعية السياسية؛ بحكم عدم انضباطها لمقومات الدولة الديمقراطية. فالدولة هي أكبر بكثير من الحزب، وهي كيان أكثر ديمومة مقارنة بالحكومة التي هي مؤقتة بطبيعتها؛ حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، مع استمرار النظام الأوسع والأكثر استقراراً ودواماً الذي تمثله الدولة. وهو ما على الحكومة ألا تنساه أو تتغاضى عنه، على اعتبار أن الشعب المغربي ومكوناته السياسية والاجتماعية يُمكِّن الجميع من فرص المشاركة في التدبير والتسيير من الموقع الحكومي، لكنه لن يتراخى ولن يتوانى في الدفاع عن تحصين المجتمع برمته من التقلبات الإيديولوجية والسياسية الناجمة عن تغير الحكومات. فعلى الحكومة الحالية أن تدرك بأن القوانين التنظيمية هي القوانين التي تلي نص الدستور، من حيث الأهمية القانونية، وعلى نفس القدر من الأهمية التي أعطاها المشرع للقوانين التنظيمية لكونها مُفسِّرة ومُكمِّلة لنصوص الدستور، وتتمتع بحماية أكبر من القوانين العادية، يجب أن يكون اهتمام الحكومة بها من حيث بلورتها وصياغتها وإصدارها لما فيه الصالح العام للدولة بكل مكوناتها ومجالات اشتغالها. إن منطوق نص الفصل 86 من الدستور الجديد وعباراته قطعية من حيث الدلالة على أن أحكام هذا الفصل مُلزمة للحكومة كسلطة تنفيذية مكلفة بأجرأة العديد من فصول الدستور التي تحيل على إصدار قوانين تنظيمية مكملة للوثيقة الدستورية. ووجوب وحتمية عرض مشاريع القوانين التنظيمية على البرلمان خلال الولاية التشريعية الأولى تضع الحكومة في موقع الإخلال بالواجب والخروج عن القانون إن هي لم تف بالتزاماتها الدستورية في هذا الباب. وإبراء ذمتها لا يمكن أن يكون ثابتا إلا بالقيام بالواجب، وإلا فتجوز مقاضاتها بسبب التقصير في أداء الواجب، بالرغم من أن المُشرِّع الدستوري لم يرتب جزاء قانونيا على ترك هذا الواجب.