هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة أولية لمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية .. مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية.. أي تحول ؟

توصلت الأحزاب أخيرا بما يوصف بالنسخة الأولية لمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية وهو ما سبق لجريدة الإتحاد الاشتراكي أن نشرته في عددها 9837 الصادر بتاريخ 17 - 07 - 2011.
و بقراءة أولية لتلك النسخة يمكن رصد المظاهر التالية للتحول المرتقب في المشهد الحزبي و بالتالي السياسي والتي يمكن تلخيصها في ما يلي:
مظهر التحول الاول :
ويتجلى في رغبة وزارة الداخلية في تفعيل مقتضيات دستور 2011 والذي رفع من القيمة الدستورية للمقتضيات المنظمة للأحزاب السياسية من قانون عادي، كما هو حال القانون 04 - 36 المنظم للأحزاب السياسية الحالي، إلى قانون تنظيمي، و الذي سيسجل كأول قانون تنظيمي مكمل لدستور2011 سيدخل حيز التطبيق. وفقا لما ينص عليه الفصل 7 من الدستور، الذي ارتقى بالأحزاب إلى مرتبة المؤسسات الدستورية، أي كأحد مكونات الدولة.
مظهر التحول الثاني
وهو أن القواعد القانونية للنسخة الأولى لمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب عندما يتم مقارنتها بالقواعد القانونية لقانون الأحزاب الحالي سيلاحظ بكل سهولة أنها نقلت كل القواعد القانونية لهذا القانون الأخير بشكل قد يكون مطابقا، بما فيه طريقة الصياغة، مع إضافة قواعد جديدة سنعود لها فيما بعد.
وفي تقديري أن هذه المقاربة تكون قد حكمتها إرادة نبيلة لوزارة الداخلية ترمي إلى أن عدم رهن الحكومة المقبلة في سن قواعد قانونية أخرى بالنظر إلى الطبيعة الدستورية الجديدة للحكومة المقبلة التي ستكون ممثلة للأمة.
وحتى لا يكون هناك أي نقاش حول الإرادة السياسية المقبلة، وحتى تبقى للحكومة المقبلة كل الصلاحيات والسلطات لاتخاذ وسن القوانين التي تعبر عن إرادة الأمة، فإنه من الأمانة أن لا يرهن المشروع الحالي المستقبل .
وأعتقد أن هذه الإرادة هي التي تكون قد حكمت القصد في عدم إحداث تغييرات جوهرية في النص الحالي، بل ونقله في صلب المشروع المقدم للأحزاب.
مظهر التحول الثالث
هو نقل كل السلطات التي كان لوزير الداخلية، في قانون الأحزاب الحالية وإسنادها إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية.
ومن المفيد الوقوف عند الطابع الرمزي لهذا التحول، الذي يحضر لأعمال سلطة الحكومة رئيسا و أعضاء، كمؤسسة دستورية تمارس مهامها بصفة نظامية باعتبارها منبثقة عن إرادة الأمة.
ذلك، أن التجربة الحزبية بالمغرب ظلت رهينة لإرادة وزير الداخلية كشخص، وليس حتى كوزير في حكومة، إّذ كان ضبط وتنظيم الحياة والمشهد الحزبي، يكاد يكون خارجا بصفة كلية عن تدبير الحكومة، ومرتبط بصفة كلية بإرادة وزير الداخلية.
إن هذا التحول المتمثل في نقل الاختصاصات من وزير الداخلية إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية هو تحول جد مهم، يجب أن تعطيه الأحزاب والدولة، المدى الحقيقي الذي يريده له مشرع القانون التنظيمي المذكور.
مظهر التحول الرابع
إن أهمية الدور الذي عهد به دستور 2011 للأحزاب هو من القدر والأثر ما سيعمل على تغيير المشهد السياسي، مما يؤكد طابع المسؤولية الوطنية والتاريخية التي يجب على الأحزاب أن تتحملها في هذه الفترة الفارقة في الحياة السياسية المغربية.
وحتى تكون بالفعل الأحزاب السياسية ممثلة لكل المغاربة، وحتى لا تسقط في الطابع الجهوي أو اللغوي، قد سن مشروع القانون التنظيمي تغييرا جوهريا في تأسيس الأحزاب السياسية، وذلك برفع نسبة تمثيل عدد الجهات سواء بخصوص 300 عضو المطلوبة لوضع طلب التأسيس أو 500 عضو المطلوبة لعقد المؤتمر التأسيسي، من النصف المنصوص عليها في القانون الحالي للأحزاب إلى الثلثين .
فهذا التغيير، هو جد جوهري ومطلوب و يتناغم مع مفهوم الجهوية في دستور 2011 و المقررة في الفصل 135 الذي يعتبر الجهة جماعة ترابية مثلها ممثل العمالات والأقاليم والجماعات، ومبدأ التضامن بين كل الجهات المنصوص عليه في الفصل 136، مبدأ مساهمة الجهات في تفعيل السياسة العامة للدولة المنصوص عليه في الفصل 137، ومبدأ التفريع المنصوص عليه في الفصل 140، ومبدأ رصد أموال الدولة لفائدة الجهات المنصوص عليه في الفصل 141 .
فهذه المبادئ الدستورية كلها، والتي يمكن وصفها بالإسمنت المرن الذي يجمع بين الجهات دون أن يفرط في خصوصيتها، هو ما يقرر القاعدة القانونية المشار إليها أعلاه التي أحدثها المشروع.
مظهر التحول الخامس
وهو تناول المشروع لمعضلة الترحال التي مع الأسف طبعت الحياة البرلمانية، بل إنها كانت آلية لتغيير موازين القوى وتشكيل أغلبيات، بل وأحزاب لم تكن موجودة قبل الانتخابات، كما كان الحال عليه في منذ بداية الثمانينيات.
إن معضلة الترحال لم يقف أثرها ودورها، فقط عند إحداث أحزاب جديدة خارج التنافس الانتخابي، كما سبق بيانه، وإنما، و هذا هو الخطر القاتل لظاهرة الترحال، هي أنها طبعت في ذهن جميع المغاربة أن السياسة ما هي إلا لعبة ومناورات صغيرة لقاء مصالح خاصة للمتحزبين، وأن الشأن العام، والمصلحة العامة ما هي إلا خطاب ومقولات للاستهلاك في فترة الانتخاب.
غير أن رد المواطن المغربي لم يتأخر من جهته، ولم يتهرب من اتخاذ الموقف الموازي لتلك الظاهرة، و ذلك الرد الذي تجلى في عدم المشاركة أصلا في هذه الانتخابات، إذا كان الغرض منها هو خلق فئة فاسدة لا تتورع في الدوس على كل قيم هذا المجتمع ونضالات رجالاته من أجل استقلال البلاد وبناء الدولة الديموقراطية العصرية كجهاد أكبر وفق الوصف الذي أعطاه إياه المرحوم محمد الخامس بعد رجوعه من المنفى إلى بلده، الذي اضطر إلى مغادرته كرها.
حقيقة أن النقاش الجدي للوصول إلى حل جذري لهذه المعضلة ليس وليد اليوم، وإنما عرفته الحياة السياسية وعرفه البرلمان قبل 2006 وهو النقاش الذي انتهى إلى صياغة القاعدة المنصوص عليها في الفصل 5 من قانون الأحزاب الحالي.
والمفيد للتذكير بكون إرادة مشروع قانون الأحزاب الحالي، في صياغته للمادة 5 اتجهت إلى منع ظاهرة الترحال في أعضاء البرلمان فقط، وليس في الجماعات، خلافا لما تم تداوله النقاش الذي عرفته بلادنا في الفترة الأخيرة بخصوص هذه الظاهرة.
ومما يؤكد ذلك هو الجواب الذي قدمته الحكومة أمام لجنة العدل التشريع بمجلس النواب عندما قدمت قانون الأحزاب الحالي، إذ حصرت مدى تطبيق تلك المادة في البرلمان وحده وهو ما يتأكد بالرجوع إلى جوابها على سؤال حول اكتفاء المادة المذكورة بالحديث عن البرلمان فق - إذ كان جوابها ب «أن تطبيق هذا الإجراء على البرلمان طرح صعوبة فبالأحرى تطبيقه على مئات الجماعات المحلية لهذا فهذه المادة تتوخى هذا الإجراء بصورة تدريجية».
وإذا كان الوضع في قانون الأحزاب الحالي هو كما سبق بيانه فهل مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب أتى بالحل النهائي أم لا ؟
قبل الجواب على هذا السؤال من الضروري الإشارة إلى وضع يكاد يكون غير مقبول يتمثل في وجود حواجز يجب البحث عن حلول لها من أجل ضمان تدبير حكيم وراشد للحقل السياسي في المغرب.
وتتمثل تلك الحواجز في كون القانون يصنعه البرلمان ويشرحه ويفسره أساتذة كلية الحقوق، ويطبقه القضاة، بينما لا وجود لأي علاقة أو تواصل بين هذه المؤسسات فيما بينها .
لهذا نجد أن إرادة المشرع مثلا في صياغة قاعدة قانونية تكون قد حكمتها أسباب محددة و يكون المشرع رمي من وراء تلك القاعدة الجواب على إشكال محدد، لكن نظرا لكون جل القوانين لا تكون مسبوقة بأسباب نزولها، فإن أساتذة كلية الحقوق يسترجعون كامل حريتهم في تفسير وتأويل تلك القواعد، ليس، دائما، بناء على الأسباب والغايات التي حددها المشرع، وإنما بناء على قواعد وضوابط للتفسير والتأويل النظرية البحتة التي لا تأخذ في اعتبارها إلا الجانب المعياري القانوني الصرف المعتمد في جل الحالات على معاني العبارات والكلمات، وليس الجانب السياسي والمجتمعي الذي اعتمده المشرع عند سنه لتك القاعدة القانونية.
وعندما تصبح تلك المادة في مجال المنازعة في التفسير والتأويل، تتدخل مؤسسة أخرى وهي القضاء، لتطبيق تلك القاعدة، وهنا يكون الفهم المتحكم في ذلك التطبيق، ليست إرادة المشرع بالضرورة و لا التفسير الذي قدمه أساتذة كلية الحقوق، لأن القاضي لا علم مؤسسي له لا بهذه و بتلك لانعدام وجود تواصل بين البرلمان و كلية الحقوق، على الخصوص، ومؤسسة القضاء. وإنما تجتهد المحكمة في التفسير والتأويل انطلاقا من الصياغة اللغوية للنص وتستعين باجتهادات أو آراء فقهية سابقة لصدور القانون، ومتعلقة بقانون وقواعد لا علاقة لها بالقانون الجديد.
إن هذا الإشكال هو الذي ترجمته المقررات التي أصدرها القضاء الإداري بخصوص قضية مشروعية الترحال من عدمه التي طرحت عليه أخيرا.
إذ سبق للمحكمة الإدارية أن قضت بحق أي عضو في أي حزب في تغيير انتمائه الحزبي بعد نجاحه بتزكية من ذلك الحزب، وهو الاتجاه الذي أكدته محكمة الاستئناف الإدارية. وهو ما نظر إليه من قبل الفاعلين السياسيين كموقف لتشجيع الترحال و ليس لمحاربته .
غير أن المجلس الأعلى عندما أحيل عليه الطعن في ذلك القرار ألغى قرار محكمة الاستئناف، واعتبر أن المادة 5 يجب أن تطبق حتى في الانتخابات الجماعية، وبالتالي لا يحق لمن ترشح في أي انتداب انتخابي أن يغير حزبه بعد نجاحه سواء في الجماعات أو في البرلمان.(قرار 207 بتاريخ 24 - 03 - 2011 ملف اداري 7 - 4 - 1 - 2010 قضية جبهة القوى الديموقراطية ضد السيد ابراهيم الناموسي)
فعندما نتابع المواقف المتخذة من قبل كل من المحكمة الإدارية ومحكمة الاستئناف الإدارية من جهة والمجلس الأعلى من جهة أخرى، نلاحظ أنها تترجم بالفعل أثر الإشكال المشار إليه، أي كيف نفسر القاعدة القانونية و من يترجم إرادة المشرع الحقيقية. كان تطرح إشكالية من هو الحكم الصحيح و المعبر عن العدالة الحقيقة التي يجب أن يقبل بها المواطن، هل ما قضت به المحكمة الإدارية و محكمة الاستيناف الإدارية، أم ما قضى به المجلس الأعلى.
إن الجواب على هذا السؤال لا يتأتى من الإطلاع على حيثيات كل مقرر على حدة ومدى صلابة و تماسك منطقه و تعليله، و إنما يتأتى من معرفة من من تلك المقررات القضائية كان مطابقا لإدارة المشرع.
وفي هذا المجال يمكن نقول بأن المقرر الذي طبق إرادة المشرع ليس هو قرار المجلس الأعلى، إنما هو ما ذهبت إليه كل من المحكمة الابتدائية و محكمة الاستئناف الإدارية، لأنهما طبقا إرادة المشرع التي رمت إلى حصر تطبيق المادة 5 في انتخابات البرلمان وليس في انتخابات الجماعات المحلية، وهو ما يتبين بكل وضوح من جواب الحكومة أمام لجنة العدل والتشريع المشار إليه أعلاه.
فهل مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية أتى بحل لهذه المعضلة ؟
إن المقارنة بين القراءة اللفظية للمادة 5 من قانون الأحزاب و قراءة المادة 20 من مشروع القانون التنظيمي للأحزاب تؤكد أن إرادة المشرع انصرفت إلى أن تشمل قواعد منع الترحال ليس فقط في البرلمان، كما هو الحال في المادة 5 من المذكورة، وإنما انصرفت كذلك لتشمل منعه في البرلمان وكذا في الجهات باعتبارها هي تلك التي توصف بالجماعة الترابية وفقا للفصل 135 من دستور 2011 . (مما كان من المفيد أن تقتصر صياغة المادة 20 على ذكر البرلمان والجماعات الترابية فقط).
وإنه إذا كان هذا التعديل يترجم الإرادة الحقيقية والسياسية لمشرع القانون التنظيمي للحد من ظاهرة الترحال، إلا أن الصيغة التي كتبت بها المادة 20 من مشروع القانون التنظيمي، لا تساعد على الوضوح المراد من تلك المادة، و لا تضمن عدم الخروج بتفسير يفرغ تلك المادة من كل محتوياتها وخصوصا عندما نقرأها مع ما تتضمنه المادة 22 من نفس القانون التنظيمي.
ذلك أن صياغة المادة 20 لا تنص بصيغة واضحة على تجريد المنتخب من عضويته بقوة الدستور، كما ينص على ذلك الفصل 61 من الدستور، وإنما التجريد سيتم ، كما تقول المادة 20، وفق شروط وكيفيات تحددها القواعد التنظيمية لمجلس البرلمان وهو ما يعني أن الذي سيتحكم في تلك الشروط والكيفيات هو البرلمان أي الأغلبية البرلمانية و التي هي أغلبية سياسية اي لها مصالح سياسية، مشرعة لا نقاش في ذلك، لكن قد لا تفي بالغرض من وراء منع الترحال بصفة نهائية لتخليق الحياة السياسية.
لذا، من المفيد أن يتم نقل حرفيا في المادة 20 من مشروع القانون الصياغة الكاملة للفصل 61 من الدستور لكي يكون التجريد بقوة الدستور، ولا يحتاج لا إلى شروط أو كيفيات قد تتحكم فيها اعتبارات أخرى سيسنها قانون آخر. مادام أن الفصل 61 من الدستور أسند للمحكمة الدستورية مهمة التصريح بشغور منصب العضو المعني بهده القاعدة الدستورية.
ومن جانب قصور صياغة المادة 20 من مشروع القانون التنظيمي في تقابلها مع صياغة الفصل 61 من الدستور، هو أن هذا الفصل الأخير يعاقب بالتجريد من العضوية الانتخابية ليس فقط في حالة التخلي عن الحزب السياسي الذي تم الترشح باسمه، وإنما يضيف أن نفس الجزاء يترتب على من يتخلى عن فريقه أو مجموعته النيابية، وهو ما لا تذكره المادة 20 من مشروع القانون التنظيمي المشار إليه أعلاه.
لذا، من المفيد إعمالا للإرادة السياسية الواضحة في المادة 20 إعادة صياغتها بنفس صياغة الفصل 61 من الدستور.
ونفس الملاحظة تثار بخصوص صياغة المادة 22 من مشروع القانون التنظيمي والتي تتكلم عن إمكانية عضو في حزب سياسي من الانسحاب مؤقتا من حزبه.
ففي هذه الحالة، ما هو الوضع القانوني لعضويته في المجالس التي انتخب فيها، فهل تتوقف تلك العضوية، وهل سيبقى يمارس مهامه أم أنه سيمنع من حضور تلك المجالس، أم أن انسحابه المؤقت من حزبه لا أثر له على استمرار عضويته في المجلس المنتخب فيه ويبقى محتفظا بها؟
إن القبول بهذه الوضعية الأخيرة هو قبول بإفراغ المادة 20 من مشروع القانون التنظيمي و بإفراغ للفصل 61 من الدستور من محتواهم وهو الأمر المخالف للدستور. و غير المطابق للإرادة السياسية الحالية لمشرع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب.
لذا من المفيد إلغاء إمكانية الانسحاب المؤقت من الحزب، فإما أن المنتخب هو عضو في الحزب السياسي التي انتخب باسمه، و في هذه الحالة يحتفظ بعضويته في المجلس المنتخب فيه، و إذ انسحب منه مؤقتا فيجب أن تطبق عليه القواعد القانونية المتعلقة بمحاربة الترحال، أي تجريده من العضوية النيابة، حتى تبقى تلك القواعد واضحة وغير قابلة لأي تفسير ولا تلاعب بها ومنع أي تأويلات لها من أجل إفراغها من محتوياتها، وحتى لا نسقط مجددا في التأويلات المتحدث عنها أعلاه بالخصوص في المادة 5 من قانون الأحزاب الحالي.
مظهر التحول السادس:
هو الموقف الواضح الذي ألغى إمكانية اتحاد الأحزاب، واحتفظ لها فقط بالحق في الاندماج.
إذ، كما هو معلوم أن قانون الأحزاب الحالير كما ينظم الحق في اندماج الأحزابر ينظم كذلك الحق في اتحادهم، وهذا الحق الأخير يضمن لهم نوعا من الاستقلالية داخل الاتحاد التي تسمح لها بإمكانية الانفصال مجددا .
غير أن الملاحظ أن الفصل41، وما بعده من قانون الأحزاب الحالي، نظم بنفس القواعد حالات الاتحاد و حالات الاندماج معا، أي أن القانون المذكور أخضع الاتحاد والاندماج تقريبا لنفس المقتضيات.
وما سجله مشروع القانون التنظيمي موضوع هذا المقال، هو أنه ألغى إمكانية اتحاد الأحزاب فيما بينها واحتفظ لها فقط بحق الاندماج. وبالتالي لم يبق ممكنا للأحزاب التي اندمجت أن تنفصل مجددا، كما حدث بخصوص بعض الأحزاب أخيرا.
لهذا، أتت مقتضيات مشروع القانون التنظيمي لتضع حدا لتردد الأحزاب لكي تقرر بصفة نهائية إما أن تحتفظ باستقلالها واستمرار نشاطها بكل استقلالية، أما عندما تريد الاندماج في حزب قائم أو الاندماج في حزب جديد، فإنها تحل بقوة القانون، وذلك تطبيقا للمادة 49 من مشروع القانون التنظيمي.
فهذا، المقتضى إنما أتى ليؤسس لمبدأ القطبية والتجمعات الحزبية الكبيرة، وليس العكس، مما يعطي مصداقية ومبررا قويا لإلغاء إمكانية الاتحاد والاحتفاظ فقط بإمكانية الاندماج. ذلك أن ترقية الأحزاب إلى مؤسسات دستورية وإعطائها الحق في أن يختار منها جلالة الملك رئيس الحكومة بكل السلطات المنصوص عليها في دستور 2011 يجعل على عاتقها تحمل مسؤوليتها الدستورية والوطنية والتاريخية، إذ لم يبق مجالا للتردد، فإما حزب مستقل أو حزب مندمج بصفة نهائية في حزب قائم أو حزب جديد بطريقة لا رجعة فيها .
مظهر التحول السابع:
و هو التفعيل الحقيقي لدور الأحزاب ليس فقط كمؤسسات دستورية بل، وهذا هو المهم، هو التحول الحقيقي في دورها في بناء الدولة الديموقراطية الحديثة، باعتبار أن الأحزاب مكون من مكونات الدولة و جزء ضروري في بنائها .
ويتجلى هذا الوضع القانوني الجديد للأحزاب في استفادتها من نوعين جد مهمين من الدعم:
الأول دعم مالي :
ويتبين في كون مشروع القانون التنظيمي، وإن أبقى على الدعم الحالي المنصوص على مبدئه في الفصل 29، إلا أنه أضاف أنواعا أخرى من الدعم تتجلى في:
1 - السماح للأحزاب بامتلاك المنقولات والعقارات الضرورية لنشاطها، وهو الأمر غير المسموح به في القانون الحالي .
2 - الاستفادة من دعم للمساهمة في تغطية مصاريف تدبير الأحزاب.
3 - الاستفادة من دعم الحملات الانتخابات، الذي لم يكن سابقا منظما بمقتضى قانون تنظيمي.
4 - الاستفادة من دعم سنوي يعتبر فيه عدد الأصوات المحصل عليها الذي يراعي الأحزاب الصغيرة، وهو الأمر المستجد في مشروع القانون التنظيمي الحالي الذي سيسمح بالاستفادة من هذا الدعم حتى للأحزاب التي تحصل على 3 في المائة.
5 - الاستفادة من إعفاءات تتعلق بالضرائب و رسوم المطبقة على الممتلكات العقارية والمنقولة.
6 - وهذا دعم جد مهم ومستجد من شأنه تطوير الصحافة الحزبية والمتمثل في حق الأحزاب في الاستثمار في المقاولات الصحفية ومقاولات النشر والطباعة.
وهذا الدعم غير المباشر إذا ما اعتبرنا فيه حق الإعفاءات الضريبية المشار إليها أعلاه، نلاحظ مدى أهمية هذا المقتضى، ليس فقط في دعم الأحزاب ماليا، وإنما في تطوير الصحافة الحزبية التي تعاني اليوم من مشاكل متعددة.
الثاني الدعم البشري
لقد سبق لي في أحد الحوارات التلفزية قبل التصويت على الدستور، أن أشرت إلى أن الأحزاب الوطنية والديموقراطية عاشت فترة جد صعبة في الماضي عندما كانت محاربة من طرف جيوب مقاومة الإصلاح، تلك المحاربة التي لم تأخذ فقط المواجهة المباشرة مع تلك الأحزاب، وإنما اتخذت أوجها غير مباشرة كان من نتائجها تهرب الأطر العليا المغاربة من العمل السياسي الحزبي، ونظرا لكون ما تقدمه الإدارة لهم من امتيازات لا تملك تلك الأحزاب تقديمه.
لذا، تحفظ عدد كبير من الأطر المغربية من أي ممارسة للشأن الحزبي، وبالتالي السياسي بصفة عامة.
لكن في ظل دستور 2011 الذي ارتقى بالأحزاب إلى مؤسسة دستورية وإلى مكون من مكونات الدولة، بل إن جلالة الملك سيختار من يدبر السياسة العامة لهذا البلد الأمين من تلك الأحزاب كان ضروريا أن يتم إبداع طريقة لجعل تلك الأحزاب تستفيد من طاقات الأطر العليا التي تزخر بها الإدارة المغربية من جهة، وأن تطمئن هذه الأطر إلى أن العمل السياسي الحزبي لم يبق محظورا من جهة أخرى.
ولقد ترجمت هذه الإرادة السياسية القوية و المعبرة حقا على التحول الذي يقدمه دستور 2011، إن كان الأمر لازال يحتاج إلى حجج، في القاعدة المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة 31 من مشروع القانون التنظيمي الذي تنص على ما يلي:
«تحدد شروط و كيفيات وضع موظفين عمومين رهم إشارة الأحزاب السياسية» بموجب قانون.
إن هذا النوع من الدعم لهو أكثر أنواع الدعم فعالية وأقوى دليلا على التحول الحقيقي المطلوب من الأحزاب أن تعيشه، والذي سيساعد الأحزاب في تحمل المسؤوليات المستقبلية، وفي فتح المجال للأطر العليا التي تزخر بها إدارتها في المساهمة الفعلية والفاعلة في تنمية بلدنا والاستفادة من خبراتها عن طرق أحزابها.
المظهر الثامن للتحول
لم يتوقف مشروع القانون التنظيمي عند الحقوق والدعم الذي يجب أن تتمتع به الأحزاب، وإنما بالنظر للمهام والاختصاصات التي ستتولاها بمقتضى دستور2011، فإنه وضع على كاهلها التزامات جد مهمة ومنها :
1- بالإضافة إلى تتبع مالية تلك الأحزاب، نص على قاعدة جديدة أكثر رقابة والمتمثلة في فحص صحة النفقات برسم الدعم السنوي الممنوح لها وفق ما تنص على ذلك المادة 40 .
2 - إلزامية التداول على المسؤوليات وعدم الإبقاء على نفس المسؤولين بصفة أبدية.
ذلك أنه بالرجوع إلى الفقرة 6 من المادة 29 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب نجدها تلزم أن يتضمن النظام الأساسي الحزبي.
«مدة الانتداب الخاصة بالمسؤوليات داخل أجهزة الحزب وعدد الانتدابات التي لا يجوز تجاوزها».
وهو ما يعني أن مشروع القانون التنظيمي ألزم الأحزاب بأن تنص على المدة الزمنية بصفة واضحة، وهو ما نقرأه في جملة «التي لا يجوز تجاوزها» وليس الإشارة إلى المبدأ فقط. و هو ما يؤكد أن المشرع لم يرد الإبقاء على الوضع العام في الأحزاب المتميزة باستمرارية نفس الأشخاص في نفس المسؤوليات.
علما أن القانون الحالي، وإن تناول هذا الإشكال بشكل عام في المادتين21 و 22، إلا أن تدخل مشروع القانون التنظيمي هو أكثر جرأة وأكثر وضوحا و أكثر دقة و أكثر إلزامية، علما كذلك أن أي إخلال بتلك المقتضيات سيؤدي إلى إمكانية المطالبة بحل الحزب.
كما أن مشروع القانون التنظيمي تدخل حتى في الصفات الواجب توفرها في الأشخاص الذين ستقدمهم تلك الأحزاب في الاستحقاقات الانتخابية على جميع المستويات، إذ ألزمها:
1 - باعتماد مبادئ الديموقراطية والشفافية في طريقة و مسطرة اختيار مرشحيها.
2 - تقديم مرشحين نزهاء وأكفاء وأمناء وقادرين على القيام بمهامهم التمثيلية.
إن هذه المقتضيات ليست حقوقا للأحزاب وإنما هي حقوق للأمة المغربية التي ستتكلم باسمها تلك الأحزاب.
لكن المهم في ذلك ليس النص عليها في الأنظمة الأساسية للأحزاب، ولكن المهم هو التأكيد على أن الحزب السياسي في دستور 2011 أصبح ملكا عاما لجميع المواطنات والمواطنين، يحق لهم الانخراط فيها بكل حرية طبقا للمادة 19 من مشرع القانون التنظيمي، وهو ما يترتب عليه حقهم في الطعن في أي إخلال في تدبير تلك الأحزاب أمام القضاء سواء من قبل المنتمين إليه أو المعنيين به.
هذه بعض الملاحظات التي تتركها القراءة الأولية للنسخة الأولى من مشروع القانون لتنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.