أثار القرار الأخير لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إدماج مجموعة من الأشخاص "ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"، والمنحدرين من الأقاليم الصحراوية للمملكة،17 حالة تم إدماجها بوزارة العدل والحريات، و46 حالة ضمن أسلاك الإدارة الترابية، نقاشا سياسيا حول مدى سلامة هذا القرار من الناحية الدستورية، وهل خرق بنكيران الدستور بقراره ذاك أم أن إدماج هؤلاء المعطلين الصحراويين له مسوغ خاص يتجلى في تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة؟ الدكتور عثمان الزياني، أستاذ باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، يرى أن مسألة إدماج "ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" المنتسبين إلى الأقاليم الصحراوية في الوظيفة العمومية، يأتي في سياق خاص مرده بالأساس المخاض العسير الذي عرفته قضية منع التوظيفات المباشرة لحاملي الشهادات العليا، وإخضاعها لشروط مباريات الولوج للوظيفة العمومية، وما أثارته من نقاشات مستفيضة ذات حمولات قانونية وسياسية، وإصرار بنكيران على أن التوظيفات كلها ستخضع للمباريات حرصا على الشرعية الدستورية والقانونية، حتى وإن كان الأمر تم فيه تغليب للمنطق السياسي على حساب المنطق القانوني. وسجل الزياني، في تصريحات لهسبريس، بأن هذا الإدماج المباشر يحمل في مكمنه نوعا من الازدواجية في التعامل مع التوظيفات، متسائلا كيف يمكن الحديث عن منع حاملي الشهادات العليا من التوظيف المباشر باسم الشرعية الدستورية والقانونية في الوقت الذي يأتي رئيس الحكومة لانتهاك هذه المعيارية التي اعتمدها في قضية المنع، وباسم تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. واستطرد المحلل بأن هذا "الأمر يشكل قمة التدليل على حالة الارتباك والتناقض والتأويل المشوه والمعوج للقانون التي يتخبط فيه رئيس الحكومة بنكيران، من حيث نقضه لعهده بعدم اعتماد التوظيفات المباشرة". وأردف الزياني بأن هذه التعيينات الجديدة تؤشر بشكل ضمني على الانتصار لشرعية وحق حاملي الشهادات العليا في التوظيف المباشر، الذي يستند إلى سند قانوني بالنسبة لمرسوم الوزاري رقم 2.11 . 100وتوقيع محضر الالتزام بالتوظيف من طرف حكومة الفاسي، وخرق واضح لقانون منع التوظيف المباشر الذي يستشهد به رئيس الحكومة في مواجهة موقعي محضر 20 يوليوز مع حكومة الفاسي وكل محاملي الشهادات العليا، على عكس هذه التوظيفات المباشرة التي تستند إلى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. وزاد المتحدث: " في هذا القرار قلب صارخ لمبدأ تدرج القوانين وإعطاء قيمة قانونية للتوصيات على حساب القانون، فإذا كنا نتحدث بمنطق الشرعية القانونية، هناك رضوخ للتوصيات على حساب التنكر للمرسوم الوزاري، والذي تلاه قانون منع التوظيف المباشر". ووصف الزياني هذا الإدماج المباشر من حيث حيثياته وزمانه بأنه "خرق واضح لمبدأ دستوري صريح، وهو مبدأ المساواة أمام القانون، وأيضا لمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين "فلا أحد يعلو على القانون"، لافتا إلى أن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة تطرح خيارات أخرى لجبر الضرر وهي التعويضات، والتي قد لا تطرح أية إشكاليات قانونية على عكس الإدماج المباشر التي أثار حوله العديد من التساؤلات. وخلص الباحث إلى أن التنزيل السليم للدستور يستوجب القطع مع المقاربة الانتقائية، وازدواجية المعايير في تطبيق المقتضى الدستوري والقانوني، واعتماد الوضوح والشفافية في التعاطي مع مختلف الإشكالات القائمة فيها، وخصوصا التوظيف. وختم الزياني حديثه لهسبريس بالقول "نحن نضم صوتنا إلى تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في سبيل تكريس البناء الديمقراطي الحقيقي للبلاد، لكن دون الرضوخ للاعتبارات السياسية في التنزيل والتطبيق".