أحيتالفنانة المغربية سعيدة فكري، مساء السبت الماضي ، بالقاعة الشهيرة "كولا نوطي" بمونتريال، حفلا موسيقيا، بعد النجاح الكبير، الذي شهدته الجولة الفنية التي انطلقت من 5 أبريل الجاري، والتي قادتها إلى نيويورك، وبوسطن، ثم أرلنغتون بمنطقة واشنطن. "المغربية" التقت صاحبة "ميزيريا"، وتعرفت أكثر على هذه الفنانة المغربية الفريدة، التي تشدو للسلم والتسامح، وضد التهميش والإقصاء والعنصرية، وتعزف من أجل الصداقة والحرية، وتكتب بنفسها كلمات أغانيها، وتحضر هموم الناس وأحلامهم المنكسرة بقوة في مخيلتها. سألتها "المغربية" عن الطفولة والأسرة، فقالت سعيدة "ولدت وترعرعت بالحي الحسني بالدارالبيضاء، في أسرة متواضعة، تعرفت صغيرة على هموم الناس، الأقرباء والجيران، وبالمدرسة على العقاب، اخترت الصمت في القسم تفاديا للضرب من طرف المعلمين، وفي البيت كانت الألحان ملجئي وترديد الأغاني ملاذي، وكنت أردد أمام إخوتي الثمانية أغاني المحبوبة، في الثامنة غنيت (في قلبي جرح قديم) للفنان عبد الهادي بلخياط. وفي الثانية عشرة أهداني صديق للعائلة قيثارة ذات وترين فقط، رافقتني إلى حين بداية تعلمي الموسيقي بالمعهد البلدي بالدارالبيضاء، على يد الاستاذ لغزاوي، أجمل ذكرياتي كانت بالمعهد". كانت بداية سعيدة الموسيقية مع "الكانتري"، لكنها ما لبثتت أن تحولت إلى الأغنية الاجتماعية، أو ما يعرف بالملتزمة. بيد أن سعيدة ترى أن "الكانتري" ارتبطت فقط بمرحلة التعليم الثانوي، والعزف على القيثارة، والانفتاح على اللغة الإنجليزية. وتوضح أن التحول إلى الأغاني الاجتماعية جرى بشكل تلقائي. "تجربتي في جمعية الطريق الثقافية، إلى جانب شباب كان حبهم للوطن كبيرا، ساهمت في توجيه معنى ومضمون الأغاني، التي أكتبها. فالكلمات التي أغني ترتبط بالواقع اليومي للناس، تحكي عن الفقر والحرمان، والقيم الأسرية، وغياب الأب، والتهميش والفساد، وعن الصداقة والحرية، والتسامح والسلم، وعن العنصرية". تشرح سعيدة ل"المغربية" تجربتها ودوافع هجرتها إلى الديار الأميركية، معتقدة أن "الأسباب متعددة، فنية وعائلية، وأيضا وجودية تتعلق بي. لا أخفيك الصعوبة، التي تواجه الفنان بشكل عام في بلدنا، من أجل أن يجد الدعم والسند الكافيين للانطلاق والنجاح، وعلى كل، فهجرة الفنانين ظاهرة مألوفة ويمكن النظر إليها بمسافة لفهمها، قررت وزوجي الهجرة إلى أميركا نظرا لفرصة عمل أتيحت له، ولأنني قررت في البداية التفرغ لتربية بناتي وأخذ الوقت الكافي للاشتغال على مشاريعي الفنية". وفي الولاياتالمتحدة، درست اللغة الإنجليزية، وعلم النفس الاجتماعي، والإخراج السينمائي تخصص الشريط الوثائقي والفيديو كليب. "أتابع الحياة الثقافية والفنية، وأساهم في التظاهرات الداعمة للجاليات العربية. أشتغل مع عازفين موسيقيين، وتمكنت من تطوير أدائي الفني، والانفتاح أكثر على العالم، وإنجاز أعمال جديدة". سعيدة تتكلف بنفسها بكتابة الكلمات، وأيضا بالتلحين والتأليف الموسيقي، ثم بالأداء أمام الجمهور. عندما سألناها كيف تعيش هذه الثلاثية الفنية، أبرزت أنها ليست الفنانة الوحيدة التي تعيش هذه الحالة الفنية. "يمكن أن أقول لك إن عملية الإبداع كما أحسها هي لحظة مترابطة وسلسلة أحاسيس تتملكني بعمق، أشتغل كثيرا لترجمتها من خلال الكلمة واللحن والغناء، أستلهم كلماتي من صميم الحدث اليومي، من اللحظة الإنسانية بحلوها ومرها، في ضعفها وقوتها، في حساسيتها وفي جبروتها، أخي خالد يكتب أيضا كلمات أغنياتي. عملي الفني يحاول أن يقتبس من التراث الموسيقي المغربي الأمازيغي والعربي، ومن إيقاعات الروك والبلوز والجاز. الفن لا يحتاج إلى جواز سفر، إنه ملك للإنسانية". يقول المغاربة "هاذيك التمرة من ذيك الشجرة"، كذلك الحال نفسه مع ابنتي سعيدة فكري "رانيا كتبت حوالي 20 أغنية بالإنجليزية، وبدأت منذ سن 12 سنة، وتعزف على القيثارة. أما غفران، فتعزف على البيانو". سعيدة، التي توجت جولتها الفنية بسهرة في مونريال ستكون يوم 18 ماي المقبل، على موعد مع المشاركة لأول مرة في مهرجان "موازين" بالرباط، كما ستحيي حفلات فنية بعدد من السجون المغربية، بتنسيق مع آسية الوديع، في إطار مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء. "السنة الماضية شاركت في حفلات فنية بمدينة ورززات، وكنت جد سعيدة، اليوم أستعد من جديد للقاء الجمهور المغربي بالرباط، ولدي مشاريع لمهرجانات ومناسبات أخرى، ورغم البعد الجغرافي، فإن التواصل مع بلادي قائم، الحياة الفنية بالمغرب تشهد تطورات جيدة، وفضاءات التعبير الفني متنامية. الحياة في النهاية عبارة عن لقاءات وفراقات، ولابد للمياه أن تعود إلى مجاريها"، وتخلص سعيدة إلى القول "أنا متفائلة".