قضت المحكمة الإدارية برفض تأسيس حزب أمازيغي على اعتبار أن الأمر مخالف للقانون الذي ينص على عدم مشروعية الأحزاب السياسية القائمة على أساس عرقي أو لغوي أو ديني. والأمر يطرح أكثر من سؤال يعرف الجواب عنها تناقضا بين أصحاب هذه المبادرة والمعارضين لها من مثل ما معنى حزب أمازيعي؟ هل هناك ضرورة لحزب يقوم على التمييز بين المغاربة على أساس إثني؟ هل عدم الموافقة على إنشاء حزب من هذا النوع معناه معاكسة التوجه الحقوقي الذي يعرف المغرب بعض عناصره؟ وهل في ذلك رفض لكل الأحزاب التي قد تعتمد هذه الزاوية في الرؤية؟ "" في البداية لا بد من التأكيد على أن المهتم بالموضوع من زاوية المثقف لا يمكنه أن يجد ذاته إلا في جهة المطالبين بتوسيع فضاء الحريات السياسية التي بدونها يصعب تحقيق المجتمع الديمقراطي الذي ينشده الجميع. لكن هذه الزاوية نفسها تفرض على المراقب تمرير هذا النوع من المطالب من مصفاة النقد وذلك حتى يتم التمييز بين المطالب الحقيقية والمطالب الزائفة التي تخلق جيلا جديدا من المشاكل بدل أن تحل تلك القائمة على أرض الواقع. فالحامل لمشعل الثقافة، دوره ليس الانجرار وراء الشعارات والأصوات الأكثر صراخا بل الاستماع لصوت العقل وتقدير المآلات والمقارنة بتجارب الدول الأخرى التي تكون أشبه بالمختبر الذي يمكّْننا من معرفة نتيجة ما سنقبل عليه لتعديله وتكييفه حتى نستطيع تجنب المخاطر الممكن تولدها عنه. وقد وصف هذا الحزب من طرف أصحاب الفكرة بكونه أمازيغيا ديمقراطيا مغربيا، وكل الخطابات الموازية له تخرق هذه المنطلقات، فالديمقراطية تقتضي الانطلاق من تصور إنساني وليس من تصور طائفي، والحال أن كل ما يروج له أصحاب هذا المقترح الحزبي كله مضاد للديمقراطية كالمطالبة باعتماد العرف في التشريع واستيراد حلول وضعت لواقع دول أخرى لا علاقة لها لا بالمغرب ولا بتاريخه، من مثل الحديث عن مقارنة الذات بالأكراد والباسكيين، وكأن المغرب خرج لتوه من حرب أهلية ويريد أن يضمن كل طرف من المتحاربين القدامى أكبر قدر من المصالح. والملاحظ حديث أصحاب هذه المبادرة عن الإنسان والأرض واللغة كثوابت، والإنسان هنا ليس إنسان المواثيق الدولية وليس هو الإنسان المغربي بغض النظر عن عرقه أو الجهة التي ينتمي إليها، بل المقصود الأمازيغي بوصفه عرقا وهميا نقيا أنبتته أرض تامزغا الوهمية هي الأخرى، من هنا نجد لدى هؤلاء كثرة الحديث والقدح للرباطيين والفاسيين، مما يكشف عن النظرة الطائفية للمغاربة، كما أن من منطلقاتهم الحديث عن اللغة، والمقصود بها حسب أصحاب هذه المبادرة هي الأمازيغية بالمفرد، وليس الأمازيغيات التي هي التعبير الصادق عن الواقع المتعدد الذي يراد القضاء عليه بالمعيرة والتوحيد. وأحد الثوابت في نقاشاتهم التأكيد على الصراع بين المكونات المغربية، وخاصة حول المكون الثالث لديهم أي الأرض. فالسؤال الذي حسم منذ قرون والذي يرى بأن أرض المغرب أرض للمغاربة جميعا، يحييه هؤلاء من جديد في شكل سؤال غريب لا يطرح إلا في حالة وجود مستعمِر ومستعمَر، وهو سؤال الأرض أرض من؟ أي هل هي "للأمازيغ" أم "للعرب"، والملم بالأدبيات الحقوقية سيلاحظ بأن هذه المبادئ طرحت لشعوب حديثة العهد بالاستعمار كأبوريجين أستراليا الذين عانوا من القهر الاستعماري وسممت منابع مياههم ووزعت عليهم أغطية ملوثة بالجراثيم لإبادتهم، ولم يعترف بمواطنتهم إلا بعد استفتاء سنة 1967. فما علاقة هؤلاء بوضع المغرب وبالأمازيغ، لتجلب حلولهم إلى واقعنا المغربي الذي لا يمت إليها بصلة؟ هذا دون الحديث عن المطالبة باقتسام السلطة من زاوية عرقية؛ أي اعتماد المحاصصة وكأن المغرب مكون من الهوتو و التوتسي. هذه بعض المنطلقات الفكرية التي قد تكون هي الدافع للمثقف لاتخاذ موقف الرفض لمثل هذه الإطارات التي غالبا ما يحكم أصحابها الرغبة في البحث عن المنافع الذاتية والمقامرة بمستقبل الوطن، وهذا ما يتجلى واضحا في العمل على الارتباط بالخارج وطرق أبواب الهيئات الديبلوماسية والمطالبة بإحصاء شامل للأمازيغيين ككثافة سكانية والتركيز على دورهم في الإستراتيجية المستقبلية للمنطقة بالتنسيق مع الخارج، وكأن المغرب دولة مستباحة، والتنكر للقضايا العربية المركزية ومغازلة إسرائيل بشكل فج وطرح التطبيع معها كأولوية وطنية من باب الصداقة والإخاء. ولكن هناك وجه آخر لهذه القضية والمتمثل في الخلفيات التي قد تكون وقفت وراء رفض السلطات للاعتراف بهذا الحزب بعيدا عن النصوص القانونية .فكما أننا نعلم أن التصويت في المغرب له خصوصيته إذ أن الناخب في الكثير من الحالات يصوت على الأشخاص لا على البرامج ولا على الأحزاب، ففي هذه الحالة نجد نفس القاعدة فالدولة هي الأخرى غالبا ما تعترف بالأشخاص الواقفين خلف الحزب قبل أن تعترف بالحزب ذاته أو ببرنامجه، فشخص صاحب الفكرة هو الحاسم في الاعتراف أو عدم الاعتراف وليس البعد الإثني والعرقي الذي لا يسع أي مغربي، يفكر من زاوية المصلحة العامة للمغاربة جميعا، إلا أن يرفضه. فالجهات المسؤولة قد تتسامح مع من يركب هذه الموجة إذا ما ضمنت تحقيق بعض مصالحها المتمثلة في تمكينها من ربح هامش من المناورة في تعاملها مع الأحزاب وضمان التوازنات. وتجربة المحجوبي أحرضان والدكتور الخطيب والحركة الشعبية أكبر مثال على ذلك، إذ تم إخراجها للوجود من أجل القيام بوظيفة محددة أي خلق توازن إزاء حزب الاستقلال، وهذه الحركة هي الأخرى كانت تعزف على الوتر الطائفي لكنها كانت مأمونة العواقب لأنها كانت تلعب في إطار حدوده واضحة. ونفس السيناريو يمكن أن يتكرر اليوم، ففي الوقت الذي يرفض تأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي، هناك لقاءات بين عالي الهمة وبعض الفعاليات الأمازيغية التي تقدم لها هدايا مجانية، كما أن هناك نوع من المجارات لخطابها المطلبي القائم على المحاصصة الخطيرة التي قد تمزق النسيج الاجتماعي المغربي. وهناك بعض الإشارات التي تكشف عن ذلك و عن الرغبة في التوظيف، كحضور المستشار الملكي مزيان بلفقيه في الجامعة الربيعية للحركة الشعبية التي رفعت فيها شعارات إثنية طائفية من طرف أحرضان ومحمد شفيق. وهو ما يجعلنا نقول بأن هذا الملف قابل لأن يعرف نوعا من الانحراف إذا ما تم الاستمرار في التعامل معه بهذا الشكل السياسوي بعيدا عن المعالجة العقلانية، بحيث يمكن للسحر أن ينقلب على الساحر ولا يثمر في النهاية إلا شكلا من الطائفية والمحاصصة التي يصعب الخروج منها. انطلاقا من هذه الاعتبارت لا يسعنا إلا أن نقول بأن الأمازيغية مكون أساسي من مكونات الهوية المغربية وهي ملك للجميع ولا أحد له الحق في الاستئثار بها واتخاذها أصلا تجاريا أو جعلها محل مزايدة سياسية. والمؤسسات الرسمية وعلى رأسها المعهد الملكي، الذي يعتمد سياسة الحياد السلبي، مطالب بإعلان مواقف صريحة من الحساسيات الأمازيغية التي تحمل أطروحات راديكالية تقترب من العنصرية أحيانا، وأن المعالجة الديمقراطية لقضايانا السياسية والثقافية هي الحل لما يعرفه المغرب اليوم من حراك على جميع المستويات. رشيد الإدريسي