وبعد يوم عصيب جاء المساء مظلما هادئا ظالما ولا الأخبار تحرض على التدافع نحو الأفضل، فما السبيل إذا لملء الفراغ المبهم... ؟ إنها والله لعطلة طال أمدها فكيف لمن يريد أن يفرّ بلده من التخلف أن يتحمّل هدوء الثقافة طيلة يوم كامل ؟ أهي فترة من فترات الهدوء اللازم الذي يسبق العاصفة الفكرية...؟ أم هو الخلود للراحة و الاستجمام...؟ يا للهول، كيف للمرء أن يرتاح يوما كاملا و البلاد في ركود التخلف تتخبط ؟ فما بالك لمن أريد له أن يرتاح مرغما لعقد من الزمان المرير، المرير، المرير... ؟ أن تكون في عطلة أو أن تكون معطّلا...لا فرق...فالبلد هو المتعطّل. فإذا كان الاختراع سجينا و الطيران ممنوعا فما السبيل للابتكار و الإبداع و التقدم ؟ لا، لا، ثم لا، لن ينال التيئيس من الأحرار شيئا لأنهم إلى الأمام ذاهبون في سلم و تبات و سلم و سلام. فالمستقبل أمامهم و لن تسقط عزيمتهم إلاّ بسقوط أقلامهم الحرّة الأبيّة الذكّية و التي هي للدستور محترمة... و لكن لا خوف، لن تسقط الأقلام الحرّة ما دامت للهوية حافظة حامية لأن الله آنذاك حافظها. و لكن يا معشر القرّاء ، أو حسبتم أننا خرجنا من الجزيرة العجيبة و بتنا نقرأ النثر أونظم الشعر بكل حرية ؟ لا، لا، ثم لا، فما نحن سوى قرّاء في خضم الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة... فواهم من ظن أننا من الخوف آمنين أو منه نحن معفيّين. فالخوف جليسنا و محيطنا و لكنّنا نتحداه ما دمنا راكعين ساجدين لله الواحد القهّار وحده لا شريك له. و لقد علّمنا شيوخنا الأجلاّء أن الله يأمرننا كما الحبيب المصطفى بالطاعة للحاكم في غير معصية، كما علّمنا شيوخنا الأجلاّء أنه لا يجب الجهر بالسوء إلاّ من ظلم... و الظلم واقع و الدليل على ذالك الكثير من القصص... سيداتي سادتي، الجزيرة العجيبة ترحب بكم و إنها اليوم لن تكون غريبة و لا أعجوبة رأفة ببعض المسؤولين من حكامها نزولا من راوي الرواية الإبداعية الأدبية الخيالية المحضة عند رغبة بعض الخائفين من تغيير الأوضاع نحو الأفضل، و هو و الله لخوف مخطئ. فالموضوع الساعة، بعد مساء كالح مظلم ظالم مبهم مع انعدام الأخبار المحرّضة على التدافع نحو الأفضل، هو التمييز بين الصادق و المنافق و المرغم. الصادق هو من يقول الحقّ و لا يخاف في الله لومة لائم. و لكن، ما دام ليس المطلوب من الصادق أن يكون غبيا فهو يسطع بالحق بدرجات تختلف حسب الحال و الأحوال و مدى تجبر و مكر الماكرين... و ما دام الصادق ليس غبيا فهو بالتالي ذكيّ يعرف تمام المعرفة أين و متى و كيف يعالج الأمور الشائكة. و لكن هذا لا يعني البتة أنه مغرور أو مهووس بالتحدي الذي لا مبرّر له، فالصادق يتحرك أوّلا و قبل كلّ شيء عند الحاجة القصوى للدفاع عن الخطوط الحمراء التي لا يمكن السكوت بتاتا عن محاولة تجاوزها في ما يتعلق بالدين الحنيف أوّلا ثم بالوطن ثانيا ثم بالسكينة العامّة ثالثا. أمّا في ما يتعلق بالدين فالتوحيد هو أوّل الأولويات، و أمّا في ما يتعلق بالوطن فالأمور واضحة و كذلك بالنسبة للسكينة العامّة و ما تقتضيه. بالنسبة للمنافق أسئلة تطرح أوّلا. فهل من اعترف و أقرّ مثلا بأن الخمر حرام و لو كان قد شربه ربما منافق ؟ أكيد لا. و هل من تمنى تطبيق الشريعة مقرونة بعدالة حقيقية عادلة، مع احترام القانون الساري المفعول، و لو كان قد لجأ ربما و على سبيل المثال للمحسوبية مكرها من أجل إنصاف مظلوم مثلا منافق؟ أكيد لا. و هلمّ جرّا في أسئلة عقلانية سليمة صادقة حسب الواقع المعاش في الجزيرة الغريبة. المنافق أوّلا و قبل كل شيء هو من يتملّق بصفة مباشرة أو غير مباشرة لكل ذو منصب و جاه و نفوذ للظفر بعطاء أو للحفاظ عن مكتسبات أو للنيل بمكر مقيت من خصوم شرفاء. المنافق أيضا هو الذي يصلي أو يتصدق رياء و ليس لإعطاء القدوة. هذه قصة المنافق كافية وواضحة و ليس ممكنا لأي كان أن يخلط الأوراق لأن الحق بيّن و الظلم بيّن. المنافق. كل من يشهد فعلا أن لا إلاه إلا الله و أن محمّدا رسول الله بإيمان صادق راسخ حقيقي و لو كان من المفرّطين أحيانا في بعض شعائر الدين ليس بالمنافق البتة. المنافق هو كل من تصدّى لمن يقول الحق و ليس له من ظهير يحميه سوى الله الواحد القهّار. أمّا المرغم فليس من كذب و تجبر لإرضاء حاكم أو ذا سلطة أو جاه أو نفوذ بل المرغم هو من تفادى الجهر بالحق كلّه كي لا يلقي بأسرته و بنفسه إلى التهلكة هباء منثورا. و كفى للمؤمنين حق بيان... الآن و المفاهيم قد أضحت واضحة وضوح الشمس، لا داعي و لا مبرّر لأي كان للتخلف عن المشاركة السلمية السليمة في معركة كسب رهان التقدم. و تحية لكل صادق أمين، ببلده رءوف رحيم مبغض للأنانية و الجهل و سوء التقدير. أيها الناس، لا يغّرنكم اليوم مقلب الرواية لأنها ما زالت أدبية إبداعية خيالية محضة و لن يمنعها و الله سوى التغيير في الجزيرة الغريبة أو الموت. فالراوي أديب مؤدب لن يمس بالأعراف مباشرة شيئا و لكنه لن يسكت عن الظلم أبدا و الله خير الرازقين، و كل من توسط للخير له أجره. و انتهت القصة. و لكن الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة مستمرّة في الجزيرة العجيبة.