لم تخف تل أبيب منذ الإعلان عن فوز محمد مرسي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة في مصر ٬ مخاوفها من مستقبل العلاقات بين البلدين ومصير اتفاقية السلام في ظل التوجهات الجديدة للنظام الجديد التي تعتبرها إسرائيل "مقلقة للغاية". فبمجرد تنصيب مرسي٬ تلقى رسالة تهنئة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم تخل من مؤشرات سياسية حينما ضمنها دعوة لإقامة اتصالات مباشرة مع القيادة المصرية الجديدة والتعاون معها٬ إلا أن الرد المصري كان فاترا ولم تتحمس القاهرة لهذه الدعوة خاصة وأن إعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل شكل أحد أهم المطالب التي رفعت في مظاهرات حاسمة طيلة السنة التي تلت الثورة. ويتعين التذكير أن مبنى السفارة الإسرائيلية في الجيزة الذي كان لعقود من الزمن حصنا أمنيا لا يمكن حتى الاقتراب منه٬ تعرض لعملية اقتحام مثيرة في شتنبر المنصرم اضطر على إثرها الطاقم الدبلوماسي لمغادرة مصر على متن طائرة عسكرية في نفس الوقت الذي كانت فيه أطراف رسمية في الدولة ووسائل الإعلام تكرم مقتحم السفارة وتعتبره بطلا قوميا. كما أن بوادر تأزم العلاقة بين الدولتين تجلت في وقف تصدير الغاز المصري لإسرائيل ومحاكمة كل المسؤولين الذين كانوا وراء هذه الصفقة بمن فيهم الرئيس مبارك ووزير النفط في عهده علما أن إسرائيل كانت تتزود من مصر بنحو 40 بالمائة من احتياجاتها من هذه المادة. القلق الإسرائيلي تزايد مع القرارات الأولى التي اتخذها محمد مرسي من قبيل فتح معبر رفح بشكل دائم في وجه سكان قطاع غزة واستقبال رئيس الحكومة المقالة في غزة اسماعيل هنية رسميا في قصر الرئاسة لاول مرة وعبوره معبر رفح بشكل رسمي وفي حماية الحرس المصري بعد أن ظل يتعرض لإهانات في السابق والانتظار لساعات طويلة من أجل الحصول على رخصة المرور. وكان محمد مرسي واضحا في عزمه العمل على رفع الحصار الجائر على قطاع غزة والتأسيس لعهد جديد من العلاقات مع القيادة السياسية هناك وكذا تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية بما يقوي الموقف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. وخلال الأسبوع المنصرم أبلغت تل أبيب القاهرة رسميا "قلقها" إزاء انتشار وحدات من الجيش المصري مزودة بمعدات ثقيلة وطائرات من دون تنسيق مسبق مع اسرائيل التي رأت في ذلك "خرقا سافرا" لبنود اتفاقية السلام. ورغم أن الوجود العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء لا يمثل بأي شكل من الأشكال٬ وباعتراف إسرائيلي٬ تهديدا يذكر للدولة العبرية٬ إلا ان مبعث القلق هو عدم تنسيق القاهرة مع تل أبيب بشأن هذا الانتشار والتخوف من أن يتخذ ذريعة لبقاء القوات المصرية في المنطقة. وبحسب مسؤولين أمنيين إسرائيليين تحدثت اليهم صحف مصرية فإن التغييرات العميقة التي أجراها مرسي في قيادات الأمن والجيش جعلت عملية التنسيق على الحدود بين الجانبين شبه منعدمة وأن الاتصالات بين هياكل الأمن انقطعت أيضا. وحذر هؤلاء من الانزلاق الى منعطف خطير اذا ما استمر ما اعتبروه "تحدي " مصر لبنود معاهدة السلام مع إسرائيل بشكل قد يقوض برأيهم مستقبل عملية السلام في المنطقة ككل. تدهور العلاقات بين مصر وإسرائيل اكتسى أيضا طابعا إقليميا حينما قرر الرئيس المصري المشاركة في قمة دول عدم الانحياز في إيران ٬ وهو ما اعتبرته إسرائيل "تحديا للغرب" وكسرا للعزلة الدولية التي يسعى الغرب لفرضها على هذا البلد بسبب برنامجه النووي. وبرأي محللين فإن زيارة مرسي لطهران تعد إشارة واضحة من مصر لرسم مسار جديد لعلاقاتها الدولية من خلال إعادة الارتباط دبلوماسيا مع أحد اللاعبين الأكثر تأثيرا في المنطقة٬ وهو ما يتماشى مع التصريحات الأخيرة لوزير خارجية إيران الذي أكد ان إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين باتت مسألة وقت فقط. وحظيت زيارة مرسي لإيران باهتمام بالغ من لدن الصحافة الإسرائيلية التي ذكرت أن واشنطن فشلت في ثني الرئيس المصري عن القيام بهذه الزيارة التي قالت إنها تمهد لتشكيل مشهد سياسي جديد في الشرق الأوسط على حساب إسرائيل. ووصفت هذه الزيارة بأنها "صادمة" للغرب وللولايات المتحدة التي بادرت مع ذلك للتأكيد على أن مسألة تمثيلية مصر في القمة تبقى شأنا سياديا. وفي خضم هذا الجفاء في العلاقات بين الجارتين لم يكن أول قرار أصدره وزير الإعلام المصري في الحكومة الجديدة سوى منع استضافة أي شخصية إسرائيلية في القنوات التلفزية والإذاعية المملوكة للدولة وإحالة إعلامية استضافت محللا إسرائيليا في إحدى القنوات للتحقيق. ومع غياب قنوات رسمية للاتصال تكثف إسرائيل من ضغوطها على الإدارة الأمريكية لترتيب لقاء ولو على مستوى أقل مع الحاكمين الجدد في مصر ٬ إلا أن القاهرة على ما يبدو قد لا تقبل على خطوة من هذا القبيل في الوقت الراهن تحسبا لأية ردود فعل شعبية قد تضع شرعية الرئيس الجديد على المحك.