ظل البرلمان في التجربة السياسية المغربية،عموما،يحتل وضعية هامشية في مسلسل القرار السياسي وفي دورة إنتاج السياسات العمومية،لقد كان عليه أن يعبر عن "أزمة السياسة" .أن يعكس هشاشة الأحزاب، ولاتنافسية الانتخابات،و ضعف النخب.أن يتأثر بهجانة المحيط السياسي، و قصور البناء المؤسسي،و ضغط المعطى السوسيولوجي. وهو ما جعل هذه المؤسسة تعيش لسنوات أزمة هوية،اذ جعل الطلب المجتمعي ،مضافا الى الواقع الدستوري، من البرلماني موزعا بين وظيفتي التمثيل والوساطة،ومغلبا في أكثرالحالات للثانية على الأولى. الواقع أن البرلمان كان يعاني من اثار سلبية مزدوجة،من جهة لمسار السلطوية السياسية التي لا تؤمن بجدارة السلطة التشريعية في التمثيل السياسي للأمة، ومن جهة أخرى لمسار العقلنة البرلمانية التي ورثت من التجربة الفرنسية "الخوف المرضي" من أعراض الجمهورية الرابعة: برلمان قوي يؤدي حتما لإضعاف الأداة التنفيذية و المساس بالاستقرار الحكومي. لذلك استمرت نقطة تقوية صلاحيات البرلمان وتعزيز التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية ،احدى الأبواب الثابتة في الدفتر المفتوح لمطالب الإصلاح الدستوري للقوى الديمقراطية ببلادنا. كان من الطبيعي،إذن أن ينشغل دستور 2011 بتأهيل البرلمان،حيث اتجهت الهندسة الدستورية الجديدة نحو: إعادة الاعتبار لوظيفة الثمتيل السياسي للأمة ،كوظيفة مركزية، تقوية وضعية المؤسسة التشريعية تجاه الحكومة عن طريق إقرار مبدأ التنصيب البرلماني ،توسيع الصلاحيات التشريعية و الرقابية فضلا عن اضافة صلاحية تقييم السياسات العمومية،اعادة التوازن بين مجلسي البرلمان عبر اعتماد قاعدة أولوية الغرفة الأولى و اعادة تعريف طبيعة الغرفة الثانية من حيث التركيبة و الصلاحيات،ثم أخيرا تعزيز حكامة و تخليق البرلمان (حالات التنافي – تحجيم الحصانة- منع الترحال..). اليوم،اذا كان من المؤكد أن لحظة تقييم التجربة البرلمانية الجديدة لم تحن بعد ،خاصة أن هذه التجربة التي هي في بداياتها الأولي لم تصبح بعد "جديدة" بالكامل ،اذ لازال المجلس الثاني ينتمي الى لحظة ما قبل دستور 2011،فانه من الممكن استحضار بعض الملاحظات الأولية ،خاصة على ضوء اختتام مجلس النواب لدورة أبريل ، و هي أول دورة عادية كاملة في هذه الولاية التشريعية الجديدة. لقد استطاع مجلس النواب ،على الأقل ، في لحظتي مناقشة القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المؤسسات العمومية،و قانون الضمانات الممنوحة للعسكريين، أن يتحول الى بؤرة مركزية للفضاءالعمومي و الى أفق حقيقي لانتظارات الرأي العام و المجتمع المدني و المؤسسات الوطنية. كما تحولت محطتي النقاش حول البرنامج الحكومي و القانون المالي الى حدثين سياسيين بامتياز،و أصبح كذلك مجلس النواب ،منذ جلسته الأولى ،ساحة حقيقية لمعارك "تطبيق الدستور". بدايات هذه التجربة البرلمانية ،شكل احدى عناوينها الكبرى:التمرن على الاليات الرقابية الجديدة،اذ رغم الارتباك الطبيعي الناتج عن بياضات التأطيرالقانوني الانتقالي و غير المكتمل،استطاع المجلس تدبير الجلسة الشهرية للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة،وتم استدعاء بعض مسئولي المؤسسات و المقاولات العمومية، وشكلت بعض لجان المهام الاستطلاعية. داخليا، تم فتح ملف القانون الداخلي قصد ملائمة- ثانية- عميقة مع نص و روح الدستور،و طرحت للنقاش قضية الحضور،وبرزت مسألة" وضعية المعارضة"- كإحدى تحديات الملائمة الدستورية- كقضية مركزية في النقاش بين تقليد "التمثيلية النسبية"كأحد ثوابت التجربة البرلمانية و بين " الوضع الخاص "للمعارضة كأحد مستجدات الدستور الجديد. لا يزال الكثير امام البرلمان ، الكثير من الجهد الفعال، والجدية المسؤولة، والتواصل الذكي والبيداغوجي،حتى يتغير ،والأهم و الأصعب في ذات الآن ،أن تتغير صورته في المخيال الجماعي للمغاربة.