شب حريق مهول يوم الجمعة الماضية بغابة جبل الزلزال الواقعة داخل ترابي جماعتي تطفت وبوجديان، الحريق استمر قرابة يوم كامل، قبل أن تتم السيطرة عليه من طرف رجال الوقاية المدنية. هول الكارثة دفع هسبريس إلى الانتقال إلى عين المكان يوما بعد الحريق لمعرفة ملابسات الحادث رفقة جمعيات مدنية هبت لتسليم المواطنين المتضررين عددا من المساعدات الغذائية. "دلم الغميق"، "صف التراولة" و"تيفر"، ثلاثة مداشر منكوبة بجماعة تطفت أثناء ذهابنا إلى جماعة تطفت وقفنا جليا على مظاهر قساوة الطبيعة، ومعالم هشاشة المنطقة التي تبدو مهمشة إلى حد كبير رغم تواجدها على مشارف حاضرة القصر الكبير، مركز الجماعة جد بسيط وبناياته متقادمة ومتهالكة ولا أثر لاستثمار حقيقي بالمنطقة على غرار ما تعرفه بعض المراكز القروية من خلال برامج التأهيل. بمجرد وصولنا إلى مدشر دليم الغميق، أول المداشر المتضررة، هزتنا فجاعة الحريق الذي أتى على المئات من الهكتارات الغابوية، يحكي أحد سكان الدوار بأنه في ظرف وجيز احترق بيته بالكامل بعدما طوقته النيران من كل جانب، ويحكي بعض الشباب أنه لولا قيامهم بقطع الاشجار في محيط أحد المنازل لالتهمته النيران بالكامل. انتقلنا إلى مقر مجموعة مدارس صف التراولة حيث كان المشهد رهيبا، احتراق الحجرات الاربع كلها، ومنزل المدير، ولم تسلم إلا مراحيض المؤسسة المبنية بالحجارة والتي قاومت ضراوة النيران. ذهبنا إلى دوار الصف المتضرر أيضا ووقفنا على احتراق عدد من المساحات الصغيرة الفلاحية، السكان لا زالوا مصدومين من هول الحريق الذي لم يروا مثله بالمنطقة، ويحملون مسؤولية انتشاره السريع إلى تلكؤ المسؤولين في القيام بالواجب في حينه. رغم حلول الظلام، أصر منظمو الزيارة الميدانية على إيصال المساعدات الغذائية إلى مدشر تيفر، حيث التقينا عددا من الاسر المتضررة، أجمعت شهاداتها على أنهم شاهدوا البدايات الاولى للحريق من أعلى الجبل منذ التاسعة صباحا، وأنه بسرعة قياسية التهمت النيران كل الغابة، ووصلت إلى سفح الجبل مما اضطرهم إلى الهروب بذويهم تاركين منازلهم تستسلم لألسنة النيران. يؤكد السيد اللنجري أحد مقدمي المنطقة أن الاسر المتضررة بجماعة تطفت، ناهز عددها 27 أسرة، وأن عددا منهم اضطروا لمغادرة المنطقة بمساعدة أبنائهم المتواجدين بمدن مجاورة، بعد أن لم يجدوا مؤوى بلتجؤون إليه، وأن الأسر المتبقية تفتقد لأدنى ضروريات العيش بعد أن ذهب الحريق بكل ما يملكون من أثاث، ومحاصيل زراعية ومواشي... خسائر فادحة بالجملة في وقت قياسي أكدت أغلب الشهادات التي استقيناها من عين المكان بأن الحرائق قد بدأت في حدود الساعة التاسعة صباحا، وابتدأت من مدشر العزيب الفوقاني بجماعة بوجديان، وبفعل هبوب الرياح وارتفاع درجة الحرارة امتدت بسرعة قياسية على مستوى العديد من الأراضي الفلاحية، لتصل إلى مدشر دلم الغميق، قاطعة عشرات الكيلومترات. وقد قامت اللجنة المحلية التابعة للمركز المغربي لحقوق الانسان بتسجيل خسائر الحريق في تقرير أعدته، ورد فيه بأن أهم الخسائر حسب ما عاينته لجنة التقصي : * تدمير المحاصيل الزراعية بأكملها على طول المساحات التي لحقها الحريق، من قمح وتبن، ومحاصيل البطاطس وغير ذلك... * تدمير صناديق تربية النحل : حوالي ثلاثة تعاونيات لمربي النحل ومنتجي العسل، * أكثر من ألف شجرة زيتون أحرقت بالكامل بفعل ألسنة اللهب، * تدمير العشرات من منازل المواطنين بشكل كلي أو جزئي، خاصة بمدشر صف التراولة، وعلى هامش مدشر دلم الغميق، قصور في مواجهة الحادث رغم وصول قوات الوقاية المدنية المبكر، معززة بقوات الدرك والقوات المساعدة لمكان الحريق ، إلا أن ذلك لم ينفع في الحد من انتشار النار وتفاقم المساحات المحروقة، لتبقى مجهودات الإطفاء شبه عاجزة أمام قوة وهول الحريق . ورغم تعزيز فريق الإطفاء بطائرتين والتحاق عدد من قوات الجيش في حدود منتصف النهار، إلا أن هذه التعزيزات لم تكن كافية للقضاء على الحريق الذي استمر في التهام كل ما يجد في طريقه. بعض مصادرنا من مصلحة المياه والغابات بإقليم العرائش أكدت على أن الحريق أتي على أزيد من 1000 هكتار في سرعة قياسية، و الاسباب ترجع للارتفاع المفرط لدرجة الحرارة، وعدم توفر مسالك كافية تعبر الغابة المنكوبة وتوفر غطاء نباتي يابس، وأنه لولا العناية الالهية لكانت الخسائر أفظع وأفدح. مبادرات جمعوية محمودة وكما تمت الاشارة في بداية التقرير، فإن زيارة المداشر المنكوبة تمت بتنسيق بين جمعيات محلية تشتغل بإقليم العرائش وهي عرائش العالم وقطار المستقبل ومتطوعون بلا حدود مع الانسان، وقد قام ممثلو هذه الجمعيات بمواساة الاسر المتضررة ومدها بكميات من الاطعمة وقنينات المياه، في انتظار تدخل الجهات الرسمية وقد أجمع السادة عبد الرحمن اللنجري عن عرائش العالم ويوسف الجباري عن قطار المستقبل وعبد اللطيف الكرطي عن متطوعون بلا حدود مع الانسان على ضرورة إغاثة المواطنين بشكل عاجل، من خلال توفير المياه الصالحة للشرب والطعام والخيام للمبيت والمأوى، وكذلك تحديد الخسائر الناجمة عن الحريق، وتعويض الاسر المتضررة، مع إرسال أطباء متخصصين لتفقد المنطقة خشية تفشي بعض الأمراض الناجمة عن نفوق عدد من الحيوانات التي كانت تعيش بالمنطقة. ماذا بعد التحقيق؟ وفي انتظار تشكيل لجنة مركزية للتحقيق في ملابسات الحريق، والكشف عن الاسباب، تبقى مسؤولية الحكومة قائمة من أجل الاستعداد المبكر لمواجهة مثل هذه الحرائق التي تكثر في فترة الصيف واتخاذ كافة التدابير والاجراءات من أجل رفع جاهزية رجال الوقاية المدنية وتدعيم أسطولها من أجل تحسين نجاعة التدخلات المقبلة في حال نشوب حريق آخر لا قدر الله.