هاجم إلياس العمري، العراب الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة، كاتب هذه السطور، واتهمه بأنه بيدق تحركه أياد أخرى، وأنه يمارس السياسة في جبة صحافي، وأنه وهابي. وتبرع العمري، الذي عاش دائماً في الظل، على الصحافيين بنصائح ذهبية حول شروط ممارسة مهنة الصحافي وأخلاقياتها، وشروط العمل السياسي ومقوماته، وفي مقدمتهما الوضوح والعلنية وتحمل المسؤولية. العمري غضب كل هذا الغضب من افتتاحية كتبت بمناسبة الذكرى الرابعة لتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة في هذه الجريدة، وفيها تذكير بملابسات تأسيس هذا الحزب، والدور الذي أوكلت له السلطة لعبه في الحقل الحزبي كنوع من إعادة انتشار ناعم للسلطوية في الحياة السياسية، والفشل الذي مني به مشروع حزب الدولة الجديد، باعتراف وإقرار قادته الذين انسحبوا منه، وعلى رأسهم مؤسسه فؤاد عالي الهمة، والذين مازالوا ينتظرون أن تنفخ فيه روح جديدة بعد هدوء عواصف الربيع العربي. ما كتبناه حقائق صارت معروفة اليوم حتى إن أحدا من خارج الحزب لم يعد يجادل فيها. بل أكثر من هذا، الحزب نفسه أقر بها عندما امتنع عن خوض الانتخابات التشريعية الأخيرة بكل قوته ونفوذه، وأوكل المهمة إلى حزب الأحرار، وإلى مجموعة الثمانية التي ولدت ميتة في محاولة للاختباء من رياح الربيع العربي، التي قضت على مشاريع أحزاب الدولة، وجنحت بها خارج المعادلات السياسية الجديدة. عوض أن يناقشنا السيد العمري بالحجة والبرهان حول خطأ هذا التحليل، وأن يقدم معطيات أخرى تروي لنا كيف نشأ البام من عدم، وكيف نجح بعد أشهر من تأسيسه في الفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية لسنة 2009، وكأنه حزب سري كان يشتغل في خلايا نائمة وبمجرد الاعتراف به قانونيا اكتسح الساحة الانتخابية، وكيف ارتبطت أسماء في الإدارة بعملية تسويق هذا الوافد الجديد ورعايته.. عوض أن ينتج السيد العمري أفكارا وتحاليل ومنطقا، جنح بخفة لسان وطيش عقل، ومزايدات مراهقي اليسار في السجالات الجامعية القديمة، إلى اتهام صحافي بأنه بيدق، وأنه يختبئ في جبة السياسي، وأنه وهابي، وهذه أول مرة أسمع بها هذا الاتهام، فإما أن السيد العمري لا يعرف معنى الوهابية ولا مدلولها، وهذا ما أرجحه لأن الرجل من كثرة تحركه من معسكر إلى آخر، ومن كثرة نطه من شجرة إلى أخرى، لم يعط لنفسه الفرصة للقراءة والتأمل في معنى الأشياء، وإما أن السيد العمري يمتلك جهازا أمنيا واستخباراتيا متطورا لكشف حقيقة المذاهب التي يعتنقها الأشخاص دون أن يعرفوا هم أنفسهم حقيقة ما يتبعون. لسنا من هواة الهرطقة والسفسطة الفارغة من أي مضمون فكري أو سياسي أو أخلاقي، ولهذا لا يعول السيد العمري علينا لمجاراته في هذه اللعبة التي لا تحترم ذكاء وعقل المواطن، ويتصور صاحبها أنه أذكى من الجميع، وأنه يستطيع اللعب على كل الحبال ثم يخرج سالما غانما في كل مرة. ولو كنا، يا سيد العمري، رضينا أن نلعب دور البيادق كما تقول -وأنت أول من يعرف هذه الحقيقة لأنك وقفت عليها أكثر من مرة وبالدليل والحجة وهذا موضوع سنرجع إليه فيما بعد- لما تعرضنا لكل المتاعب والمحاكمات والغرامات والتضييقات التي واجهتنا، ولا تزال، ولو كنا من الذين يبيعون أقلامهم لمن يدفع أكثر، أو ممن يركب موجة السلطة والنفوذ، لكنا في مواقع شبيهة بتلك التي تجلس فيها آنت الآن. لكن نحن من الذين اختاروا أن يعيشوا ويموتوا أحرارا دون تبعية لأحد.. يقولون كلمتهم ثم ينتشرون في أرض الله الواسعة دون أن ينتظروا منصبا ولا حظوة ولا دورا صغيرا أو كبيرا. الصحافة مهنة ورسالة.. وظيفة وأخلاق.. مهنية واستقلالية، وإذا لم نستطع أن نقول كل شيء عن أحوال البلد وتعقيدات السلطة فيها، فلا أقل من ألا نكتب الكذب والبهتان، وأن نحترم قراءنا، وألا نبيع لهم الوهم، وألا نجمل القبيح، ونصبغ السواد باللون الوردي. أنا لم آت بجديد في ما كتبت، منذ أن لاحت بوادر إنشاء هذا الحزب في 2007، وأنا أكتب آراء تعبر عن الاختلاف مع هذا التوجه في الحياة السياسية، وقد أظهرت تطورات الأحداث صحة هذا الرأي، ولكن هذا لم يمنعني كصحافي من تغطية أخبار الحزب بمهنية وتجرد، وفتح صفحات الجرائد التي كنت مسؤولا عنها لأصوات من هذا الحزب لتعبر عن رأيها، حتى إن قادة من العدالة والتنمية اتهمونا بالتحيز إلى هذا الحزب الذي لم يروا فيه أكثر من ظاهرة إعلامية ليس أكثر. وعوض أن يمتلك قادة البام الجرأة للدفاع عن اختياراتهم أو مراجعتها، يتهمون الآخرين بأنهم يخوضون حروبا بالوكالة عن آخرين. من هم هؤلاء الآخرون؟ لا جواب.. ربما العفاريت والشياطين. إذا كان السيد العمري شجاعا فلماذا لم يجرؤ على تسمية من نخوض الحرب بالوكالة عنهم ضد هذا الحزب العتيد الذي يقود فيه اليساريون المتقاعدون فلول الأعيان الذين كانوا، قبل البام، شعوبا وقبائل متفرقة على كل الأحزاب، فصاروا اليوم قبيلة واحدة، ورقما صعبا سيقف في وجه أي مشروع للتحول الديمقراطي.