ثمة نقاش حاد يتنامى في المواقع الاجتماعية وفي الندوات الثقافية والسياسية يصب في اتجاه إثارة السؤال حول طبيعة الحرب الإعلامية التي تقودها منابر بأكملها ضد حزب العدالة والتنمية، والتي تسعى إلى تشويه مبادراته الإصلاحية وتقزيم وتسفيه كل الخطوات السياسية التي يقوم بها، سواء في التدبير الحكومي، أو في العمل الحزبي، فيما بلغت الوقيعة بينه وبين الشركاء السياسيين حد الإيقاع بين رئيس الحكومة والقصر، بتقديم صورة مفادها المواجهة بين الطرفين... فخطأ الحزب الإسلامي وخطيئته أن دخل إلى معمعان السياسة بدون أداة إعلامية قوية، جعلته رهينةَ الموجود من المنابر الإعلامية، والتي يعاني بعضها من التحكم والاختراق من قبل نافذين، ويعاني البعض الآخر من التبعية أو الاختراق من قبل أجهزة المخابرات والإستعلامات، لتبقى أمام حزب العدالة والتنمية ثلة ثالثة من المنابر التي تحتفظ بالمهنية والموضوعية مرتكزا أساسيا في عملها، وهي محصورة ومحدودة، وتنحصر في صنف الصحافة المكتوبة. أخطاء مهنية، أم تفخيخ مقصود؟ التكذيب في الإعلام أقل تأثيرا من نشر الإشاعة، قاعدة من قواعد العمل الصحافي، وإن كان القانون يضمن حق تكذيب الخبر في إطار المهنية، في ضمان حقوق المنشور عنهم، فإنه لا يعني بالضرورة ضمان الحقوق بالتساوي بين الناشر والمتضرر من النشر، لذا وجب تجاوز مناقشة القانون إلى مناقشة أخلاقيات المهنة. ومثَار السؤال هنا، يكمن في طبيعة الأخبار التي يتم نشرها، ومدى تضرر حزب العدالة والتنمية منها، والعمل الحكومي عموما، وما إن كان ما ينشر يدخل في إطار الأخطاء المهنية أم في إطار فخاخ ينصبها بعض المنتمين إلى المهنة والمنتسبين إليها، والجواب المرجح دخولها في دائرة التفخيخ وما نزعت عنه براءة نقل الخبر، لتكرارها ولحملها صفات الحملة الإعلامية، والشاهد في هذه الفرضية من كثير، هو خبر "توبيخ الملك لحكومة عبد الإله بن كيران"، والتي استندت إلى "مصادر خاصة"، ونقلت عبارة الملك : "الوقت الذي يجب أن تبذلوه في العمل وإيجاد الحلول تضيعونه فشي تيحفر لشي"، فقامت بنسخها جل المنابر الإعلامية، ليتضح خلو الخبر من الصحة، وإعادة تركيب سيناريو الأحداث... وحتى وإن نزهنا بعض المنابر عن الافتراء، سيبقى السؤال محيرا حول من له المصلحة في تسميم الأجواء باستعمال سلاح الإعلام...؟ إعلام الحزب، والحزب في الإعلام لم يكن أمام حزب العدالة والتنمية، إبان مختلف الحروب التي قادها أمام الخصوم السياسيين، البادين منهم والأشباح، سوى الاستسلام للضربات الموجعة ومواجهتها بصدر عاري، وأحيانا ببعض من الخرجات المحدودة، إذ معضلة الحزب، كما سلفت، تكمن في عدم توفره على أداة إعلامية قوية وخاصة، تستطيع المنافحة عنه، ومدافعة المنابر المناوئة، وهو ما جعله فريسة سهلة المنال في أيدي الخصوم، فالصورة التي تُبَلَّغُ في إطار الاتصال الجماهيري، هي تلك التي يبلغها الإعلام، وتبقى الصورة المبلغ في إطار الاتصال المؤسساتي محدودة التأثير، بل تتأثر بالأولى وتخضع لقوتها... وبمقارنة بسيطة، بين حكومة الإسلاميين وحكومة التناوب، كانت هذه الأخيرة تتوفر على سرب من المنابر الإعلامية، تتوزعها منابر الحزب القوية حينها، والمنابر الحليفة، التي يمتلكها أو يمولها رجال أعمال وسياسيين مقربين من حزب الاتحاد الاشتراكي أو حلفائه، فكانت هذه المنابر أداة لتمرير الرسائل وتسويق القرارات والاجراءات التي تقوم بها الحكومة، ومع ذلك لم تستطع الصمود أمام الإشاعة التي يتحكم فيها المتنفذون ورجال الاستخبارات، وقوتها في اختراق الأحياء الشعبية.. التشكيك، التشويش، التشويه هذه الثلاثية لم ترد هنا بهذا الترتيب اعتباطا، فقد نهجت بعض وسائل الإعلام نفس الترتيب، وأمطرت الحكومة التي يقودها الإسلاميون بوابل من عبارات التشكيك قبل بدء عملها. صُنعت فيها الأخبار على المكاتب المغلقة، مشككة في نوايا الوافدين الجدد على التدبير الحكومي، وفي قدرتهم على إجراء الإصلاحات المنصوص عليها دستوريا، وبعد تعيينها انتقلت نفس المنابر إلى التشويش، وإجبار أعضاء الحكومة على الانشغال بردود الأفعال على ما يتم نشره، والذي يصعب عده وإحصاؤه لغزارته... وبعد عرقلة إيصال الصورة الفعلية للعمل الحكومي، تنتقل الأصوات الإعلامية ذاتها إلى مرحلة التشويه، وهي مرحلة قطع حبل الوصل بين حزب العدالة والتنمية وبين مؤيديه ومتعاطفيه من الشعب، وبالتالي زرع حقل واسع من الألغام أمام أية دعاية سياسية مقبلة... مجرد أسئلة يبدو المشهد محيرا، تتعالى الآلة الإعلامية، ويعود تحريك الشارع، و"يولد" مشروع حزب الأصالة والمعاصرة من جديد، وتُروجُ له نفس المنابر بطريقة محيرة، تجعلنا حيارى بين الترويج لبديل ثوري يشكل كاسحة ألغام متحكم فيها، لمصلحة بديل إداري يشكل أداة للتحكم في المشهد السياسي من جديد. إنني لا أدعو إلى إلقاء الورود في وجه حزب العدالة والتنمية، ولا أدعو إلى محاباة الحكومة، فالنقد أداة من أدواة البناء الديمقراطي، لكن ما تقوم به بعض منابر الإعلام مسيء لمهنة الصحافة، بنهجهها منهج الشيطنة الشاملة، وأخشى ممن يختبئ خلف هذه المعارك المُقامة بالوكالة، هل نعود إلى عهد لصوص المال العام، أم نتقدم نحو ثورة لا تبقي ولا تذر، لا يوجد شيء يشبه الوضوح في سماحته. عوض حرب إعلامية بلا أخلاق، شيء ما أشبه بحرب البسوس، لا غالب ولا مغلوب طيلة عقود من المعارك، ينتحر فيها الوطن. [email protected]