خلق رئيس الحكومة المعين عبد الإلة بنكيران تقليدا جديدا في التعامل مع وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية بأن جعل من كل المعلومات الخاصة بالتفاوض والمباحثات مع الأحزاب السياسية لتشكيل الحكومة الجديدة، أمرا متاحا لوسائل الإعلام. ولا يمر يوم من المفاوضات دون أن يكون هناك تصريح لرئيس الحكومة المعين يوضح فيه أهم القضايا التي تم الاتفاق حولها والتي استأثرت بالنقاشات السياسية بين الأحزاب التي ستشكل الائتلاف الحكومي المقبل. ولم يتردد رئيس الحكومة المعين في الإفصاح عن جوانب هامة من مفاوضاته بخصوص عدد الوزارات وكتابات الدولة التي قد تتشكل منها الحكومة المقبلة، وقبل ذلك النقاشات مع أحزاب ثلاثة حول مشاركة حزبه في تدبير الشأن العام خلال السنوات المقبلة، وهو ما اعتبر من قبل المهتمين بالمجال الإعلامي تميزا غير مسبوق، خاصة أن التجارب مع الوزراء الأولين السابقين لم تشهد مثل هده الكثافة في تقديم المعلومات لوسائل الإعلام ومن خلاله للرأي العام المغربي. وفسر يحيى اليحياوي مختص في مجال الإعلام والتواصل هذا التميز بكون "صفة التواصل إحدى مميزات شخصية عبد الإله بنكيران من حيث الرغبة في الالتقاء والتحاور ومحاولة وضع النقط على الحروف"، مشيرا إلى أن بنكيران معروف بهذه الخصلة التي تعكس مدى استشعاره لأهمية الإعلام في إيصال المعلومات بدون وساطة أخرى. وكانت المفاوضات حول تشكيل الحكومات في تجارب سابقة تتم بنوع من التكتم على مجرياتها مما كان يفتح المجال واسعا أمام الإشاعة أو تسريبات قد تضر بالسير العام للعملية التي لها أهميتها في تشكيل فريق سيدبر الشأن العام الوطني لسنوات. ولوحظ أن عامل الإشاعة هذه المرة كان ضعيفا مقارنة مع التجارب السابقة التي تسربت فيها عدة أخبار كانت محط تكذيب أو نفي من قبل المعنيين بها. وأشار الأستاذ اليحياوي إلى أن عبد الإله بنكيران يشكل "استثناء بالنسبة للوزراء الأولين السابقين مما كان يؤدي إلى فجوة بين الحكومة والمواطنين لدرجة أنه لا يعرف من يقرر ولفائدة من يتم اتخاذ القرار". ومن أهم مميزات الجانب التواصلي لعبد الإله بنكيران أنه يقدم بعد انتهاء كل لقاء أو تفاوض مع الأحزاب الثلاثة (الاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية) تصريحا حول ما تم تداوله من القضايا التي تهم التنسيق وترتيب الأوراق الخاصة بتشكيل الحكومة. والملاحظ أنه لا يقوم بنشر بلاغات كلما تعلق الأمر بهذه الترتيبات بل يحاول التعامل مع وسائل الإعلام الأجنبية والوطنية بشكل مباشر، وتمثلت خرجاته الإعلامية على الخصوص في عقد ندوة صحافية أولى تحدث فيها عن الاتصالات التي أجراها مع أطراف سياسية بعد فوزه في الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر الماضي وأهم المواقف التي يتبناها حزب العدالة والتنمية في ما يخص المرحلة المقبلة ومدى تطبيق مقتضيات البرنامج الحكومي لحزبه. كما عقد ندوة صحافية ثانية بعد المرحلة الثانية من المفاوضات حول تشكيل الحكومة الجديدة ثم لقاء مع عدد من وكالات الأنباء الأجنبية المعتمدة بالمغرب ووكالة المغرب العربي للأنباء. وفي هدا الصدد، حرص بنكيران على إعطاء الأولوية للإعلام الوطني بتخصيصه أول حوار بعد تعيينه للقناة "الأولى" استمر لأزيد من ساعة ونصف، أجاب فيه عن مختلف الأسئلة المتعلقة برؤية والتزامات الحزب في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتدبيرية، ومدى استعداد الحزب لتطبيق كل البنود المدرجة في برنامجه الانتخابي رغم الاكراهات والتحديات الاقتصادية والإدارية. يذكر أن رئيس الحكومة المعين كان مدير نشر أسبوعيتي "الإصلاح" و"الراية" ويومية "التجديد" الناطقة باسم حزب العدالة والتنمية. ويؤكد مقربون من عبد الإله بنكيران أنه يحبذ الاتصال المباشر مع المنابر الإعلامية وشرح مواقفه لها دون وساطة من أي شخص أو أن يكون هناك ناطق باسمه، ويتواصل مع أغلب المنابر الإعلامية خاصة الوطنية مهما كان خطها الإيديولوجي وموقفها السياسي. واعتبر رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة والنشر بالحزب الحبيب الشوباني، أن التواصل المكثف لرئيس الحكومة المعين مع وسائل الإعلام المختلفة يرجع إلى سبببن الأول يكمن في "شخصيته المتميزة بقدرة تواصلية عالية وبأسلوب الصراحة، سواء في علاقاته مع أعضاء الحزب ومؤسساته أو مع الرأي العام الوطني". كما أرجع القدرة الكبيرة لرئيس الحكومة المعين على التواصل مع وسائل الإعلام إلى ثقافة حزب العدالة والتنمية القائمة على أن "العمل السياسي الناجح هو العمل المرتبط بشكل كبير بالشعب وفي صلة دائمة معه من خلال جميع الوسائل والوسائط المتاحة". وأشار الشوباني، في هذا الصدد، إلى المبادرة التواصلية التي ينظمها فريق الحزب بمجلس النواب المعنونة ب"قافلة المصباح" المستهدفة للأقاليم والجهات، معبرا عن الثقة في أن "التواصل السياسي في المغرب سيعرف ثورة حقيقية مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى قيادة الحكومة". وأبرز الشوباني أن العديد من مقتضيات الدستور الجديد تنص على أن يكون ولوج الشعب المغربي للمعلومات ولوجا كاملا حتى يكون متابعا لتدبير الشأن العام الذي هو شأنه كشعب حر وكريم. من جانبه، عبر اليحياوي عن أمله في أن تكون هذه الخاصية سياسة عامة للحكومة المقبلة، معتبرا أن صفة الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن كانت ضمن هيكلة الحكومة المقبلة، فإنها لا تعفي رئيس هذه الأخيرة، من التواصل مع الجماهير والإعلام الوطني والأجنبي.