"" علاقة الأمير الوسيم بوالده حسب أغلب المقربين من دوائر العائلة الملكية والبلاط، ظل الأمير مولاي عبد الله، على امتداد حياته، قريبا جدا من والده الملك محمد الخامس، وبشهادة الجميع، كان الأمير مولاي عبد الله، الابن المدلل للملك محمد الخامس، بعد شقيقته الأميرة لالة أمينة، أصغر أبنائه وآخر "العنقود" كما يقال. كان الأمير مولاي عبد الله قريبا دائما من أبيه حتى في أصعب اللحظات وأحرجها، ومنها عندما بدت بشائر تطويق القصر الملكي بالرباط بالدبابات، بأمر من القائد الأعلى للجيش الملكي، لإرغام الملك محمد الخامس على تنحية عبد الله إبراهيم من على رأس الحكومة وقتئذ وإعفائه من مهامه. وقد سجل التاريخ استياء الأمير مولاي عبد الله، الكبير بخصوص محاولة احتجاز شي غيفارا، رئيس الوفد الكوبي، بفندق "باليما" بالرباط. حسب العالمين بباطن الأمور، كان الأمير مولاي عبد الله سند والده الملك محمد الخامس في لحظات العسرة وانكسار خاطره، سواء بسبب أقرب المقربين إليه أو البعيدين منه. الأمير الوسيم والحركة الوطنية ظلت علاقة الأمير مولاي عبد الله بالوطنيين المغاربة الأوفياء وقادة المقاومة وأعضاء جيش التحرير قائمة منذ البداية، وهذا بعلم والده الملك محمد الخامس، الذي كلفه، مرارا، بضمان التواصل مع بعضهم باسمه، كما كان يحمل إليهم رسائل الملك في أحلك الظروف التي مر منها المغرب، وقد قام بهذه المهام وهو في ريعان شبابه، وساعده على ذلك الابتعاد الظاهري عن أمور الحكم وأمور السياسة دون أن يثير فضول المخبرين وعيون الاستعمار الفرنسي المبثوثة بالقصر الملكي. وفي هذا الصدد يقر جملة من قادة المقاومة والفداء، أن الأمير مولاي عبد الله كان يزودهم بجملة من المعلومات المرتبطة بالسلطات الاستعمارية وعملائها، الشيء الذي ساعد الفدائيين على التخطيط لعدة عمليات كان لها التأثير العميق على الركح السياسي وساحة النضال والكفاح، كما كشف الأمير الوسيم لأقطاب الحركة الوطنية عن أسماء جملة من المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي وعملائه قصد اتخاذ جميع الاحتياطات بخصوصهم. بشهادة جملة من الوطنيين وأقطاب المقاومة أنفسهم، كان الأمير مولاي عبد الله يجتهد اجتهادا للتسلل من القصر الملكي بعد أن يتحين فرصة غفلة عيون الاستعمار ليتصل بالوطنيين ورجالات المقاومة واللقاء بهم لإبلاغهم برسالات شفوية واردة من والده الملك محمد الخامس. الأمير والعالم العربي تأكد خلاف الأخوين، الملك الحسن الثاني والأمير مولاي عبد الله بخصوص علاقات المغرب مع العالم العربي، لاسيما بعد أن اختلف الملك مع الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، عندما شرع في بناء مخابراته على النمط السوفياتي آنذاك. فمنذ أواسط السبعينيات إلى بداية الثمانينيات اعتمد الملك الحسن الثاني على أخيه الأمير مولاي عبد الله لتفعيل دعم العالم العربي لمواقف المغرب في جملة من القضايا، آنذاك كان الأمير يلعب دورا كبيرا في توطيد العلاقات بين المغرب والمشرق منذ 1963، حين عرفت البلاد أزمات سياسية واقتصادية قوية ما بين 1961 و1980، وفي هذا الصدد، ورغم أن الأمير كان بعيدا عن القضايا الأمنية والعسكرية، ساهم في إعداد ظروف بعث التجريدة المغربية إلى الجولان بسوريا وتجريدة أخرى إلى سيناء بمصر للمساهمة في الدفاع والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية، وهذه من المهام التي قام بها الأمير مولاي عبد الله في الظل. كما كلفه أخوه ببعض المهام في نطاق لجنة القدس التي كان يترأسها والتي أخذت على عاتقها إنقاذ مدينة القدس من مخططات التهويد. موقع الأمير مولاي عبد الله في العهد الحسني في المغرب ظل الأمراء يحظون بوضع خاص في عرف الدولة العلوية، اجتماعيا يحتلون مراكز تخول لهم امتيازات عامة وأخرى خاصة بالعائلة الملكية، واقتصاديا يمكنهم بسهولة احتكار قطاعات بكاملها، وموقعهم هذا، من الناحية الاجتماعية ومن الناحية الاقتصادية يمكنهم من نفوذ، قد يكبر أو يصغر، وهذا النفوذ هو الذي يموقعهم في دواليب وآليات صناعة القرار السياسي، وبالتالي يحدد مدى مساهمتهم في تدبير شؤون السلطة والحكم. وحالة الأمير الراحل مولاي عبد الله تحكمت فيها ظروف تاريخية خاصة وتوترات قوية عرفتها البلاد، إذ يبدو أن قوة شخصية الملك الحسن الثاني، منذ شبابه، قد ساهمت في حجب الأمير مولاي عبد الله رغم استمرار ظهوره بجانب والده الملك محمد الخامس وبجانب شقيقه الملك الحسن الثاني بعد اعتلائه عرش البلاد. فبعد الاستقلال سنة 1956 كلف الملك محمد الخامس ولي عهده الحسن الثاني آنذاك، بمهام سياسية وعسكرية جسيمة، فكان رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية وساهم بكثافة في تسيير الشؤون العامة للدولة بجانب والده الذي كلفه سنة 1960 بمهام، من المفروض أن تكون موكولة لرئيس الوزراء (الوزير الأول)، إذ اضطلع لفترة بمهمة وزير أول بعد عزل حكومة عبد الله إبراهيم، علما أن الملك الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك هو الذي فرض على والده تنحية عبد الله إبراهيم من على رأس الحكومة، ويقال إنه شرع في تطويق قصر الرباط بالدبابات لبلوغ هذه الغاية. ورغم استمرار ظهوره بجانب والده الملك محمد الخامس، لم يضطلع الأمير مولاي عبد الله بمهام جسيمة، إلا نادرا جدا وبصفة مؤقتة وبذلك ظل محجوبا، وبالتالي لم يكن لديه وزن سياسي آنذاك، واستمر الوضع على هذا الحال في عهد شقيقه الملك الحسن الثاني، ما عدا لماما بخصوص بعض المهام التمثيلية التي كلفه بها الملك بعد محاولة انقلاب الصخيرات الفاشلة في صيف 1972، عندما عينه ممثلا شخصيا له. عموما، سواء في عهد الملك محمد الخامس أو عهد الملك الحسن الثاني، لم يكن للأمير مولاي عبد الله وزن سياسي ظاهر للعيان. زوجة أوفقير صديقة والدة الأمير مولاي عبد الله حسب فاطمة الشنا، زوجة الجنرال محمد أوفقير، كانت والدة الأمير مولاي عبد الله من صديقاتها المقربات، لم تكن تفارقها على امتداد مدة ولوجها إلى القصر الملكي بعد أن سمح لها الملك محمد الخامس بالاقتراب من حريمه عندما تبنى ابنتها مليكة لمرافقة الأميرة لالة أمينة. وتحكي مليكة أوفقير.. بمناسبة الاحتفال بالذكرى 25 لعيد العرش في عهد الملك محمد الخامس، نظم القصر الملكي بالرباط حفلا ضخما استدعى إليه الأعيان والموظفين السامين والمقربين من دائرة البلاط، ومن ضمنهم مرافقي الملك وزوجاتهم. في هذا الإطار كان محمد أوفقير وزوجته فاطمة الشنا من المدعوين لهذا الحفل. آنذاك كان الملك محمد الخامس قد سمح لزوجة مرافقه، محمد أوفقير، بالاقتراب كثيرا من زوجاته وحريمه، ومنهم والدة الأمير مولاي عبد الله، التي أصبحت تفضل القرب منها، وبدأت تستدعيها يوميا وتشركها في حياتها الخاصة. كانت زوجة محمد أوفقير لا تفارق الحريم، آنذاك كانت نساء البلاط لا يفارقن فضاء القصر ولا يخرجن، وكانت فاطمة الشنا غالبا ما تنوب عنهن في اقتناء ملابسهن بمحلات العاصمة ومواد التجميل وتلبي طلباتهن المختلفة، كما تحكي لهن أجواء الحياة خارج أسوار القصر الملكي. مع مرور الوقت توطدت العلاقة بين فاطمة الشنا، وزوجتي الملك محمد الخامس، لالة عبلة "أم سميت سيدي" والدة ولي العهد آنذاك (الملك الحسن الثاني)، ولالة باهية والدة ابنة الملك المدللة، لالة أمينة المزدادة بالمنفى، بمدغشقر. لحظات حرجة بجانب الملك قضى الأمير مولاي عبد الله لحظات حرجة على متن البوينغ الملكية القادمة من باريس في صيف 1972، وهي تتعرض لهجمات طائرتي "ف 5" تحت أوامر الكومندار الكويرة في السماء وتعليمات الكولونيل أمقران ببرج المراقبة بالقاعدة الجوية بالقنيطرة. عندما دخلت الطائرة الملكية الأجواء الوطنية، وبالضبط فوق سماء مدينة تطوان، أحاطت بها طائرات ف 5 لمرافقتها إلى مطار الرباطسلا كالعادة، وقتئذ، كان الملك الحسن الثاني جالسا على مكتبه بالطائرة والأمير مولاي عبد الله واقفا على يساره يتحدثان في أمور مفرحة، وأحداث طرأت بالديار الفرنسية، وبمجرد وصول الطائرة، سماء شاطئ مولاي بوسلهام استهدفت طائرتي ف 5 البوينغ الملكية وشرعت في إطلاق النار عليها، آنذاك كان الشقيقان لايزالان يتحدثان، الملك جالس في مكتبه والأمير بجانبه الأيسر، اكتسح دخان الفضاء، وسقطت فوق رؤوسهما كمامات الهواء... قام الملك وهم بمغادرة مكتبه، آنذاك كان الأمير قد سقط من جراء رجة قوية، مسك الملك بيده وساعده على القيام أمرا إياه بالاستقرار على مقعد وتثبيت حزام السلامة، ثم اتجه إلى مقدمة الطائرة، لكن الأمير مولاي عبد الله مسك إحدى الكمامات الهوائية وهو ينادي شقيقه قائلا: "عليك بوضع الكمامة.. خذ الكمامة.." لم يلتفت الملك لما قاله الأمير فاتجه إلى مقصورة القيادة وانحنى على الطيار محمد القباج والطائرة متجهة بسرعة نحو الأسفل خارج تحكم الطيار. وبعد لحظة تمكن محمد القباج من التحكم فيها واستقر طيرانها، آنذاك اقترب الملك الحسن الثاني من أذن الطيار اليسرى ليقول له: "عليك إشاعة أنني أصبت إصابة خطيرة.. وأنك ستهبط الطائرة بالقاعدة الجوية". وهذا ما كان، وبفعل هذه الخدعة أنقذ الملك حياته وحياة شقيقه الأمير مولاي عبد الله. نصحني الأمير كيف أنمي دخلي الشهري عندما علم الملك محمد الخامس أن طبيبه "فرانسوا كليري"، أصبح بدون دخل قار ومضمون، قرر تعيينه بظهير كطبيبه الخاص، وطلب من الوزير الأول تسوية وضعيته الإدارية والمادية على ضوء هذه الصفة. وبعد انتظار تبين أن الراتب الذي خصصته له خزينة المملكة غير كاف، لذلك عملت بعض عناصر العائلة الملكية، وعلى رأسهم الأمير مولاي عبد الله ولالة عبلة، على مساعدته لتحسين دخله وتنمية ثرواته. من السبل التي استفاد منها الدكتور "كليري" بواسطة هؤلاء وعبرهم وبفضلهم، الاستفادة من عمولة مهمة يتسلمها من مزودي القصر الملكي والدولة المغربية بالسيارات وغيارها، وكانت هذه العمولة مرتبطة بكمية السيارات وأجزاء الغيار المسلمة وكما كانت مرتبطة بالتسهيلات المتعلقة بتخفيف الرسوم الجمركية أو الإعفاء منها. كما كان الدكتور "كليري" يستفيد، وبطريقة مسترسلة، من الأظرفة المالية التي دأب على توزيعها القائم على الشركة الشريفة للفوسفاط على أفراد العائلة الملكية والمقربين منهم، وقتئذ كان المدير العام لتلك الشركة، التي كانت تدير أهم ثروة طبيعية بالمملكة، يأتي أسبوعيا للقصر الملكي بالرباط ويوزع أظرفة تحوي مبالغ مالية على جميع أفراد العائلة الملكية والمقربين منهم، وعلى بعض الأشخاص حسب توصيات مسبقة، ومن ضمن هؤلاء، ظل اسم الدكتور "كليري" واردا لمدة طويلة ضمن لائحة المحظوظين الذين يتوصلون بأظرفتهم الأسبوعية. "شلة" الأمير الوسيم