تجتاز صحيفة لوموند الفرنسية التي تعد مرجعا في الصحافة المكتوبة أزمة مالية حادة بعد أن عرفت في الخريف والشتاء الماضيين أزمة إدارية لا مثيل لها، ولأول مرة في تاريخ الصحيفة التي تأسست في العام 1944، احتجبت عن الصدور امس بسبب مشاكل داخلية. وسبق للصحيفة المذكورة أن امتنعت عن الصدور مرة واحدة قبل 32 عاما ولكن لأسباب خارجية. وأمس، لم تصل الجريدة الى الأكشاك ومراكز البيع كما أن موقعها على الإنترنت بقي «صامتا» ايضا. "" وتعود الأزمة الراهنة الى قرار الإدارة تسريح 130 موظفا بينهم 85 صحافيا بعيدا عن قاعدة «الطوعية» التي كانت الصحيفة تعمل دوما بموجبها وبيع الشركات غير المربحة التابعة لها. وتتشكل مجموعة «لو موند» التي كبرت كثيرا في السنوات الخمس عشرة الماضية، الى جانب الصحيفة اليومية، من 18 منشورة متخصصة «تعليم، موسيقى، طوابع، دين، رقص وفنون....ومن العناوين الناجحة «كورييه أنترناسيونال (البريد الدولي)، كاييه دو سينما (دفاتر السينما)، تيليراما (دليل التلفزيون(. وأمس، تجمع موظفو المجموعة أمام مقر الصحيفة للإعراب عن رفضهم لخطة الإدارة في اليوم الأول من الإضراب الذي قررته الجمعية العامة للموظفين. وإذا لم تستمع الإدارة الى مطالب المضربين، فإن الإضراب يمكن أن يمدد يوم الأربعاء أي عقب اجتماع نقابة الموظفين مع الإدارة. ويتهم الموظفون الإدارة ببلورة مشروع ينص على بيع عدد من المنشورات وتسريح ربع العاملين في المؤسسة من غير تشاور مع ممثلي الصحافيين والإداريين والفنيين. وكانت الصحيفة «مضرب مثل» لجهة المناخ الاجتماعي السائد داخلها حيث مبدأ التشاور كان الغالب. ويمتلك الصحافيون العديد من الحقوق إن لجهة «الخط السياسي والتحريري» للصحيفة أو لجهة طرق الإدارة. وتتموضع الصحيفة سياسيا في يسار الوسط بينما صحيفة «لو فيغارو» تقع يمينا وصحيفة «ليبراسيون» تلتزم خطا يساريا. وما يميز مجموعة «لو موند» عن المجموعات الاخرى استقلاليتها عن المجموعات الصناعية التي وضعت يدها على غالبية الصحافة والإعلام الفرنسيين بكل فئاته. ويقول الخبراء إن هذه الصفة هي في الوقت عينه موقع القوة لدى المجموعة ولكنه في الوقت عينه مقتلها. وتريد الإدارة عبر خطة بيع بعض العناوين وتسريح 130 موظفا التخلص من العجز المزمن الذي تعاني منه والذي يعكسه تراجع مبيعاتها وتراجع وارداتها الإعلانية. وتقول الإدارة إنها تريد تحقيقي توفير قيمته 15 مليون يورو على عامين والوصول الى التوازن المالي عام 2009 على أن تحقق أرباحا في العام الذي يليه. وما أثار حفيظة الموظفين هو أن الإدارة لن تكتفي بتسريح الموظفين اختياريا بل إنها ستعمد الى فصل عدد منهم وفق برنامجها الذي كشفت عنه للمرة الأولى الأسبوع الماضي. وحتى الآن، تتمسك الإدارة ببرنامجها باعتباره السبيل الوحيد لخفض الخسائر والعودة لاحقا الى الربح. وسيعرف في الأيام القادمة ما إذا كانت مستعدة لإعادة النظر بخطتها وتلافي إضراب يكون من نتائجه زيادة مصاعب المجموعة المالية والإضرار بسمعتها.