بقدر ما لمست في مقال الأستاذ شركي صدقا في الخطاب ورغبة خالصة في الإصلاح والتزاما بآداب السجال والحوار بالتي هي أحسن، بقدر ما وجدت في مقال الأستاذ رمضان مصباح نوعا من الاستعلاء المستفز تجاه القراء وخاصة أنصار العدالة والتنمية ، تجاوز خطوط التحامل و خلط الأوراق ليصل أحيانا إلى القمع الفكري بإخراج ورقة الشهادة الجامعية. فقد جانب الحكمة في مقاله" العدالة والتنمية من الدعوة إلى تعطيل الدولة" على خلاف المقال المتميز له في قضية عبد الله نهاري و الغزيوي. فبعد أن استجمع قدراته الكلامية ومهاراته البيانية ، انبرى للرد على أنصار العدالة والتنمية بالقول الفصل، فجاءت أول جملة في مقاله مثل السيف في وجه كل ناقد له (واجب الوجود أو ممكن الوجود) ، أو محاولة عرضها على الدين، و قياسها بميزان الشرع، بدعوى أنه يملك أعلى شهادة من القرويين: "وفروا نقدكم فأنا من خريجي القرويين؛ وقد بلغت فيها أعلى شهادة, وقعها كبار علمائها" !!... وكأن شهادة القرويين كافية لتجعله فوق النقد والمراجعة، ناسيا حديث الإمام مالك رضي الله عنه (كل ابن آدم يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر) أي الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم. استهل السيد المفتش مقاله بهذا الوعيد: "لتعلم الكتائب الالكترونية لحزب العدالة والتنمية, وهي واجبة الوجود, أني لا أخدم بهذا المقال أجندة أحد".... وكأني به يريد الدخول إلى ساحة النقاش السياسي المفتوح ويحسمه بمقال واحد ثم يغلق الباب من ورائه، حتى لا تتسرب "كتائب العدالة والتنمية الإلكترونية" المزعجة، ويستفرد السيد رمضان بالساحة الإعلامية، معتدا بأساليبه البلاغية الوعرة المسالك والمنعرجات، متحصنا وراء لغة عالمة مستعصية على العوام أو على الكتائب الإلكترونية ... ومن الحكمة مخاطبة الناس بلغة يفهمونها، دون تكلف ولا تصنع. ثم طعن في نتائج الانتخابات التي بوأت حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى: "ولو أفرزته آليات المفاضلة, والمنازلة الحزبية,لأنهما لم يرقيا بعد-عندنا- ليمكنا من شهادة حسن السيرة المؤسسة على : الأهلية للاختيار ,التجرد من النوازع الشخصية, الإيثار على النفس ,النزاهة الشافية ,الجامعة والمانعة؛ وأخيرا الفناء الصوفي في حب الوطن؛بعد الله عز وجل". بعدها أورد حزمة من المثالب والنقائص التي سجلها على حزب العدالة والتنمية دون شرح ولا تفصيل، هكذا دفعة واحدة، و ربما تحليل أي نقطة وذكر حيثياتها وسياقها يمكن أن يُحولها إلى إنجازات ونقط قوة تحسب لحزب العدالة والتنمية، و نحن "الكتائب" مستعدون للرجوع إليها واحدة واحدة، وإن اقتضى الحال نقدم اعتذارنا كما فعلنا في قضية الإسرائيلي، وهي ثقافة جديدة أدخلها حزب العدالة والتنمية ويجب أن تستمر في مشهدنا السياسي. يقول السيد رمضان: "ابحثوا عن شروح أخرى لرفض الحزب الحاكم- بمن معه- للضريبة على الثروة. و ابحثوا ,أيضا, عن تفسيرات أخرى لارتفاع الأسعار ؛ما دام رئيس الحكومة أشهد عليه الوطن ,وبنيه ,بألا يكون سببا فيه ,وفي شح الأرزاق. وحاولوا ألا تصدقوا العقل , وما يعقل, حين يلغي رئيس الحكومة قرارا بتوظيف الدكاترة المعطلين ,مباشرة,ولا يلغي قرارات أكثر جورا ,بحجة أنها سارية قبل وصوله. وغدا حينما تهجر الجامعة ,لكلفتها العالية ابحثوا عن تفسير آخر عدا الغدر العدالي بالمجانية. لقد كان الريع كالثعلب الذي يظهر ويختفي ,واليوم صار أسدا في آجامها ,وهي لا تجم". إلى هنا كل شيء يمكن أن نقبله من الناحية الشرعية، ولو لم يلتزم صاحبنا بقواعد الحوار، لأن كل ما ورد في بداية المقال نقد و مساءلة ومحاسبة لحزب يتحمل مسؤولية تسيير شؤون البلاد في إطار إئتلاف حكومي. لكن ما لا يمكن السكوت عنه هو محاكمة النية والقصد عند المسلمين، بناء على القاعدة الفقهية التي غابت عن خريج القرويين وهي "نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر"، ولا أظنه يجهل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (أشققت على قلبه) لأسامة بن زيد الذي قتل مشركا في الحرب بعدما نطق بالشهادة. فكيف ينساق وراء مقولة استغلال الدين لأغراض سياسية والتي يرتكز عليها اليساريون والعلمانيون لضرب الحركة الإسلامية والتشكيك في صدقيتها؟ يقول: "... في حين ينفرد حزب العدالة والتنمية ,بالركون ,وبطمأنينة كبيرة, لدعوة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم. استغلال أناني لجهد نبي تحمل أمانة عجزت عنها السماوات والأرض والجبال. استغلال مزدوج: فهو, من جهة, موصل إلى الحكم بصفر من الجهد؛ و من جهة أخرى, محصن من الانتقاد لالتباس الأمر على الناس ؛أمر الدعوة والدولة". هكذا إذن يستغل حزب العدالة والتنمية الدين الإسلامي ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم بشكل أناني في نظر السيد مصباح، و هذا يعني في منطق الشرع "النفاق" الذي هو أشد من الكفر والعياذ بالله. فماذا لو كان أنصار هذا الحزب فعلا مجاهدون صادقون ، ملتزمون بما يقولون، ولا يستغلون الدين من أجل الدولة بل الدولة من أجل الدين والتمكين لشرع الله؟؟ مصداقا لقوله تعالى: "والذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة.." .... فهل السيد المفتش، خريج القرويين مستعد أن يتحمل وزر اتهام مليون مسلم بالنفاق لأنهم صوتوا على العدالة والتنمية وناصروه صدقا وليس نفاقا ولا استغلالا للدين؟؟ وما يؤكد هذا الاتهام هو الاستشهاد بكتاب أخينا زاوش بقوله: "لكل هذا ” الدلع” ثمن يدفعه المواطنون ,طبعا؛ وحتى أولائك الذين لم يميزوا بين الدولة والدعوة يوم التصويت؛اذ توهموا أنهم جند للثانية ,دون أن ينتبهوا إلى أن كتائب اليسار العدالي ؛كما يعبر الأستاذ زاوش,تريد بها الدول" متناسيا أن ما كتبه أخونا نور الذي جاء في سياق معين يعرفه كل الوجديين و الذي يؤكد فيه أن زعماء الحزب ومنهم أفتاتي يساريو المذهب والعقيدة وهم متسترون داخل حزب إسلامي ليصلوا إلى السلطة؟ وهذا صراع مؤلم وفتنة عاشها الحزب بوجدة، لا أريد شخصبا أن أخوض فيها، ولا أن أرجع إلى كتاب المرحوم فريد الأنصاري، فالله وحده عالم بنوايا كل واحد منا، نسأل الله المغفرة للأموات و الثبات للأحياء. ثم يختم السيد رمضان-غفر الله له- مقاله بتحليل غرائبي لحادث حضور شخص إسرائيلي في مؤتمر الحزب، مصورا القصة على أنها "دعم من إسرائيل" لهذا الحزب المخادع ولهؤلاء المتلاعبين بالدين: "وجاء الدعم للحزب من إسرائيل: شهادة مشروعية دولية ؛وحجة على براغماتية كل أصحاب الدعوة ؛حينما يرتقون الى تدبير الحكم داخليا ؛واللعب مع الكبار خارجيا. لكن لا بد من حمام بارد للقواعد التي لا تفرق بين الدولة والدعوة. انه خطأ عبد الرحمن بن خلدون ؛وليس خلدون فقط. قولوها هكذا. وهو خطأ وقع بفرنسا بعيدا عن الرئيس ,وبهاء باها. وقد جئنا به ,وهو فعلا أصفر فاقع لونه ؛لكن في ركابه أبو مشعل ؛ألا تلمحون المغزى؟ألا تقرون بالدهاء؟ لا مصلحة لمستشار رابين في خطاب المؤتمر ,ولا شخوصه ولا كواليسه ؛ ولا فائدة – عدا الدعائية-يجنيها الحزب من ضيف مزعج". كيف طاوعك قلمك يا أخي رمضان ونحن في شهر رمضان الكريم أن تتهم حزبا نقيا طاهرا عفيفا كل هذه التهم: نفاق ، دهاء، وتظاهر بالدين، عمالة لصالح إسرائيل، تهكم وسخرية...؟ أنسيت قول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، أنسيت حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى...)؟