تناسلت أسئلة كثيرة بعد هروب 9 أفراد خطيرين ينتمون إلى السلفية الجهادية من السجن المركزي بالقنيطرة في المغرب. فسجناء هذا التيار الإرهابي فرضوا قوانينهم على إدارة السجون، يسيرون أنفسهم بأنفسهم وفق نظام خاص بهم، حيث استطاع هؤلاء السجناء " غير العاديين " أن يبتعدوا عن أعين الإدارة. " في السجن، كنا نسير أنفسنا بأنفسنا، كل واحد فينا يقوم بعمل محدد، والجميع منضبط لقرارات هذه الإدارة الجماعية " يوضح سجين إسلامي سابق في سجن سلا . هذا السجين أمضى سنوات وراء القضبان في خلية " الرحا " الإرهابية. لكن كيف أقنع هؤلاء الإدارة وجعلوها تبتعد عن تدبير أمورهم؟ " جاء ذلك بعد نضال كبير، لقد واجهناهم بصرامة وكنا متأكدين أن الإدارة ستلبي كل مطالبنا " يضيف السجين السابق. "" داخل السجن، كل ما كان ينقص هذا الشخص هو حرية التنقل " كل ما يمكن أن تتخيله كنا نحصل عليه، ذقت في السجن كل الأطباق المغربية، فقد كانت العائلات التي تزورنا تأتينا بما لذ وطاب، وكنا نتقاسم هذا الأكل فيما بيننا، كما كنا نخصص أوقات للنقاش في أمور الدين، نقرأ الكتب ونناقشها ". واكد السجين أن بعض السجناء المشاهير كمنير الرماش، أحد بارونات المخدرات، رضخ لقوانينهم "في البداية، حاول أن يفرض قوانينه، لكنه لما علم أن عددا منا له سوابق في حمل السلاح وفي القتل ومحكوم عليه بأحكام طويلة الأمد، تراجع، ليقبل بالأمر الواقع، وقبل أن أغادر السجن، كان الرماش قد بدأ حفظ القرآن" دروس يقدمها أمثال حسن الكتاني، أحد أكبر مشايخ السلفية الجهادية في المغرب المحكوم عليه بعشرين سنة سجنا. سجين أصولي آخر بسجن عكاشة بالدار البيضاء، أوضح ل"إيلاف" أنهم كانوا يبتزون الإدارة كي تتركهم في حال سبيلهم "كنا نقدم رشاوى لبعض الموظفين، ونلجأ إلى تصويره بواسطة الهاتف النقال أو كاميرات رقمية، بعد ذلك نخبر هذا الموظف بقصة الرشوى المسجلة والمثبتة، وكنا نبتزه ونهدده بكشف الشريط إن هو حاول أن يتدخل في أمور نعتقد أنها خاصة. هذه السياسة أتت أكلها فأصبح الموظفون يبتعدون عن زنازننا". هذه الطريقة مكنت هؤلاء السجناء في القيام بأمور كثيرة منها القيام بتداريب يومية. تداريب كان يقوم بها أصوليون اكتسبوا خبرات قتالية من خلال مشاركاتهم في تداريب بأفغانستان أو في مناطق أخرى "لقد كان يدربنا بشكل مستمر ما نسميهم جينرالات القاعدة" يشرح عضو خلية "الرحا" المفرج عنه حديثا. هؤلاء الأصوليون الموزعون بين مجموعة من سجون المغرب، فرضوا أنفسهم ونظامهم، بل وتمكنوا من تحويل سجنهم إلى فرصة لتقوية خلاياهم الإرهابية، يملكون الوسائل التقنية من هواتف وكمبيوترات، ويطالعون بشكل مستمر كتب كبار زعماء السلفية. سجناء خمس نجوم بالإضافة إلى الأصوليين المحكومين بأحكام تصل إلى الإعدام، تتوفر فئة أخرى من المساجين تتمتع بامتيازات كثيرة، وهم كبار تجار المخدرات ورجالات الدولة المتابعين أو المحكوم عليهم في قضايا مختلفة، أمثال عبد العزيز إيزو، المدير السابق لأمن القصور الملكية وعبد المغيث السليماني، أحد المقربين من وزير الداخلية الأسبق الراحل إدريس البصري وبين الويدان، واحد من كبار تجار المخدرات وعبد العزيز العفورة، أحد كبار موظفي الدولة (محافظ سابق بالحي المحمدي عين السبع بالبيضاء) بالإضافة إلى مجموعة من مدراء المؤسسات الخاصة والعامة المحكوم عليهم في قضايا اختلاسات. هؤلاء جميعهم يعيشون في زنازن بخمسة نجوم، يملكون زنازن انفرادية، يتواصلون مع أهاليهم بشكل يومي، بعضهم يملك جهاز تلفزيون مع جهاز لاقط "أعرف أحدهم لا يتابع إلا القنوات التلفزيونية الفرنسية" يحكي حارس سجن سابق. هذا الحارس يوضح أن مبلغا ماليا بسيطا للحراس كاف كي يعيش السجين في بحبوحة نعيم "كل شيء يمكن أن تتخيله يمكن أن تقتنيه من السجن، تحتاج فقط للمال" يضيف الحارس، ثم يوضح "السجن في المغرب شبيه بكل سجون الدنيا، تنتشر فيه الرشوة ويغلب القوي فيه الضعيف". قانون الغاب هذا يستفيد منه في المقام الأول الأصوليون المغاربة، إذ استطاعوا أن يؤسسوا لما يشبه مملكة خاصة بهم يفرضون قوانينها ويسيرونها بعيدا عن تدخلات إدارة السجون.