في سبعينيات القرن الماضي سأل مدعو لحفل عقيقة- مازحا- صاحب الحفل ،وهو أحد ظرفاء عمالنا في المهجر؛ وقد أقامه مباشرة بعد عودته لقضاء عطلته السنوية: أراك كنت غائبا ؛وعائلتك هنا بالمدينة ؛فمن أين هذه العقيقة؟ أجاب المهاجر،بسعة صدر، مثيله في الظرف: ها أنت ترى ؛حينما نحضر نلد ؛وحينما نغيب تلد سراويلنا. حركة السراويل،اليوم،ما حكايتها؟ لا أراها جرأة على الدين ،كما يتوهم الكثيرون ؛ خصوصا ممن يقعقع لهم بالشنان ؛كما تقول العرب ؛أو كما تفعل حينما تريد استنهاض الإبل؛فتعمد الى القرب المثقوبة والجافة تضرب عليها وتصيح حاه حاه حاه ........ لم أسعد أبدا بجلاميد الصخور اللفظية، التي تقد من عقول تتوهم أن أمر الدين موكول اليها فقط ؛فتقذف ،بكل عجرفة وكبر،حمما تصيب كل من نوى- من الشباب- تركيب جملة ركيكة يناوش بها صرحا إلهيا عظيما ؛آخر اعجازاته البيان ؛وأول صرعاه فطاحل الخطباء و فحول الشعراء. فئة من الشباب ،مهما تنطعت بحكم سنها،تظل – بالفطرة والتنشئة الأسرية والمدرسية- مؤمنة لم تمارس حتى حق الشك التمهيدي المسموح به في القرآن الكريم ؛وقد مارسه بعض الأنبياء عليهم السلام. وهل يتململ "شهلان ذا الهضبات"، أو جبلنا طوبقال ،من حصاة بيد طفل ؛ما أن يلقيها في "وجههما" حتى ترتد عليه؟ الجرأة على الدين – بدون قصد– تحصل من هؤلاء الذين يتوهمون أنهم ،وحدهم، المنتصبون للذب عنه؛يستنفرون أرتال الألفاظ الضاربة ؛و دبابات البلاغة للانقضاض على جملة متلعثمة تخرج من بين شفتي طفل، لم تنسيا بعد لذة حليب الأم.ولم تتجاوزا المرحلة الفمية ،حسب تعبير التحليل النفسي . كل هذا البيان ،وكل هذه المحاجة والمتون تترى،بعضها يمسك بتلابيب البعض ،ولم ينتصب في مرابدهم أحد داعيا للمناظرة والمبارزة الفكرية . لقد ولى الزمن الجميل حينما كانت السرائر متروكة لعلام الغيوب ؛والظواهر مشاعة بين العلماء يتعاورونها ،فقها ،لغة،منطقا ،قلسفة ورياضة.... أكل هذا الفيض الالكتروني الوميضي، والمداد الجاري، ليشتهر البعض ،على حساب تلاميذ الابتدائي في حصتي المحادثة والإنشاء؟ إنها الصورة المضحكة لوحيد القرن، الذي يستفزه طائر طفيلي عالق بأنفه ،لمآرب له فيه؛ فينتفض واقفا ،منتصبا للهجوم ،بكل ما يختزنه جسده من قوة اندفاع ضارية.لكن أين الخصم؟ يسخر الطائر ؛يرفرف في موضعه،ثم يعود إلى ما كان فيه من متعة أنفية .تنزل السكينة من جديد على القلبين ،ويعم السلم، إلى أن يفعلها الطائر مرة أخرى:وخزة حادة بمنقار. انه لأمر معجب ،ومضحك، أن يجلس للعبث البريء شابان : يقول الأول: كم تدفع لي إذا جعلت الشيخ النهاري يرعد ويزبد ،حتى يرتج تحته المنبر،وتميد حوله أعمدة المسجد وثرياته؛والناس أمامه،في أنكاد،كلهم آذان ؛ وقد حمشتهم النخوة ،يكادون يستلون الصوارم لقطع رؤوس أينعت في الشاوية. يرد الثاني ،وهو يتحسس رقبته: أو أصبح لك كل هذا الباع ؛حتى تتواصل عن بعد ؛ مقعقعا للمشايخ وتابعيهم؟ يجيب الأول: تابع هسبريس وسيأتيك الخبر اليقين. يكمل الشيخ غوغل الحكاية؛ينتشر الخبر الآتي ليصل حتى الى جبال الهملايا وسور الصين العظيم: ظهر في مغرب الشمس شاب يقول بأنه سيناضل من أجل حرية السراويل؛وأنه لا يرى مانعا من شيوع هذه الحرية حتى بين الكواعب والمعصرات من نساء "كناش الحالة المدنية" الخاص به. وهلم لقواميس سباب لا أحفظ لها من المغاربة ؛دونها الحطيئة وجرير وكل هجائي العرب. وهلم لآيات بينات وأحاديث دكت الشرك، و بنت دينا لأمة،وأقامت حضارة ؛تنتضى للرد على ضرطة انفلتت من طفل في حضن أمه. لا تحقير لأحد لأن المقارنة بين صرح عظيم وقامة بشرية. وهلم لمتون فقهية ،أخلاقية،تلقى في وجه من لم يزد على أن يعبث ،مع خلانه الأحداث،عبث صيف. وحدث الهرج والمرج ؛والتفت الساق بالساق ؛وقارعت النصال النصال. يهاتف الغزيوي،المنحاش في بيته فزعا،صديقه : ما ظننت أن كل هذا سيحدث ؛قل لي هل تعرف معنى كلمة" ديوث"؛هل شرح لكم المعلم كلمة" رويبضة"؟ يرد الصديق: اليك عني ؛لقد أمرتني أمي ألا ألعب معك؛وقالت :انك "ما مربيش". واشتهر الغزيوي،وسار بذكره الركبان ؛بل وخطبت وده الفضائيات بكل حسناواتها ؛وصار أشهر شخص في العربان لا يطاوله حتى بن كيران. ثم انبرى الرميد ليجعل الحكاية جدية ،فيها سين وجيم ،وبزات سوداء وخضراء؛بكل هيبة القضاء. نهاية سعيدة- بغنيمة للصحفي والصحيفة ومديرهما- كنهايات أفلام زمان ؛خصوصا الهندية حيث يموت الساحر وتتحرر كل الممسوخات ؛حجرا وطيرا وخفافيش. ينهي الحدث الحكاية كلها بالقول: "سامحوني عمري ما نعاود". ألم أقل لكم إنهما طفلان يعبثان ؛ ولا فساد باطنيا يداخلهما. ألم أتضرع إلى الله أن يعز الإسلام بالفريق كله؟ ففيم الغضبة النهارية؟وأين بقيت " ألا فلا نامت أعين الجبناء" تخالطها وحاوح صدر يتألم ويتحسر؟ " اللي تسحر مع الدراري يصبح فاطر" ولم الهاء القضاء عن القضايا الحيوية للمواطنين ؟ غض الطرف انك من نمير: لا كعبا بلغت ولا كلابا انتبه جرير الشامخ في الهجاء ،والذي غلب سبعين شاعرا،الى خدعة شاعر صغير اسمه الراعي النميري ،أراد أن يشتهر بين العرب فهجاه،ولا عيب بينهما؛ طامعا ،فقط، في رد من جرير يرفع ذكره ، ولو هجاء؛لكنه جرير الخطير ؛لا يمكن أن يقعقع له راعي نمير. نحن اليوم نعيش مثل هذه الصور الكاريكاتيرية : فنانة صاعدة ،ترغب في فلاشات ،وفي أشرطة اخبارية بالمواقع الالكترونية ؛تنزل عليها الرؤيا ،كفلق الصبح،فترتمي في مزبلة . هل نسكت عنها حتى لا يعرفها غير الذباب أم نلبي رغبتها؟ تنتبه أخرى الى أن لديها حديقة سرية ،ولم ينازعها فيها أحد ،فتقرر أن تصرخ في الملأ ،متوهمة وجود طامع في فواكهها: انها " ديالي". انها لك ابتداء فلماذا تتحرشين بسراويل الشباب؟ هل نسكت عنها ،مطفئين الأضواء،حتى تضجر وحيدة ،كارهة لتفردها بصبابتها ،أم ننير أرجاء الحديقة حتى نستدعي غيرة أخريات يقلدنها في طقوسها ،بفهم وبدونه؟ و يكتشف أحد الفقهاء أن النوازل القديمة لم تعد تغري؛وأن فقه الوضوء والصلاة والزكاة غدا مشاعا بين الناس ؛ولم يعد أحد يتحدث عن الوقف والرهن والمزارعة وبيع الغرر ؛فما العمل؟ يجيبه المنادي :والسراويل أيها الفقيه الكسول ؛من يفتي في أمرها؟ من له الجرأة مثلك ليتحدث عن الموز والجزر وأخواتهما الحديديات ؛وكل ما لذ وطاب في الحديقة" ديالها"؟ لا أشهر من هذا الفقيه اليوم ؛ رغم أنه مجرد تلميذ في مدرسة الروض العاطر؛لكن من يقرأ عن سراويل زمان ؟ بل لا أشهر من المغاربة – شرقا وغربا- في اختراق الآفاق ؛صرنا كنار على علم وصارت كل المغربات مغرباتنا. كنا على الثغور قرونا وصيرنا ،من يقعقع لهم بالشنان، على ثغور البدع ؛تبدأ من شباب متنطع وعابث ليكمل شيوخنا البقية ؛دون حتى قبض ثمن الإشهار. ياله من منطق فاسد أن يوهم البعض منا العالم بأن بنك الأخلاق في المغرب أصابه الإفلاس لا لشيء الا ليفتح هو بنكا للفتوى ،ويتوج داعية وشيخا نحريرا نحارا.... في البدء كانت الآيات الشيطانية: عمل روائي رديء ،بكل المقاييس النقدية؛لكن آية الله الخميني اختار ،لمصلحة ثورية،أن يقراه قراء أخرى أسست لإهدار الدم الانجليزي. ثم دم الشيطان الأكبر في ما بعد ؛وصولا اليوم الى دماء الشعب السوري المسلم. اشتهر العمل الرديء ؛ثم تعاورته اللغات العالمية مترجمة فشاعت الرداءة ،حيثما تولي وجهك. اشتهر الكاتب ،واتخذ له التاج البريطاني حرسا ولا حرس الملكة. كاتب رديء ومفلس أشبعته "ثورة" الملالي شهرة ومالا. وهل هانت السيرة النبوية العطرة إلى هذا المستوى حتى نجعل العالم يعتقد أن بوسع أي كان أن يلغ فيها؟ ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين آذاه شعراء قريش الكافرة؟ لم يزد على أن استجاب لرغبة حسان بن ثابت وأضرابه- بعد الحاح منهم طويل- فتصدت القصيدة للقصيدة ؛وبقيت السيوف في غمدها للمكاره الكبرى. ثم كان- نتيجة للنهج النبوي الحكيم في الدعوة- أن أقبل أحد عتاة الشعراء الكفار،على الرسول مادحا وتائبا؛وقد صدق حيث قال: اني اقوم مقاما لو يقوم به أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل لأرعد الا أن يكون له من رسول الله من وتأويل ألا يعني لنا شيئا درس كعب بن زهير هذا؟ وهذا النهج النبوي في الصبر على الكفار ألم يعد له منظر اليوم؟ ومن الباب التي فتحها الخميني ، وليس سلمان رشدي، دخل الرسم الكاريكاتوري الدانماركي فقعقع بالريشة فقط لتنطلق الفتنة الكبرى التي تعلمون. رسوم في جريدة نكرة ،بلغة محلية ، تتخم شهرة وتصيرا مرجعا في حرب فكرية صليبية مقيتة. وتتلاحق الفخاخ الموقعة بنا ؛وندفع دفعا الى معارك لم نختر لها لا عدة ولا زمنا ولا ميدانا. ان الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول فمهلا مهلا ،وحذار من الفخاخ ؛وسيروا في الأرض لتعرفوا أن المغاربة لا يزالون على فقه المدينة؛ حينما تخلى عنه سكانها ليرتفعوا في أبراج تطاول السحاب. ان الخلل ليس في شبابنا بل في شيوخنا الباحثين عن الشهرة ؛وعن ظهائر للمشيخة تسمح بجلد الناس وقتلهم ،صبرا،ولو بشبهات فقط. [email protected] Ramdane3.ahlablog.com