وفيا لبلده الأصلي٬ يسعى الكاتب فؤاد العروي في روايته "عجوز الرياض" إلى استعادة شذرات من تاريخ المغرب٬ الذي لا يعرف حقائقه الكثير من الأجانب الذين يحلون به باحثين عن دفئ شمسه وملذات العيش فيه. بقلم معلم٬ وحبكة محترف حكي٬ يقدم العروي تاريخ المغرب٬ يزوره من جديد ملتقطا التمايزات الثقافية بين المغاربة والفرنسيين٬ في أفق تمرير رسالة حول ضرورة فهم الآخر٬ وتجاوز الأفكار النمطية والأحكام المسبقة. هي حكاية زوج باريسي٬ سيسيل وفرانسوا٬ يقرران الاستقرار بمراكش واقتناء رياض إسوة بنجوم وأثرياء العالم. الفرنسيان سيصدمان باكتشاف سيدة عجوز٬ تنزوي في غرفة بالمبنى الذي طالما حلما بامتلاكه. لا الوسيط العقاري حمودان ولا الضابط شعبان نجحا في طرد هذه العجوز التي تلزم الصمت. وحده الجار منصور٬ أستاذ جامعي٬ كان قادرا على كشف سرها. "هؤلاء النصارى جاؤوا ليعيدوا إلي ابني الطيب"٬ الذي اختطف خلال حرب الريف٬ تقول العجوز. كما في روايته "المرأة الأغنى في يوركشاير"٬ يراهن العروي على بنات حواء من أجل القيام باكتشافاته التاريخية٬ السوسيولوجية والأنثروبولوجية. كما لو أن المرأة٬ هذا الكيان الطافح بالأحاسيس والرغبات والطموحات اللامعبر عنها٬ أقدر من غيرها على رفع الستار عن الحقائق المنسية أو المطمورة. يبدأ الجزء الثاني من الرواية بسيرة اختفاء الطيب وتاريخ المغرب إبان الحماية. بأسلوب أنيق وسخرية رفيعة٬ يحرك العروي شخصياته بذكاء متجها بمغزى السرد نحو تبخيس الأحكام الجاهزة التي تحول دون التعايش والتقارب بين الثقافات. يقول فؤاد العروي٬ في لقاء حول الكتاب نظمه أصدقاء المقهى الأدبي وجمعية النهوض بالكتاب والقراءة٬ "إن الحضارات قابلة للتصالح وهي قريبة من بعضها البعض". يكفي الإنصات إلى الآخر لفهمه حسب العروي الذي يؤمن بأن النقد بالضحك والسخرية شديد الفعالية. السخرية تزعج أكثر من غيرها. تحفل الرواية بمقاطع ساخرة تفضح سوء الفهم الصارخ للثقافة المغربية. يقول فرانسوا لزوجته٬ وهو يحتفي بانتقال الأسرة إلى المغرب : "قريبا سنصبح مغاربة أكثر من بورقيبة". في مقطع آخر٬ يبدي الزوج الفرنسي جهلا بفرنسية الوسيط العقاري الذي يتحدث لغة فرنسية كلاسيكية٬ معتقدين بأنها أمازيغية. في الجزء الثالث٬ يتنبه فرانسوا وسيسيل إلى أنهما انتقلا إلى مكان ليس به فقط جمال ومراكشيون٬ بل تاريخ أيضا. فؤاد العروي من مواليد وجدة٬ تابع دراسته بثانوية ليوطي بالدار البيضاء قبل ولوج المدرسة الوطنية للقناطر والطرق بفرنسا. ويدرس العروي الاقتصاد والبيئة بجامعة أمستردام. وقد نشر عدة روايات ومجموعات قصصية من بينها "يوم لم تزوج مليكة" و"المهبول" وعام عند الفرنسيين".