في كل تاريخ الباكالوريا المغربية لم يحصل تلميذ على معدل 19,28، حتى حصل عليها أنور عبادي، التلميذ الزموري الساكن بزاوية سيدي إسماعيل في إقليمالجديدة، والذي لم تطأ قدمه أبدا مدرسة خاصة، ولا استثمرت عائلته درهما واحدا في دروس الدعم والتقوية، فهو لم يحقق هذا الإنجاز فقط له ولعائلته، بل كذلك للمدرسة العمومية التي اعتقدت العديد من العائلات المغربية بأنها أفلست منذ زمن. أنور عبادي كان قد حصل على معدل 19 كذلك في السنة الأولى باكالوريا، إلا أن القليلين من علموا بذلك، لتتأجل "شهرته" حتى السنة الثانية من البكالوريا، التي توجته بطلا للتعليم العمومي في شعبة صعبة، قلما ينجح فيها التلاميذ وهي العلوم الرياضية. أنور من مواليد 31 ماس 1994، ينتسب إلى عائلة متواضعة ماديا، فالأب سائق شاحنة يعمل أحيانا وأحيانا أخرى لا يعمل، والأم ربة بيت لم تدخل المدرسة يوما، وأنور هو الأوسط بين 5 إخوة، أخوه الأكبر توقف عن الدراسة مبكرا، وكذلك أخته الكبرى التي فضلت الزواج على الدراسة، فكان أنور المثال المضيء لأخويه اللذين يصغرانه. وتعد الدراسة أهم شيء يشغل بال أنور، ولعل الغريب أنه لم يتلق دروسا خصوصية في مادة صعبة للغاية، فكان عندما تتعقد عليه بعض الأمور، يلجأ إلى أستاذ ما له بالثانوية، يسأل مشورته بسرعة، ليقفل عائدا إلى مراجعته، بل كثيرا ما كان أنور يلعب دور الأستاذ لزملائه في الفصل، يشرح لهم كل ما لا يفهمونه، ويشاركهم خبرته في حل المسائل الرياضية المعقدة. حلم أنور كان هو الدراسة بالخارج، غير أن هذا الحلم تبخر مؤقتا، فقد أجابته الأكاديمية بأنه من المستحيل عليه أن يسجل نفسه هذه السنة في مؤسسة جامعية بالخارج نظرا لانتهاء أجل التسجيل، ليحول وجهة حلمه نحو الرباط، حيث طلب من الأكاديمية أن يدرس بالأقسام التحضيرية، وهو ما وافقت عليه الأكاديمية. وزير التعليم العالي لحسن الداودي استقبل أخيرا هذا التلميذ المتفوق، كما قدموا له في الحفل حاسوبا محمولا وجائزة مالية قدرها 20 ألف درهم، ليقفل عائدا لمدينته الصغيرة، وهو الذي كان يمني النفس أن تتدخل الدولة لمساعدته في تحقيق حلم الدراسة بالخارج، لأنه ببساطة أنقذ ماء وجه التعليم العمومي في بلد يحتل المراتب الأخيرة عالميا في هذا الميدان الحساس. ورغم لحيته الظاهرة، لا ينتمي أنور لأي حزب أو جماعة إسلامية كما اعتقد الكثير من الناس، وليس له اهتمام بالسياسة، ففي أوقات فراغه يلعب كرة القدم مع أصدقائه، وأحيانا كان يتوجه إلى مقهى انترنت مجاور لاستخلاص بعض الدروس، فالمستوى المادي لعائلته لم يكن يمكنه من اقتناء حاسوب شخصي ولا حتى هاتف نقال. الأغلبية هنأت أنور على إنجازه، غير أن هناك من هنأه بتحفظ مبررا ذلك بأن النقاط العالية صارت من سمات البكالوريا في السنوات الأخيرة، كما أن تلميذة تدرس في التعليم الخصوصي بمدينة الرباط حصلت هي الأخرى على نفس المعدل، لكن الفرق أنها حصلت عليه فقط في الامتحان الوطني، بينما أنور حصل عليه كنقطة إجمالية جمعت بين الامتحان الجهوي والمراقبة المستمرة والامتحان الوطني.