كانت الملابس ترمز في ما مضى إلى الانتساب الاجتماعي والانتماء الحضاري للشخص الذي يرتديها، ولكنها اليوم صارت وسيلة للتعبير عن الذات والشخصية، خاصة لدى الشباب الذي أضحى يطور ذائقته في اللباس والأزياء والموضة لحاجات وأسباب نفسية واجتماعية. ويتفاوت تعامل الشباب المغربي مع الموضة "الغريبة" في اللباس التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة، فهناك من صار لديه إتباع هذه الموضة بمثابة هوس حقيقي يعيشه كل يوم، وهناك من يعتبرها أمرا عاديا يتبع تطور الزمان، في حين أن آخرين يرونها تقليدا أعمى وتفسخا للهوية المحافظة للمجتمع. سراويل متدلية وأخرى ممزقة وانتشرت التقليعات الشبابية الغريبة في اللباس، أو في طريقة تصفيف الشعر في المجتمع المغربي، بشكل مثير للانتباه خاصة منذ بداية الألفية الثالثة، لأسباب نفسية وتربوية واجتماعية، الوضع الذي جعل المجتمع ينقسم بخصوص تقييمها وردود الفعل إزاءها. ومن ملابس الموضة التي عرفت انتشارا بين الشباب المغربي على نطاق واسع، سراويل "الجينز" اللاصق على الجسد، والتي تظهر بنية الجزء الأسفل من جسد الشاب أو حتى الفتاة التي ترتديه، وقمصان "ميني فونتر" النسائية التي تكشف جزء بارزا من بطن الفتاة، بالإضافة إلى سراويل جديدة لكنها ممزقة عند مستوى الركبة أو في الخلف أيضا. لكن تظل السراويل المتدلية عن الخصر،"طاي باص"، هي الأكثر انتشارا بين المراهقين ومحبي موضة الأزياء الغريبة، فضلا عن قمصان فوقية تحمل شعارات غير مألوفة أو رسوما مخيفة، مثل جماجم الموتى أو عبارات صادمة، وأخرى فيها سب وشتم تخل بالحياء العام، وأيضا ألبسة ترتديها بعض الفتيات تحمل رسوما لقبلات حارة، أو عبارات من قبيل "أعطني قبلة"، وغير ذلك. والمثير في كل هذا أن الشباب الذي يرتديها لا يجد حرجا في ذلك، معتبرا أنها "موضة" مثل كل الموضات التي تتناسل مثل الفِطَر في مجتمع مغربي مفتوح على الغرب بحكم موقعه الجغرافي القريب جدا من أوروبا، والعدد الهائل للمغاربة الذين يعملون في الدول الغربية ويعودون إلى المغرب كل صيف تقريبا، محملين بآراء وتصورات وقيم من بلاد المهجر، قد تكون مختلفة عن قيم البلاد الأم. موضة ووسيلة احتجاج "عدنان" شاب تجاوز العشرين من عمره يرى أن ارتداءه لملابس الموضة تعطيه تميزا وسط رفقائه من الشباب، وهذا التميز يجعله مثار اهتمام سواء لدى أصدقائه، أو لدى الفتيات اللواتي في نفس سنه بغية ربط علاقات عاطفية معهن. ولا يرى عدنان أنه يسيء بملابسه الغريبة التي يرتديها لذوق المجتمع، معتبرا أنه يقوم بشيء يخصه ويندرج ضمن حريته الشخصية التي لا يضايق بها أحدا ولا يؤذي غيره، وبالتالي فلا يحق حسب رأيه للمجتمع أن يحاكمه أو ينتقد لباسه لأنه مجرد "موضة" ستموت وتأتي موضة أخرى، فلا داعي لتهويل الموضوع" على حد تعبيره. أما "سيمو"، لقب شاب آخر في الثامنة عشر من عمره، فهو يجد أن لباسه الغريب " عادي" بالنسبة له ولمجموعته التي ينتمي إليها، حيث يلبس "سيمو" قمصانا فوقية سوداء اللون في الغالب وعليها رسوم جماجم بشرية وعلامات الخطر، وهي أمور أعدها هذا الشاب بنفسه بتعاون مع جماعته، لكونهم يحرصون على التميز عن باقي الشباب سواء من خلال لباسهم وقمصانهم وسراويلهم الممزقة، أو طقوسهم الغريبة وموسيقاهم العنيفة. الرجولة مهددة؟ وتختلف الآراء إزاء هذه التقليعات الغريبة في لباس بعض الشباب، فمنهم من يراها موضة تميز فئة عمرية سرعان ما تزول وتذهب إلى غير رجعة، ومنهم من يرى ذلك قلة ذوق وتربية، وأيضا فراغا مهولا يعاني منه الشباب المغربي. بشرى، أم لطفلين، تجد في هذا النوع من اللباس اختلالا في القيم والسلوكيات الدينية والتربوية عند كثير من المراهقين والشباب المغربي؛ باعتبار أن ما يلبسونه من تقليعات غريبة هي في مجملها "مستوردة" من المجتمعات الغربية من خلال التقليد الأعمى لتصرفات وأزياء الشباب هناك. وتضيف بشرى أن للأسرة دور كبير في هذا الانحلال بخصوص ذوق أبنائها في مسألة اللباس، لأنه لو كانت هناك مراقبة ورعاية ومتابعة لما يفعله هؤلاء الأولاد، لَما تم جرفهم إلى هذا المستوى الرديء من ارتداء ملابس غريبة عن قيم وهوية مجتمع عربي ومسلم مثل المغرب. وينتقد الحاج المعطي، أب لستة أبناء، هذه الملابس الغريبة لبعض الشباب، ويقول إنه أحيانا لا يكاد يفرق بين الفتى والفتاة من حيث المظهر الخارجي بسبب تشابه اللباس الغريب الذي يرتدونه معا، مما يهدد معاني "الرجولة" الحقيقة بالنسبة له. وتساءل: هل بإمكان العرب أن يتقدموا ويتغلبوا على أعدائهم بهذا النوع من الشباب الذي جُل هَمه في كيفية لباسه، وماذا يلبس، وفي الموضة الغريبة التي صار مهووسا بها صباح مساء. غير أن أبا آخر لا يرى أن يتم تحميل موضوع اللباس الغريب لدى الشباب المغربي كل هذا المحمل الكبير، لأنه مجرد "موضة" عابرة يمارسها الشباب صغار السن، لكن سرعان ما يبتعدون عنها حين تقدمهم في السن، والدليل أنه نادرا ما يوجد رجال في سن الأربعين أو الخمسين وهم يرتدون تلك التقليعات، وقد يكونون لبسوها في السنوات الأولى من مراهقتهم وشبابهم. دليل إفلاس تربوي واعتبر الباحث النفسي والتربوي محمد الصدوقي أن مسألة ثقافة التقليعات أو الموضات ارتبطت تاريخيا خاصة بنمط المجتمع الرأسمالي الغربي كوسيلة إستيلابية واستهلاكية لصنع الفرد المهووس باستهلاك الجديد ونبذ القديم، وذلك لكي لا تتوقف المعامل ودورة التسويق عن مضاعفة المنتجات إلى ما لا نهاية. وأكد الصدوقي بأنه يمكن تفسير هذه الطقوس والتقليعات الغريبة التي يمارسها شبابنا الحالي على المستوى النفسي بكون الخصوصية المرحلة العمرية التي يمر بها (المراهقة خاصة)، تفضي إلى ميل الشباب إلى التميز ولفت أنظار الآخرين، وإبراز ذاته وحب الظهور، والتمرد على العادي والسائد.. وأردف الصدوقي عاملا نفسيا ثانيا يتمثل في عدم النضج العاطفي والعقلي المتين الذي يجعل الشباب سريع وسهل التأثر بكل الاختراقات الاستهلاكية الغربية والغريبة عن مجتمعه، والانقياد وراء تقليعات جماعية معينة. ولفت المتحدث إلى أن الصورة الذهنية السائدة وسط كثير من الشباب تتمثل في كون الغرب هو النموذج الحضاري المثالي الذي يجب الاقتداء به، والتماهي به لتحقيق نرجسية وقيمة الذات وسط الجماعة، وهكذا يقلد شبابنا شباب البلدان الأروبية في الأمور السلبية والغريبة فقط للأسف، بحسب المتحدث. وأوضح الباحث بأن ارتباط شبابنا بتقليعات كهذه مؤشر على غياب نماذج تربوية إيجابية وبديلة داخل مجتمعاتنا، ودليل على إفلاس جلي وعدم نجاعة مؤسساتنا التربوية في تأطير شبابنا حسب نماذجنا ومرجعياتنا القيمية والثقافية..