لم تعد هناك فقط مواسم للهجرة نحو الشمال أو الجنوب، وإنما ظهر موسم ممتد للهجرة مؤخرا بغير أن يستدعي من جسد الإنسان التحرك، فقط نقرات على لوحة مفاتيح الحاسوب، أو حتى استخدام تطبيق على الهاتف النقال، للانتقال إلى الفايسبوك..الإمبراطورية الإلكترونية التي وصلت تعداد ساكنيها إلى 800 مليون وتتجاوز قاطني الولاياتالمتحدةالأمريكية في انتظار تجاوز تعداد الصّينيّين. الهجرة نحو الفايسبوك لا تستهوي الباحثين عن الترفيه فقط، بل تمتد إلى العديدين من بينهم باحثون عن تغيير الأوضاع السياسية، خصوصا وأنّ التجربة نجحت مع وائل غنيم وشباب 6 أبريل في مصر الذين استطاعوا حشد الخارجين للشارع ضد نظام حسني مبارك الذي انسحب أمام الأمواج البشريّة القادمة من الفايسبوك.. وكذلك انطلقت ثورة السوريّين واليمنيّين أمام تحرّك مغربيّ في ذات المسعى ببروز تناسل لصفحات ومجموعات سيَاسيّة. ما هي أهم الصفحات السياسية التي ظهرت في عزّ حراك ال20 فبراير؟ هل تريد تغييرا سياسيا بسقف معين؟ من يسيّرها؟ وهل لهم انتماءات إيديولوجيّة معيّنة؟ وهل حقّقت هذه الصفحات الفايسبوكيّة مبتغاها؟.. هي رحلة إلكترونيّة تأخذكم ضمنها هسبريس في عمق "الفايسبوك السيّاسيّ". البداية..أسامة الخليفي وسعيد بنجبلي يخلقان الحدث خلال الأسابيع الأخيرة من يناير العام 2011، برزت على الفايسبوك مجموعة "حركة حرية وديمقراطية الآن" تدعو لاحتجاج قوي يوم ال 20 من فبراير ضد الأوضاع السياسية بالمغرب، وقد خلقت المبادرة الحدث بعد صدور تسجيل سمعي بصري لواحد من أعضائها، وهو أسامة الخليفي، يتلو بيان المجموعة المطالبة بملكية برلمانية. وكانت هذه المجموعة الفايسبوكيّة الصوت المغربي الأول الذي انطلق بالعالم الافتراضيّ على ذات خطوات تونس ومصر وليبيا، لتخرج بعدها مجموعة من المبادرات المماثلة الأخرى، خاصة "الصفحة الرسمية" لحركة 20 فبراير التي أسسها سعيد بنجبلي. ويرى بنجبلي أن الصفحة التي افتتحها "أثبتت تميزها بسرعة خاصة بعد وصولها لحوالي 30 ألف معجب في الأيام الأولى، و70 ألف معجب حاليا"، غير أن خلافا طرأ بينه وبين نجيب شوقي، أحد أبرز رموز الحراك الشبابي المغربي فيما بعد، أثر على الصفحة التي غدت وسيلة للدعاية لمواقع إخبارية. بحلول أبريل 2011 ارتفع بشكل كبير عدد الصفحات العانية بالحراك المغربي على الفايسبوك، وإلى جوار ذلك برزت صفحات ومجموعات مناوئة للفبرايريّين وأخرى حاملة لمسمّيات "راديكاليّة" بينها مجموعة "الملك الأخير".. ما أفرز تشتيتا لانتباهات متلقّي هذه المضامين الرقميّة الفايسبوكيّة وقلّص نمو عدد المعجبين بالصفحة الأصليّة. شبكة رصد المغربية.. البنت الشرعية لشبكة رصد المصرية كان لشبكة رصد المصرية دور كبير في تغطية أخبار الثورة المصريّة، خاصة وأنها نشأت على يد شباب لهم تكوين إعلامي قبيل انطلاق الحراك ضدّ نظام حسني مبارك.. وقد تمّ السعي من ورائها إلى خلق صحافة معتمدة على شبكات التواصل الاجتماعيّة زيادة على ما حققته من ثقة المتتبّعين في أخبارها، ومن بينها قنوات تلفزيّة عالميّة. شبكة رصد المغربية انطلقت بعد يوم ال 20 فبراير 2011، واستطاعت أن تنال إعجاب المئات من رواد الفايسبوك بالمغرب والعالم العربي في ظرف قصير.. التأسيس كان من شخص واحد قبل أن ينضم إليه 5 شباب آخرين ومراسلون، وقد تكلفت الصفحة بنشر الأخبار العاجلة التي كانت في أغلبها حقيقية، كما ضمّت مقالات الرأي وكتابات عن ضرورة التغيير بالمغرب، "هي صفحة إخبارية لكسر التعتيم الإعلامي ونشر أخبار الحراك ودعمه" يقول عبدو.. وهوأحد مسيري رصد المغربيّة الذي نفى أن يكون تعليق إدارة الصفحة مصاحبا للخبر رغم كون هذه الخطوة، في رأي مطلعين على رصد المغربيّة، هي التي جعلت عدد المعجبين بها لا يتخطّى الحين ال65 ألفا. ثوار المغرب: شعارات راديكالية لأقصى درجة ظهرت هذه الصفحة قبل 7 أشهر تقريبا، وهي التي غيرت علم المملكة المغربية بعبارة "الله أكبر" بدل النجمة الخماسية، ويمكن التأريخ لها بخروج جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير.. ورغم محاولة المشرفين على الصفحة التأكيد على عدم ارتباطهم ب "الجماعة"، إلا أن المحتوى المتعاطف مع تنظيم عبد السلام ياسين يقر بوجود صلة ما بين "ثوار المغرب" والعدليّين.. حتّى أن المطالب غير محدّدة على هذا الحيز الفايسبوكي الذي ينحو نحو "الجماعة" في تعتيم مسعاها ضمن الحراك حينها بذات المبرر "نحن مع ما يريد الشعب". الصفحة التي وصلت لحوالي 32 ألف معجب لا تكتفي بنشر الأخبار ومقالات الرأي بل تدرج آراء المسيرين لها بشكل معارض للحكومة والملكية، كما أن ذات نقاشها يمزج بين السياسي والديني والأخلاقيّ.. وقد طالب مدير الصفحة، من خلال دردشة معه، بمشاركة الميثاق السياسي الذي دعت إليه العدل والإحسان مع مختلف الفصائل المعارضة بالمغرب من تنظيمات وأفراد، وذلك باعتباره "يمثل الخيط الموحد لجميع فصائل المعارضة الراديكالية بالبلاد". تقشاب سياسي: انتقاد بصيغة السخرية هي صفحة فايسبوكيّة حديثة تأثرت بشخصية "بوزبال" الكوميدية لتصنع لها أيقونة "سي قشوب" الذي يعلق على صور لتشكيلة الائتلاف الحكومي وعدد من مسيري الشأن السياسي بالمغرب.. وقد حاولت هذه الصفحة إبداء نقدها الخاص عبر الفايسبوك وبطريقة قربت إليها الكثير من الفايسبوكيّين المغاربة. خرجت صفحة تقشاب سياسي للوجود يوم 10 فبراير 2012، يسيرها شابان كانا من بين رموز الحراك الشعبي والشبابي بالمغرب، يمتلكان تكوينا سياسيا يظهر ببصمتهما على المضمون المنشور وبتركيز على بنكيران.. المعجبون بالصفحة هم الآن 18 ألفا ويرتقب ارتفاع هذا العدد بفعل نشر النقد والنصائح والآراء. صرخة الشعب المغربي.. تجمع للساخطين.. بدأت "صرخة الشعب المغربي" بالمجموعة التي تحولت بسرعة إلى أكبر مجموعة فايسبوكية مغربية جمعت عددا من مسيري مجموعات صغيرة، وقد ظهرت إبان انطلاق الحراك وأتاحت للجميع إمكانية النشر لتغدو بؤرة للتعبير دون قيود.. وإن كان هذا المعطى مشكلا لقوّتها فإنّه أضحى بعدها مكمن انتقاد بعد بروز آراء راديكاليّة من متخفين وراء أسماء مستعارة. صفحة "صرخة الشعب المغربي" تضم حاليا 106 ألاف فايسبوكيّ وفايسبوكيّة لتصير أكبر صفحة تنادي بالتغيير السياسي في المغرب، ورغما عن وجود بعض الشعارات التي تربط بينها وبين صفحة "ثوار المغرب"، إلا أنّها لم تتخلَّ عن دعم حركة 20 فبراير زيادة على ضمّها فريق عمل به شخصيات معارضة معروفة. ورغم المفروض من توجّه ذات الصفحة أن تتقاطع وبقيّة الصفحات الفايسبوكيّة المماثلة، إلاّ أنّ " صرخة الشعب المغربي" هي الوحيدة التي تضع "شعارا جديدا" للمملكة يعبّر عنه واضعوه ب "الله – الوطن - الشعب"، فيما تميزت في أوج الحراك بخروج بعض المنتمين إليها ضمن مسيرات الفبرايريّين بلافتات دالّة على الصفحة.. فيما يبقى تحديد سقف المطلب السياسي غامضا لدى الواقفين وراءها بالنظر لتصريح أحدهم أنّ "صرخة الشعب المغربي مع رأي الأغلبية المنبثق من دستور بإرادة شعبيّة". هل استطاعت هذه الصفحات الفايسبوكيّة تحقيق استقلال مادّي؟ الشهير أن إنشاء صفحة ما على الفايسبوك يتمّ بمجّانية متاحة للجميع، وبالتالي لم تكن هناك استثمارات على هذه الصفحات إلاّ إمكانيّة الدفع لإدارة موقع التواصل الاجتماعيّ من أجل إشهار الصفحات المفتتحة.. وهو أمر مستبعد بالنظر إلى نوعية هذه الصفحات وبصمتها السياسيّة. لكن السؤال الذي يمكن طرحه يقترن بإمكانية الاستفادة ماديا من العدد العالي للمعجبين والذي يعدّ محطّ اهتمام الشركات التجارية.. أمّا الإجابة فهي لا تستدعي العناء اعتبارا للالتزام السياسي لهذه الصفحات والبصمة التطوعية في الأداء ضمنها بشكل حال دونها وهذه الإمكانيّة الترويجيّة، زيادة على المرحلة الجنينيّة التي تتواجد ضمنها التجارة الإلكترونية بالمغرب. وفي هذا الإطار، يقول سعيد بنجبلي إن الأرباح التي تدر عبر الفايسبوك منها ما هو مباشر، مثل التبرعات التي تجمع من تلك الصفحة عبر البنوك الافتراضية أو خدمات إشهارية مباشرة، زيادة على أرباح غير مباشرة، كأن يجعل إداريو الصفحات مضمونها وسيلة لإشهار موقع خاص أو جريدة ما بنشر روابط.. "وقد استفاد من ذلك موقع إخباري معيّن" يضيف بنجبلي. هل كانت هناك محاولات لاختراق هذه الصفحات؟ تحدث مسيرو ذات الصفحات الفايسبوكيّة عن معاناة مع محاولات اختراق قراصنة، وربط الكثير منهم ذلك بأنشطة المخابرات المغربية وبعض مجموعات قراصنة النتّ المعادية للحراك المغربي.. وأشارت أصابع أتّهام إلى "قوات الردع المغربيّة"، وهو الذي نفته الأخيرة، لتشعل مواجهة كلاميّة مع "أنونيمُوس المغرب" التي أعلنت أنّها استرجعت صفحات كانت قد قرصنت. هل هناك أسباب وراء محدودية النجاح المرصود فايسبوكيّا؟ المتأمل ل "الفايسبوك المغربي" والتنظيمات الافتراضية التي يضمّها، يرصد جملة من الأخطاء التي وقعت فيها صفحات الحراك الشعبي والشبابيّ.. أولاها بروز صراعات أيديولوجيّة نمّت نقاشات هامشية، على سبيل المثال بين أنصار الملكيّة البرلمانيّة والراغبين في إسقاط النظام، من جهة، وأنصار الدولة المدنيّة والدولة الدينيّة، من جهة ثانيّة، زيادة على اتّهامات التخوين والمخزنة. الناشط الفبرايريّ حمزة محفوظ يورد بأنّ الانتماءات التنظيمية للعديدين "كانت حاجزا لاستثمار الحريّة الفايسبوكيّة التي لا يقبل المؤمنون بها أي دغمائيّة ولا أن يبقوا وسط صفحة يتوفر عنها بدائل بالجملة وسط الموقع". أمّا بنجبلي فيعتبر بأنّ التعثر يعود إلى "عدم قدرة مكونات الحركة على التنظيم الفعال ورفع بعض الشعارات الراديكالية" وزاد: "الربيع المغربي جاء قبل أوانه". هل الفايسبوك يصنع الفارق في السياسة؟ الفايسبوك وتويتر، وباقي مواقع التواصل الاجتماعي، لم تصنع ثورات تمّت بمساهمات من فئات شعبيّة عريضة صمدت احتجاجا على أرض الواقع عوض عن العوالم الافتراضيّة.. وإن كانت ذات المواقع قد ساهمت في التأثير على الرأي العام إلاّ أنّها استفادت من حدّة التذمّر الاجتماعي والسياسيّ. إلى ذلك تبقى صفحات الحراك المغربيّة على الفايسبوك قابلة للتقويّة بفعل عوامل عدّة منها نهج التنظيمات السياسيّة والجمعوية لخلق صفحات فايسبوكيّة خاصّة بها كي تقوم بدور أنديّة النقاش.. ويورد إمام شطيبي، الناشط الفاسبوكي، أنّ بعض التعاليق الرائجة رقميا "صارت بجودة تفوق الآراء المعبر عنها بالبرامج الحوارية السمعية البصريّة". [email protected]