لم يعد غريبا في المغرب أن تتم الدعوة لاحتجاج انطلاقا من الفضاء الإلكتروني، فما وقع قبل سنتين تقريبا عندما خرجت حركة ال20 من فبراير من رحم الفايسبوك لتنطلق نحو شوارع المملكة، غيٌر في الكثير من بنية الاحتجاجات التي تحولت من المناشير والاجتماعات السرية إلى صفحات ومجموعات على الموقع الاجتماعي الأكثر شهرة تُمكن النشطاء من تبادل الخبرات بعيدا عن أعين السلطة.. ولئن دخلت حركة العشرين في غيبوبة منذ أشهر وتحولت احتجاجاتها إلى تقليد لم يعد يجذب إليه سوى القلة، فقد ظهر نداء جديد يريد خلق موجة احتجاجية بمطالب أكثر راديكالية، هو نداء 13 يناير الغامض والمبهم، والذي خلق ارتباكا حقيقيا بين مريدي التغيير بالمغرب الذين توجسوا من حركة تشتغل بسرية كبيرة فتحت كل التأويلات المنطقية وغير المنطقية، وحتى من أعلنوا عن أنفسهم من داخلها، لحقت بهم بيانات تتبرأ منهم وتتحدث عن أنهم يركبون حركة جديدة تحاول الإعلان عن نفسها بثوب مخالف لثوب حركة العشرين.. من هم هؤلاء الذين يريدون الخروج يوم الأحد؟ ماذا يريدون؟ لماذا يشتغلون بكل هذه السرية؟ وماذا يقول الفبراريون في هذه الموجة الجديدة؟ هل تشكل بديلا لهم أم أنها امتداد لحركة العشرين؟ كيف خرج نداء 13 يناير للوجود؟ يوم 19 دجنبر، صفحة جديدة على الفايسبوك تنادي بالخروج في مظاهرات يوم الأحد 13 يناير، الكثير اعتقد أن الأمر متعلق بيوم احتجاجي للفبراريين، غير أن البيان الذي خرج بعد ذلك بيوم واحد، والذي تحدث عن " الملكية تتحمل المسؤولية الأولى في تكريسها (أي الأوضاع المأساوية)، ما دامت هي الماسكة الحقيقية بكل خيوط التأثير في جميع القرارات التي تحدد مصير الشعب، ومادامت هي المسؤولة عن تعيين فاقدي المصداقية والفاسدين في مراكز القرار، وبالتالي فشروط الثورة قد أينعت"، جعل الشكوك تحوم حول طبيعة هذا النداء خاصة أنه لم يكن هناك ذكر في البيان لحركة ال20 من فبراير التي لم تتحدث في أي من بياناتها الرسمية عن شيء اسمه "الثورة". وكان متوقعا أن تظهر "حركة الجمهوريين المغاربة" بفيديو تساند فيه هذا النداء، وتعيد مزاعمها المتعلقة بقرب سقوط الملكية، غير أنها لم تتبنى النداء وأكد نشطاؤها أنه نداء انبثق من خارجها لكنه يعبر عن الكثير من تطلعاتها. ظهر بعد ذلك، شاب فبراري يدعى "محمد علال الفجري" ليتلو بيانا على موقع اليوتيب يدعو للاحتجاج في ذات الأحد، البيان يتشابه في كثير من جزئياته مع بيان حركة "حرية وديمقراطية الآن" الذي كان قد تلاه أسامة لخليفي قبل بداية الحراك الاجتماعي بأيام، المطالب كانت تقريبا هي نفس مطالب الحركة الفبرارية، مما جعل مرة أخرى الأمور تتشابك على المتلقي حول طبيعة الاحتجاج القادم. محمد علال الفجري الساكن بسلا والمشارك بكثافة في الاحتجاجات الأخيرة ضد حفل الولاء وميزانية القصور، تحدث لهسبريس عن أن نداء 13 يناير لا يتعلق بتأسيس حركة جديدة، ولكنه يدخل في دينامية 20 فبراير، على اعتبار أنه نداء موجه بشكل وطني للهيئات السياسية والحقوقية وغيرها للاحتجاج ضد الفساد والاستبداد وتحقيق مطالب الحراك الاجتماعي، مضيفا بأن من روج لمطلب إسقاط النظام يريد إقبار هذا النداء وقتله في مهده على اعتبار أن هذه الصفحات الجديدة ليست إعلانا عن حركة جديدة، ف"أي حركة جديدة ستعلن عن نفسها انطلاقا من ندوة صحفية وليس من صفحة فايسبوكية قد تتناسل لتصير عشرات الصفحات" يقول الفجري الذي شدد على أن تأسيس أي حركة جديدة عليه أن يدخل في إطار التشاور مع جميع الهيئات الداعمة للحراك. لا علاقة لنا بحركة الفبراريين.. ربطنا الاتصال بأحد مسيري الصفحة الرسمية لنداء 13 يناير، ذكر لنا بأن اسمه هو حسن المرابط، وبأن لا علاقة لندائهم بحركة ال20 من فبراير، "نريد تفادي ما قامت به هذه الحركة رغم أننا وجهنا إليها دعوة من أجل المشاركة، فنحن نؤمن بأن المغرب ليس استثناء عن الدول التي سقطت فيها الأنظمة" يقول حسن مضيفا أن السرية التي يتعاملون بها لا تعود للخوف وإنما للابتعاد عن عدسات الإعلام وهي سرية محدودة على حد رأيه ما دامت هناك مدنا لبت نداء التظاهر وستخرج بكثافة يوم الأحد. وانتقد المرابط بشدة موقف الفجري:" لقد أصدرنا بيانا نتبرأ فيه من هذا الشخص الذي يحاول الركوب على الموجة، فهو لم يتحدث إلا بعد خروج صفحتنا الرسمية بأيام، ولا علاقة لنا بمطالبه ولا بمحاولته تسقيف مطالب النداء". حمزة محفوظ، الناشط الفبراريري المعروف تحدث بوجود مجموعات كانت تحاول تشتيت الحراك الاجتماعي سواء بحديثها عن الثوابت أحيانا، أو عدم تسقيف المطالب أحيانا أخر، وهي ذات المجموعات التي تتبنى هذا النداء الجديد الذي سيسيء كثيرا لدينامية 20 فبراير على حد قوله. وفي نفس السياق، يقول سعيد بنجبلي أحد المؤسسين لصفحة 20 فبراير الرسمية على الفايسبوك، بأنه لن يخرج يوم 13 يناير للتظاهر، على اعتبار أن الاحتجاج ليس نزهة، بل تضحية من أجل مطالب واضحة وواقعية:"لن أخرج في احتجاج يطالب بإسقاط الملكية، وهؤلاء المجهولون الذين يختبئون وراء حواسيبهم يتوهمون بأن المغاربة سيخرجون معهم من أجل مطلب يحتاج للكثير من الجرأة". فبراريون مع النداء.. ولئن كانت مجموعة كبيرة من حركة ال20 من فبراير ضد هذا النداء، فقد أعلنت عدد من فروعها، خروجها يوم الأحد، من بينها فرع الناظور الذي سيخرج بكثافة- حسب البيان الذي نشره- بساحة التحرير من أجل تحقيق المطالب خاصة منها القضاء على الفساد والاستبداد، نفس الأمر يتعلق بمدينة طانطان وأكادير والدارالبيضاء، غير أن الملاحظ في الأمر، أن خروج الفبراريين يوم الأحد، لا يعود في نسبة كبيرة منه لنداء 13 يناير بتجلياته الجديدة، ولكنه يدخل في إطار خريطة احتجاجات الحركة، والدليل على ذلك أن الدارالبيضاء قد تخرج في مسيرتين: مسيرة خاصة ب20 فبراير ستكون بحي سباتة، ومسيرة خاصة بالنداء الجديد ستكون بساحة الحمام. هذا التداخل الذي سيحدث يوم الأحد بين نشطاء 20 فبراير ممن تعودوا على الاحتجاج بطرقهم المعروفة، ونشطاء نداء جديد لا يُعرف بعد هل سيخرجون فعلا أم لا، يرد عليه محمد علال الفجري بأن عددا من الفبراريين كانوا يفكرون في إحياء الحركة بإطلاق نداء جديد قريب جدا من أول نداء لها خرج للوجود، لكن هناك جهات قرصنت الفكرة وحولتها لخدمة أجنداتها، متحدثا عن أن مجموعات كبيرة من الفبراريين ستخرج هذا الأحد حتى ولو عارضت بعض "رموز" الحركة الخروج، لأن هذه "الرموز" قطعت صلتها بالحركة ولم تعد تخرج في مسيراتها وبالتالي لا حق لها للحديث عن خروجهما من عدمه. ويؤكد بنجبلي فعلا وجود مبادرة سابقة لإحياء الحراك الاجتماعي وبعثه من جديد، غير أن هذه المبادرة التي خُطط لها يوم 11 يناير وليس 13 يناير، تم إلغائها أو تأجيلها إلى وقت لاحق بسبب عدم توفر الشروط الموضوعية لتحقيقها، وهي ذات المبادرة التي تأسس عليها نداء 13 يناير الجديد على حد قوله بتحريف مطالبها. هل سيثور المغاربة هذا الأحد؟ بين الفجري الذي أراد نداء 13 يناير لصالح بعث حركة 20 فبراير، وبين رفض عدد من وجوه الحركة الاحتجاج مطلقا هذا الأحد، وبين خروج بعض فروع الحركة ذاتها في مظاهراتها المعروفة تجاهلا للنداء الجديد، وبين حسن المرابط الذي يريد من يوم الأحد انطلاقة لثورة مغربية شبيهة بما حدث في عدد من الدول العربية، تتشابك الخيوط على المغربي البسيط الذي لم يخرج بكثافة في أي مسيرة لديها دواع سياسية بقدر ما كان يخرج عندما يتعلق الأمر باحتجاج على غلاء المعيشة، فكافة الاحتجاجات التي عرفها المغرب مؤخرا من بعض المدن الصغيرة كانت لها دوافع اجتماعية متمثلة في صعوبة السكن وارتفاع فواتير الكهرباء والماء و غلاء المواد الغذائية، وهو المعطى الذي حاولت حركة ال20 من فبراير استثماره لصالحها، غير أن لها تتوفق فيه لحد بعيد، لأن ذات الحركة وبعد خروج العدل والإحسان منها، تحولت مظاهراتها إلى تجمعات صغيرة سهلت المأمورية على قوى الأمن لتفريقها وتعنيف نشطائها.. فهل يكون يوم الأحد القادم محطة حاسمة؟ أم يوما عاديا، سيتظاهر فيه البعض، ويعنف البعض، وترتاح الأكثرية من عناء أسبوع كامل، ليبدأ أسبوع جديد شبيه بالأسابيع الماضية؟