سقت دموع الآلاف قبر الملك الراحل الحسن الثاني، لكي يدفن جيدا في أعماق التاريخ...ولكنه وللأسف الشديد، دفنت معه أطراف كثيرة من هذا التاريخ الذي لا يهم خليفته ووارث عرشه وحده...وإنما يهم الشعب المغربي كله...طبيعي...لأنه لولا هذا الشعب لما كان هناك ذلك العرش. "" أو بصيغة شعبية مؤدبة..لأن ذلك الغصن من تلك الشجرة ولقد أنهيت أخيرا..مراجعة صفحة ملتهبة من ذلك التاريخ الذي دفن مع الملك الحسن الثاني،والتي تهم ولده ووارث عرشه الملك محمد السادس،عندما كان في مقتبل الشباب وربما لم يعد يتذكر..أو ربما لم يعرف،هذه القصة العجيبة التي كان هو المستهدف منها..ولكن ولربما لصغر سنه،لم يكن يعرف أبعاد القضية وأهدافها..ففي سن الطفولة لا يحتفظ المرء إلا بالآثار النفسية التي تحدثها حوله الأحداث،وكيف لانتذكر أن أحداث الصخيرات مثلا..خلفت آثارا موجعة في أذهان الكثير من الرجال الذين عاشوها(...)وأسعدهم الحظ بأن يعيشوا بعدها،فأحرى شاب يافع مثل الأمير سيدي محمد،الذي كان عمره آنذاك أحد عشر سنة،فرأى في تلك السن ما بقي له مرسوما في الذهن،ومما يغني عن الغور ففي المدلول الحقيقي للهجوم..والغدر،والثورة والانقلاب،لأن ما رآه ولي العهد زوال العاشر من يوليوز 1971،كان يجمع في ذلك الحدث،هذه العناصر الدموية كلها،والتي سماها الحسن الثاني،درسا يجب علينا أن نستفيد منه. منذ شهور قليلة،توفي في الرباط واحد من إخوة الكولونيل الشلواطي،الذي اعدم في أعقاب هجوم الصخيرات،والذي قال للجنود المكلفين بإعدامه،وهو يمر أمامهم"غدا ستتبعونني" وأخ الشلواطي هذا... وربما كان مدفوعا بالرغبة للانتقام لأخيه، وكان على حق ربما...في رغبته،سبق له أن غادر المغرب واستقر في فرنسا بعد إعدام أخيه و أسس في زنقة دولاتور،وسط باريس مطعما سماه مطعم أمازيغ،أثثه بالطريقة الأمازيغية وقدم فيه للزبناء الذين أغلبهم مغاربة،أشكالا منوعة من الطبخ البربري. وكانت باريس في ذلك الوقت،لازالت منشغلة في خلفيات وخبايا قضية اختطاف المهدي بنبركة،والمعارضة المغربية في أوجها،داخليا هنا،وخارجيا هناك،متناغمة مع بزوغ ظاهرة العنف القوي الذي صاحبه انطلاق مخطط الجبهة الشعبية الفلسطينية بقيادة جورج حبش،عندما قرر الحسن الثاني عقد مؤثمر القمة العربية السابع في الرباط(19 أكتوبر 1974) فأخفى بدهائه وحكمته،(إن الجبهة الشعبية كلفت أبو أياد بتنظيم محاولة لاغتيال الملك حسين أثناء تواجده بقمة الرباط( كتاب كارلوس،تأليف كريستوف دوسبون،نشر البان ميشيل أبو أياد،كان حليفا وصديقا لأكبر إرهابي عالمي اسمه كارلوس،الذي حاول في إطار تحالف اليسار العالمي الانتقام لاختطاف مهدي بنبركة،عبر نسف مقهى الدروكستور،الذي اختطف به المهدي بنبركة،في نفس الوقت الذي أعلن فيه عن تنظيم مؤتمر القمة العربية سنة 1974،بينما كان البوليس الفرنسي يبحث عن منفذ الانفجار،كان كارلوس يتعشى دائما في المطعم المغربي أمازيغ،حيث أخ الشلواطي لازال يفكر في الانتقام لأخيه،لتلتحق بهما أطراف أخرى كان من بينها أربعة يابانيين وعناصر معارضة مغربية وفلسطينية،سمعوا جميعا بأن ولي عهد المغرب سيدي محمد،لقي إعجاب الفرنسيين أثناء نيابته عن والده وهو في سنه الصغير،في جنازة الرئيس بومبيدو، بكاتدرائية نوتردام يوم 16 ابريل 1974 فخطر للمجتمعين أن ينتقموا من الحسن الثاني عبر اختطاف ولده سيدي محمد. ودائما...وكما تحدث المعجزة...التي كان الحسن الثاني يسميها البركة،وبعد أن وصل كارلوس للمغرب،رفقة اليابانيين،وهو جميعا يحملون جوازات مزورة،أخبر أحد المغاربة المهاجرين،كان يستمع إلى المخطط في المطعم،صديقا له في المخابرات المغربية بما يدبر لولي العهد،الذي كان يقضي باختطافه من قصر السويسي الذي كان يقيم به.وطبعا،أصبح أقطاب المخابرات وقتها في المغرب،وعلى رأسهم الخبير البوليسي الكبير،الحسين جميل،وادريس البصري ومساعده بن هاشم،على علم بوصول كارلوس وأصحابه للمغرب،وشددت الحراسة على ولي العهد،بينما بدأ البحث عن كارلوس،الذي علم بدوره أن البوليس المغربي يبحث عنه،فغادروا جميعا المغرب عبر ميناء مدينة طنجة التي غادروها بجوازات سفر أخرى غير التي دخلوا بها للمغرب،ونجا ولي العهد سيدي محمد من الاختطاف،من طرف أكبر إرهابي كان العالم كله يبحث عنه.كارلوس،وبعد هروبه من المغرب،ذهب لتنفيذ مخطط ذي أهمية أكبر على الصعيد العالمي،حيث قام اختطاف وزراء البترول العرب الذين كانوا مجتمعين في إطار الأوبيك بفيينا، حيث اختف(...)أحد عشر وزيرا من قاعة اجتماعهم سنة 1975،ونزل بالطائرة التي أركبهم فيها بمطار الجزائر،حيث كان ينتظره في المطار،صديقه وزير خارجية الجزائر،عبد العزيز بوتفليقة،الذي ظهر بجانبه في الصورة التي نشرت في جميع أنحاء العالم،وقال كارلوس في حديث صحفي من بعد،عن عبد العزيز بوتفليقة انه يكن له كل التقدير والاحترام.كل شيء واضح مادام مشروع اختطاف ولي العهد المغربي،محضرا في الوقت الذي كانت الجزائر بصدد تأسيس جيش من المرتزقة في إطار إعلان حرب الصحراء المغربية.مشروع اختطاف ولي العهد،الذي لم يعرف أحد أين كانوا سيتوجهون به،بقي سرا لم يعلنه المغرب واحتفظ به الحسن الثاني،الذي كان يتتبع مسار الإرهابي كارلوس،حينما اختطفت طائرة العال الاسرائلية سنة 1974،ونظم في السنة الموالية عملية الهجوم على طائرة البان امريكان،في كاراكاس،وانطلق الرصاص دون أن يصيبه،على القاضي الفرنسي بروغيير،الذي أصبح سنوات من بعد مكلفا بالبحث في قضية بنبركة،كما اغتال كارلوس سنة 1981،سفير فرنسا في بيروت"لوي دولامارا"بعد أن اغتال شرطيين فرنسيين في باريس سنة 1975.وحتى تظهر أهمية الحظ الذي يحظى به واي العهد المغربي،الذي أصبح ملكا في محل والده،وإفلاته من قبضة هذا الإرهابي الكبير،فان كارلوس هذا لم تستطع أية شرطة أن تعتقله،ربما كان ينوي الهروب بولي عهد المغرب الى ليبيا.بعد أن أذاعت مصادر صحفية عدة أن كارلوس التقى بالقذافي،وأعلنت صحف بريطانية أنه فتح مركزا لتدريب كوماندو متخصص في الاغتيال،كان يتواجد جنوب بنغازي،وبه 189 من المتطوعين،وكانت العلاقة المصرية الليبية وقتها في أقبح حالاتها...عندما بعث كارلوس مجموعة من رجاله الى القاهرة بقيادة أروبي يسمى"أنطوني جيل"،لاغتيال أحد معارضي القذافي،السياسي عبد الحميد البكوش.وكانت المخابرات المصرية وقتها(...)على قدر كبير من الخبرة،فدبرت عملية غريبة في تاريخ المخابرات،حين تركت عملية اعتقال كوماندو كارلوس في السر،ورتبت عملية سينمائية،أطلقت خلالها أجهزتها رصاصا فارغا على أحد رجالها يشبه البكوش صورته ملطخا بالدماء،وأذاعت انه تم اغتيال الليبي عبد الحميد بكوش.وبعد أن أعلنت الإذاعة الليبية فرحتها باغتيال الخائن(...)البكوش،أصدرت الصحف المصرية صوره حيا يرزق،وأعلنت اعتقال عصابة كارلوس،وقدمتها لرجال الاعلام. وقد لجأ كارلوس بعد مغامراته كلها إلى السودان،لإجراء عملية جراحية،الا أن صفقة مخابراتية بين حكومة الوزير الأول الترابي في السودان،والمخابرات الفرنسية،أسقطت كارلوس في أيدي الشرطة القضائية الفرنسية سنة 1997،ليتضح بعد البحث أن هناك فرنسيا أكثر دهاء من كارلوس،وهو شريكه المسمى بونطافيس الذي سرق لكارلوس سبعة مليارات،اتضح فيما بعد أنها كانت دولارات مزورة. هذا السرد المريب،لمسار هذه النماذج الإرهابية وعلاقتها بالمغرب،وكيف كان ولي عهد المغرب مهددا بها،ترجع بنا الى تأكيد مقولة الحسن الثاني"الخير كله يأتي من الصحراء والشر كله يأتي من الصحراء".مع تعديل آخر يقول"الخير كله يأتي من الخارج،والشر كله يأتي من الخارج".ولنأخذ الحكمة من الصيغتين. عن جريدة الأسبوع