قد يكون مفيدا تكرار التذكير بالجيل الجديد من الاصلاحات الفعلية التي حققها المغرب خلال السنة الأخيرة و التي أدخلت المغرب مرحلة جديدة مع حكومة عبد الإلاه بنكيران التي عادت إليها حقيبة وزارة الخارجية والتي وصفت تاريخيا بوزارة السيادة، و هي قيمة مضافة ينبغي استثمارها كدفعة قوية في اتجاه تحسين الأداء الديبلوماسي. لعل المحك الحقيقي للديبلوماسية المغربية منذ عقود جسده ملف الصحراء غير أن الأداء على هذا المستوى تراوح بين مرحلتين الأولى اتجهت فيها الديبلوماسية على عهد المرحوم الحسن الثاني إلى انتظار الفعل لخلق رد الفعل لتلعب بذلك دور رجل الإطفاء أما المرحلة الثانية فيمكن وصفها بالحراك الديبلوماسي المغربي حيث غيرت الديبلوماسية من استراتجيتها وذلك عبر دينامية متكاملة وشاملة ، استفادت من صورة المغرب الأكثر ديموقراطية ، على صعيد الحريات وحقوق الإنسان، وتمكين المرأة من الولوج لمؤسسات الدولة ...مما جعل الجميع ينوه بالنموذج الإصلاحي الديموقراطي المغربي ،بل إن المغرب صار نموذجا عربيا في هذا المجال ليمكنه الاتحاد الأوروبي من الوضع المتقدم ووصفه بالشريك غير العادي. غير أن هذا الوضع لم يحسن استغلاله في ظل اشتغال الآلة الديبلوماسية الجزائرية وفق الاستراتيجية المحكمة و التي كانت بداياتها مع الراحل العربي بالخير مباشرة بعد توقيع وقف إطلاق النار، مما أحال على نوع من القلق حول التراجع المسجل في عدد من المحطات، إذ تكفي الآشارة إلى الإيقاع الذي انتهت عليه سنة 2011 من خلال النكسة الحقيقية للدبلوماسية المغربية في الاتحاد الأوروبي الذي يشكل الشريك الرئيسي للمغرب. و هو ما يتعارض وبداية السنة نفسها عندما كانت واعدة في التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي خاصة بعدما حصل المغرب سنة 2010 على صفة الشريك المتقدم ، و بذلك أخفقت الديبلوماسية في الحفاظ على الخط الثابت للأفق الواعد في هذا الباب. و عموما الثلاث سنوات الأخيرة تميزت بتدبدب واضح للديبلوماسية المغربية الرسمية في قضية الصحراء و التي احتاجت إلى تدخل جلالة الملك شخصيا أكثر من مرة بعلاقاته لإعادة الأمور إلى نصابها و عدم استفحالها، فمن توعك العلاقات مع الحليف الاستراتيجي السنغال مرورا بقطع العلاقات مع إيران و خفض التمثيلية مع دول عديدة إلى السماح لموريتانيا بمعاداة الوحدة الترابية و كسب جبهة البوليساريو مواقع عديدة في مختلف القارات. ناهيك عن الفشل في تدبير ملفات ضعيفة لكنها أخذت بعدها الدولي و استثمرت ضد المغرب كقضية أمينتو أو أسباب اندلاع مخيم أكديم إزيك أو قضية السفارة السويدية... لعل غياب أساس علمي ومهني يوجه الأداء الدبلوماسي المغربي، و هيمنة المزاجية وأحيانا المصالح الذاتية للأفراد على ذلك الأداء ( مثال الأزمة المجانية التي كانت ستخلق مع دولة كرواتيا بسبب تسخير الأدوات الديبلوماسية لإقامة معرض لوحات.. )، بالإضافة إلى عزل الديبلوماسية عن التفاعل مع مؤسسات مدنية وعلمية ، مثل مراكز الدراسات التي تنير الطريق أمام الفعل الدبلوماسي المغربي، بل عدم اهتمام الدبلوماسية القائمة نفسها في المغرب بتشجيع مراكز الدراسات تلك التي تعتبر عماد الدبلوماسية الحديثة في العالم الأول، عبر إشراكها في صناعة الرؤية والرأي الدبلوماسيين المغربيين، ناهيك عن أهمية دور الخبراء في المؤسسات الإعلامية بشأن الدور نفسه. إن الديبلوماسية المغربية اليوم هي في منعطف جد صعب قوامه التركة غير السليمة الموروثة عن منطق المحسوبية خارج نطاق الكفاءة و القدرة و الاحساس بروح المواطنة و التي جعلت موازين القوى تتراوح بين يوم لنا و يوم لكم، فإذا كان المغرب يتوفر على شريك دولي قوي حليف استراتيجي هو فرنسا، فإن جبهة البوليساريو عبر الجزائر قد استطاعت استمالة بريطانيا للضغط على المغرب بشكل غير مسبوق، إذ يكفي التذكير بموقف تمثيلية المملكة المتحدة البريطانية لدى مجلس حقوق الإنسان بجنيف، في مداخلتها الرسمية تعليقا على تقرير المغرب الدوري حول وضعية حقوق الإنسان، ليفهم أن الذي ينتظر المغرب من الجهد و الوطنية في هذه المرحلة بالذات يفوق تعيينات المحاباة أو التعيينات الحزبية الضيقة أو القبلية أو الزبونية. إذا كانت جبهة البوليساريو تراهن على كل الخيارات لحل النزاع و على رأسها العودة إلى العمل المسلح كما صرح بذلك القيادي بالحبهة البلاهي السيد بتاريخ 19 أبريل 2012 فإن اعتقادنا الراسخ اليوم أن الديبلوماسية على عهد الوزير سعد الدين العثماني تتجه إلى إنتاج البعد الجديد للأداء الفعلي الديبلوماسي من خلال الدينامية التي يتحرك بها و من خلال الرؤية المتجه نحو تفعيلها و القائمة على الاستعانة بالخبراء الوطنيين و نكران الذات بل و إخضاع الأداء الدبلوماسي للمقتضيات العلمية والمهنية، وتخليصه من المزاجية ، بمعنى دمقرطة الفعل الدبلوماسي وجعله منفتحا على أفكار وتصورات المؤسسات التي تمثل الرأي العام المغربي، و على رؤية خبراء الوطن. أي توسيع دائرة اتخاذ القرار الدبلوماسي وليس حصرها وتضييقها؛ خصوصا بعدما تأكد بما لايدع مجالا لأدنى شك أن الدولة الجزائرية ترفض أي تطبيع ثنائي أو فتح الحدود، ولا رغبة لديها في الوقت الحالي في رفع وصايتها عن مخيمات تندوف.