لما ينتفض بعض الأساتذة وبعض تلامذتهم ، ولما تتحول ساحة الجامعة إلى صراخ وعويل، ولما يُنهج أسلوب النسف والتشويش ضد الأنشطة الثقافية، بغض النظر عن مضمونها، نقول لما يحصل مثل كل هذا وغيره، يجب أن نقف وقفة مراجعة وتدبر وتحديد للمسار، وقفة نحاول من خلالها فهم الحيثية السياسية والاجتماعية والثقافية التي يحيى فيها الإنسان المغربي بصفة خاصة والإنسان المسلم بصفة عامة. لماذا نقول ذلك ؟ نقول ذلك بعدما شاهدنا ، وشاهد العالم، مقطع الفيديو على اليوتيوب، المنسوب لمنظمة التجديد الطلابي المقربة من حزب العدالة والتنمية، حيث انتفخت أوداج مجموعة من الشباب بتأطير من أستاذين أو أكثر، ضدا على ندوة ثقافية كانت إدارة الكلية قد باشرتها بحضور الكاتب المغربي عبد الله الطايع، المعروف بميولاته الجنسية المثلية. لنتساءل حول ما الدافع وراء نسف هذا النشاط الثقافي من هؤلاء الفتية وأساتذتهم، هل بسبب كون المحاضر شخص سبق أن أعلن عن ميولاته الجنسية المثلية؟. لكي نفهم ماذا حصل علينا العودة إلى موضوع اليوم الدراسي المخصص، كما علمنا، لموضوع النص الأدبي، على اعتبار أن المحاضر هو من كُتاب الرواية . فهل كان هذا الأمر مدعاة للانتفاض من أجل نسف هذا النشاط، مع صيحات التكبير والتهليل والتصفيق والفرح بتحقيق نصر كبير؟ ألم يكن الأجدر بهؤلاء الفتية أن يميزوا بين ميولات الشخص ومضمون اليوم الدراسي؟ نعلم أن المنظمة التي ينتمي لها هؤلاء الطلبة المنتفضون ضد الطايع، قد استضافت مجموعة من الاسماء داخل الحرم الجامعي، ومنهم من لديه تصورات بيدوفيلية، كما هو شان عبد الرحمان المغراوي، الذي أجاز الزواج من بنت الست سنوات. ومنهم من لديه مواقف ضد حرية الاعتقاد والاختلاف الفكري، كما هو الشأن بالنسبة للفيزازي، الذي صرح داخل الحرم الجماعي خلال ندوة ، من تنظيم منظمة التجديد الطلابي، بأن من قال أنا مسلم علماني كمن قال أنا مسيحي علماني، كما صرح في ندوة أخرى بأن حد قتل المرتد واجب التطبيق، ضاربا عرض الحائط كل الاجتهادات والمؤاخذات التي لا تتماشى مع تصوره. فماذا لو انتفض الشباب العلماني والمجتمع المدني المناهض للدولة الدينية ولتزويج القاصرات، ضد ندوات منظمة التجديد الطلابي وقام بنسفها وإفشالها، ماذا كان سيكون رد علماء حركة التوحيد والإصلاح وقياديو العدالة والتنمية؟. حتما كان موقفهم هو التنديد بالعنف والإقصاء وقمع حرية التعبير مع التذكير بقوله تعالى: قل هاتوا برهانكم . إذا لم يتدارك عقلاء هذا الوطن الامر ويصوبوا توجهات أتباعهم ومحازبيهم نحو فكرة تقبل الأخر وسلوك مسلك الحوار والاقناع والتأسيس للأفعال بدل ردود الافعال، إذا لم يحصل ذلك فإننا سنعود القهقري ونتشبه بدول بائدة واخرى في طريقها إلى الزوال، سنضحي مثل بلدان قريبة منا تسخر لجان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتتبع عورات الناس وتلاحقهم في الاسواق ودور السينما، سنتحول إلى دول تفرض على المرأة تغطية كامل وجهها مع الضرب من حديد على يد كل امرأة حاولت أن تظهر زينة عينها ولو من وراء نقاب. قد نختلف أو نتفق مع أمثال عبد الله الطايع بخصوص ما يؤمن به من مثلية، لكن أن يحرم حقه في التعبير عن اهتماماته العلمية والفكرية ويتم نسف محاضراته وندواته، التي لا يدعو فيها إلى للشذوذ، وإنما يحاضر من خلالها في مواضيع من قبيل النص والرواية وغيرها. فهذا مدعاة للاستغراب والدهشة، خاصة أن هذا الاسلوب في التعامل قادم من شباب ينتمون إلى حركات دعوية وسياسية تقول عن نفسها أنها وسطية تؤمن بالحرية وتدعو إلى التسامح. فإذا كان هذا ديدن هؤلاء فما بالنا بالحركات المتطرفة التي تعلن جهارا نهارا أنها ضد الحرية وضد الأخر المغاير. يجب أن نتعلم من تجارب الأخر حتى لا نقع في أخطائه، علينا أن ندرس تجارب الامم السابقة والمعاصرة لنا، فالميولات الجنسية للشعراء العرب لم تكن لتمنعهم من إلقاء أشعارهم في الساحات والأسواق الإسلامية، ولم نجد في كتب التاريخ أن حاكما إسلاميا قتل شخصا شاذا أو منعه من إلقاء شعره أو منعه من مشاركة الناس محافلهم ومناسباتهم. وغير بعيد عنا ، زمنيا أو جغرافيا، نتساءل من منا يعرف أن ميشيل فوكو، مثلا، كانت لديه ميولات مثلية، وأن نيتشه كان غاو لزنا المحارم. بلعكس كل سلبيات هؤلاء انمحت ولم تصلنا منهم إلى كتاباتهم الفلسفية ومساهماتهم العلمية، وأما حرياتهم الشخصية فلم تكن لكي تستهوي أتباعهم أو يعيروا لها أي اهتمام. ولم نشهد مسيرات لحركات مسيحية تناهض المثلية الجنسية، رغم وجودها، تحتل مدرجات الجامعة من اجل قمع فوكو ونسف محاضراته، بل كل ما لدينا من وقائع تبين لنا أن الناس كانوا يتكدسون في المدرجات، وقبل أيام من موعد المحاضرات التي كان يلقيها فوكو في الجامعة ومنهم من كان يحضر معه أكله وغطائه في انتظار المحاضرة خشية امتلاء المكان. وحتى لا نتهم بأننا نريد أن نقلد فرنسا العلمانية، فإننا نحيل القارئ إلى بلد قريب منا وهو دولة إيران التي ورغم تشدد فقهائها، إلى درجة إقامتهم حدود الردة ورجم الزاني، إلا أنهم أباحوا لدوي الميولات الجنسية حرية تغيير جنسهم، ومن تم اعتبرت إيران اكبر بلد للمتحولين جنسيا في العالم، بينما نحن في المغرب لدينا شخص لا نعرف هل هو(هي) رجل أم أنثى رغم مطالباته(ا) المتكررة بالسماح له(ا) بتغيير اسمه(ا) وجنسه(ا) لأنها(ه) أنثى وليس ذكر . وعلى سبيل الختم، وإجابة على أي استدراك من قبيل: الطايع حر في تصوراته والطلبة أحرار في التعبير عن موقفهم منه، نقول نعم ذلك صحيح ومقبول من حيث أن للمخالف الحق في التظاهر ضد من يختلف معهم، لكن غير المقبول هو أن يتحول التظاهر إلى عنف وتشويش ومن تم نسف، وهو ما شاهدناه في مقطع الفيديو، إذ حج الطلبة إلى مكان انعقاد الندوة وشرعوا في الصراخ ، ولم ينسحبوا حتى أعلنت الإدارة إلغاء النشاط، ولا نعلم ماذا كان سيحدث لو لم تستجب الإدارة لمطلبهم.