مازال شبح الملك الراحل الحسن الثاني يخيم على القصر الجمهوري بالعاصمة الجزائر، فالعلاقات عاشت المد والجزر بين المغرب وجارته الشقيقة خلال حكم الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية إبان تولي المرحوم الحسن الثاني حكم بلاده لحوالي أربعة عقود . "" وكان مشكل وحدتنا الترابية هو النقطة التي أفاضت الكأس، فقد كان خطأ الرئيس الراحل الهواري بومدين، هو اعتقاده أن معاكسته لمطامح المغرب، ومساندته للإنفصاليين الذين أرادوا إقامة دويلة قزمية في الجنوب، سيضعف على الصعيد الإستراتيجي من مكانة هذه المملكة العريقة، وستبقى الجزائر هي صاحبة الكلمة العليا في المنطقة، خاصة وأن المناخ العام لعقد السبعينات، كان يسمح للجزائر، كزعيمة لدول عدم الإنحياز، وحليفة للإتحاد السوفياتي، بأن تحلم بقيادة المغرب العربي، وإخضاع المغرب الذي شكل لديها عقدة تاريخية، خاصة وأنه كان امبراطورية شاسعة، أخضعت جل دول المنطقة، كما أن الأتراك الذين احتلوا تونسوالجزائر وقفوا عند الحدود المغربية. أما الفرنسيون الذين احتلوا الجزائر بسهولة منذ 1830، فلم يستطيعوا إخضاع المغرب للحماية الشاملة إلا حوالي ثلاثة عقود (رغم أن الإتفاقية وقعت منذ سنة1912 ) كل هذه الإعتبارات وغيرها، جعلت الجزائر تعتبر المغرب، أكبر منافس لها على ريادة المنطقة، خاصة وأن الأمور كلها انقلبت بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، وفشل ديكتاتورية الحزب الوحيد في بلد المليون شهيد، ونجاح الجماعات المتطرفة في فرض حرب أهلية أدى ضريبتها الشعب الجزائري الشقيق. هكذا، وبعد فشل بوتفليقة في بناء تجربة سياسية أفضل من تجربة المغرب، وفي منح الجزائر استقرارا وطمأنينة أحسن من استقرار المغرب، وفي إقامة أسس فلاحة تتجاوز فلاحة المغرب رغم ثورتهم الزراعية ، انبثقت في ذهنه فكرة بناء مسجد أكبر من مسجد الحسن الثاني لتسجيل إسمه في كتاب (غينيس) للأرقام القياسية، خاصة وأن ارتفاع ثمن البترول والغاز، سيسمح للسيد بوتفليقة بأن يبني مسجده بأقل تكلفة ممكنة . وتتجلى عقدة الحسن الثاني، في إصرار الرئيس بوتفليقة على أن يكون مسجده أكبر مسجد في العالم الإسلامي، بصومعة أعلى من صومعة مسجد الحسن الثاني، وطاقة استيعابية أكبر من طاقة مسجد الحسن الثاني... كنا نعتقد أن السيد بوتفليقة الرئيس التقدمي (الذي كان يوما ما اشتراكيا) لايعاني من عقد الملوك والأباطرة، لكن الحقيقة أن بداخل كل رئيس عربي ملك نائم، ينهض في اللحظات الحاسمة كي يعبر عن نفسه، لابحل مشاكل شعبه الحقيقية وبناء المعامل والمختبرات والجامعات، ولكن بتخليد اسمه الخاص ... فسبحان مغير الأحوال، ورحم الله الحسن الثاني، وغفر له.