انطلقت فعاليات معرض " العصر الذهبي للعلوم العربية والإسلامية" يوم الأربعاء الماضي، بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بشراكة مع الجامعة الحرة ببروكسيل البلجيكية. ويروم المعرض الذي جاب العديد من الدول الأوروبية قبل أن يحط رحاله بالمغرب كأول دولة عربية يزورها، التعريف بمختلف العلوم العربية الإسلامية وسبل تطويرها خلال العصر الذي توافق العالم على تسميته بالعصر الذهبي للحضارة العربية والإسلامية. كما سيعمل على تسليط الضوء على مختلف الإسهامات العلمية للمسلمين والعرب في فترة تبتعد نحو 1000سنة من الآن، وذلك في كل من علوم الفلك والرياضيات والطب والفيزياء والهندسة المعمارية والبيئية وغيرها. الإسلام عبر العالم: انفتح العرب والمسلمون على العالم منذ بداية القرن الثامن الميلادي وامتدت الحضارة الإسلامية من الأندلس غربا إلى تخوم الصين شرقا. وواكب هذا التوسع تطور مبهر على جميع الأصعدة من مؤسسات تعليمية وجامعات ومكتبات ومستشفيات وغيرها، وغدت بذلك اللغة العربية اللغة العلمية الرائدة آنذاك باعتبار أنها لغة العلم والمعرفة الدينية والدنيوية. وما كان لمثل هذا الثراء المعرفي والعلمي إلا أن ينطلق عبر الأرجاء المعمورة لتكون الكتب والآلات المخترعة والتقنيات الجديدة قاعدة قوية لتجديد العلوم في أوروبا. المكتبات والكتاب: تضمن المعرض المقام بالمكتبة الوطنية، كتبا ومخطوطات مختلفة تتناول ما قدمته العلوم العربية إلى الإنسانية والعالم من تقدم ورقي في جميع المجالات، ومن بين الكتب المعروضة نجد كتابا عن الطب الروحاني أو ما يصطلح عليه حاليا بالطب النفسي لمؤلفه محمد بن زكريا الرازي والصادر سنة 925م الذي ترجم إلى اللاتينية، وكتاب " جامع أسرار الطب" لمؤلفة أبو العلاء الإيادي وهو طبيب السلطان أبو يعقوب المنصور، وفي علم الحساب نجد كتابا لمحمد بن أحمد المكناسي معنون ب" بغية الطلاب في شرح منية الحساب" والذي تم إصداره سنة 1513م، ومن كتب علم التنجيم يُعرض كتاب " الزيج القويم في فنون التعديل والتقويم" لمؤلفه محمد بن ابراهيم الأوسي في سنة 1292م، أما في الطب فتعرض المكتبة كتابا يحمل اسم" العمدة في صناعة الجراحة" لكاتبه أبي الفرج بن يعقوب. إضافة غلى العديد من الكتب في الفلاحة واالكيمياء والرياضيات. ولا عجب أن يخلف العلماء المسلمون كمّا كبيرا من الكتب العلمية، فقد كانت المكتبات المَلَكِية والخاصة والعامة منتشرة في البلدان الإسلامية. كما أن تجارة الكتب والنِّساخة كانت رائجة، وكانت كل طبقات المجتمع الإسلامي تقتني الكتب والتي كان الإقبال عليها منقطع النظير. ويرجع سبب هذا الرواج إلى ازدهار صناعة الورق بدمشق وسمرقند وبغداد . كما كانت المكتبات تتيح فرص الاستعارة الخارجية وكانت منتشرة في كل الولايات والمدن الإسلامية بدمشق والقاهرة وحلب وإيران ووسط آسيا وبلاد الرافدين والأندلس وشمال أفريقيا. مدن العالم الإسلامي العلمية: من أبرز لوحات معرض العلوم العربية والإسلامية إبان عصرها الذهبي لوحة تبرز أهم المدن العلمية التاريخية في ظلال الحكم الإسلامي، كالكوفة وحلب والبصرة ودمشق والقاهرة والرقة والعسكر والقطائع والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر ودمشق وسمرقند وحيدر أباد وبخارى وإشبيلية وقرطبة ومرسية وسراييفو وأصفهان وقرطاج والاسكندرية والقدس ولاهور ونيسابور وغيرها كثير من المدن الإسلامية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عن ذكر مدينة بغداد التي كانت تعتبر العاصمة العلمية والثقافية الأبرز في العالم والتي كانت تضم الآلاف من الكتب والمخطوطات. كما أنشأ فيها الخليفة العباسي المأمون بيتا أسماه "بيت الحكمة" ليكون بذلك أكاديمية للبحث العلمي ببغداد وتحت رعايته الشخصية. كما أقام بها مرصدا ومكتبة ضخمة، وجمع المأمون المخطوطات من كل أنحاء الدنيا لتترجم علومها، وكان يشجع الدارسين مهما تنوعت دراستهم. الطب والمارستانات: كان العرب يطلقون اسم مارستان على المستشفيات وهو اسم من أصل فارسي ويعني " بيت المرضى"، وبني أول مستشفى في العهد إسلامي خلال القرن الثامن الميلادي في مدينة بغداد وقد بناه الخليفة العباسي هارون الرشيد. وبعدها تعددت المستشفيات وكثرت بسرعة كبيرة في المدن الإسلامية الكبيرة على الخصوص، ويضم المعرض رسومات توضيحية وتشريحية للجهاز الهضمي وللدورة الدموية وللهيكل العظمي ومخطوطات للجنين في بطن أمه ورسومات ولوحات للمشارط وأدوات الجراحة الطبية التي تشبه إلى حد كبير المشارط الحديثة. ومن أبرز الكتب الطبية نجد " قانون الطب" لابن سينا و"الجراحة" للزهراوي وغيرها. دعوة لاسترجاع أمجاد الماضي: من المعلوم أن العرب والمسلمين كان لهم السبق في اكتشافات علمية رائدة وهائلة في كل مجالات العلوم المتنوعة. كما كانت لهم إسهامات رائدة في إنشاء علوم جديدة أصبحت أساس العلوم الحديثة الآن حيث أنهم أصحاب الفضل في بناء علوم وحضارة الغرب، إلا أن من قرأ عن هذه الاكتشافات ليس كمن عاد به الزمن إلى الوراء وسط مخطوطات وكتب وخرائط ورسومات وبوصلات...وأحس بالحاجة الماسة إلى خلق صلة وصل بين الحاضر والماضي عن طريق عودة العرب والمسلمين إلى اعتلاء أمجاد البحث والتقدم العِلميين من جديد. ومن المقرر أن يمتد هذا المعرض إلى غاية 23 يونيو المقبل، على أن يسافر بمخطوطاته ولوحاته عبر ربوع المملكة خلال الأشهر القليلة القادمة ومن تمت إلى بقية البلدان العربية.