أعاد تقرير كريستوفر روس الأخير ملف نزاع الصحراء الى الواجهة . فمنذ توليه مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء لم يتمكن روس سوى من تهيئ خمس جولات من المباحثات غير الرسمية بين الأطراف من بين تسع جولات لحد الآن لم تسفر عن أي تقدم في مسار التفاوض . و يرجع فشله في القيام بمهامه الى مجموعة من الأخطاء التي طالت مقاربته لتدبير التفاوض بين الأطراف. و يمكن اجمال أهم هذه الأخطاء في ستة أخطاء رئيسية : الخطأ الأول يتعلق بعدم استفادة روس من تجربة سابقيه ، فالهولندي فان والسوم الذي تولى مهام المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة في الصحراء منذ 2005 إلى أن خلفه روس في يناير 2009 أشرف على أربع جولات للتفاوض بين الأطراف في منها ست ، واعتبر بعد تحليل عميق أن خيار استقلال الصحراء غير واقعي و يتعين تجاوزه ، و هي نفس القناعة التي عبر عنها سابقه اريك جونسن الذي ترأس لجنة تحديد الهوية منذ 1993 و تولى مهام الممثل الخاص للامين العام إلى غاية 1997 حيث اعتبر وهو يقدم شهادته أمام اللجنة الرابعة في أكتوبر 2008 أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء تشكل خطوة مهمة نحو حل نزاع الصحراء وأنه يتعين على البوليساريو التخلي عن بعض طموحاته. لكن روس تجاهل كل هذه الاستنتاجات التي لم يتوصل إليها أصحابها إلا بعد تجربة عميقة و تحليل موضوعي لملابسات النزاع و خلفياته وانحاز في كثير من اقتراحاته إلى قبول مناقشة اقتراح الاستفتاء ضمن الخيارات المطروحة دون أن يدرك أنه بذلك يعيد النزاع الى الصفر . الخطأ الثاني يتعلق بمحاولته تفسير أسباب تعثر المفاوضات بين الأطراف في رسالة سرية كان قد وجهها الى اسبانيا و أربع دول دائمة العضوية في مجلس الأمن هي الولاياتالمتحدةالأمريكية و أنجلترا و فرنسا و روسيا . لكن هذه الرسالة سرعان ما تم نشرها في جريدة الباييس الاسبانية في 20 غشت 2010 ، و قد ربط في رسالته هذه تعثر المفاوضات برفض المغرب دراسة و مناقشة مقترح البوليساريو بتنظيم الاستفتاء في الصحراء و هو خطأ فادح يكشف جانبا من مظاهر الاختلال التي تنطوي عليها مقاربة روس لتدبير المفاوضات بين الأطراف ، و هي مقاربة تتسم بطابعها السطحي و لا تسمح باستنتاج أن صاحبها يحمل تصورا محددا يمكن أن يساهم في دعم الخيارات المطروحة للتفاوض. فصاحب هذا الاقتراح يجهل طبيعة النزاع و خلفياته الحقيقية ، و هو أمر غير مقبول من وسيط أممي كان عليه أن يعلم أنه لا يمكن لمجرد القبول بمناقشة مقترح البوليساريو حول تنظيم الاستفتاء في الصحراء أن يكفل تفادي تعتر المفاوضات لكون الأمر أكثر تعقيدا من ذلك . فجبهة البوليساريو لو علمت أن المغرب سيقبل مناقشة مقترحها لتخلت عنه و طرحت مقترحات أخرى من أجل عرقلة التفاوض لكونها لا تتوفر على حرية اتخاذ القرار حتى تتفاوض بقناعة و تبصر حول ما يخدم مصالح سكان الصحراء. الخطأ الثالث يتعلق بعدم استخلاص روس للعبر من تطورات المعالجة الأممية لملف الصحراء ، ذلك أن مقترح تنظيم الاستفتاء في الصحراء ليس اقتراحا جديدا بل تداولته الأممالمتحدة قبل إحداث جبهة البوليساريو نفسها ، كما أنه شكل محورا أساسيا في مخطط التسوية الاممي الذي دخل حيز التنفيذ سنة 1991 . لكن ترتيبات تطبيقه واجهتها عراقيل متعددة خاصة تلك المتعلقة بتحديد هوية من لهم الحق في المشاركة في الاستفتاء ، الأمر الذي أدى إلى إيقاف أشغال لجن تحديد الهوية ، وبالتالي الإعلان الرسمي من طرف الأممالمتحدة عن فشل خيار الاستفتاء و دعوة مجلس الأمن في عدد من قراراته إلى تجاوز خيار الاستفتاء و البحث عن خيارات بديلة لتسوية النزاع بكيفية متفاوض بشأنها ومتوافق عليها من لدن الأطراف . و من تم فهو خيار متجاوز أمميا و سياسيا و واقعيا و لا يمكن لطرحه من جديد إلا العودة بالنزاع الى مراحله الأولى . الخطأ الرابع يتعلق بعدم تقدير جهود المغرب لكسر جمود المفاوضات ، ذلك أن روس ما فتئ يؤكد على عدم توفر الطرفين على الإرادة السياسية من أجل مفاوضات حقيقية. و في هذا التعميم إجحاف كبير في حق المغرب باعتباره دولة ذات سيادة و تنخرط في المفاوضات بحرية و استقلالية و حسن نية بل إنه بادر إلى كسر الجمود بطرح مبادرة الحكم الذاتي كأرضية للتفاوض و هي مبادرة جريئة و متميزة حظيت بتأييد واسع في المنتظم الدولي لكونها تتسم بالجدية و الواقعية و هي الوحيدة المطروحة على طاولة المفاوضات كما أكدت الخارجية الفرنسية مؤخرا على ذلك و هو ما تجاهله روس في استنتاجاته . كل ذلك يؤكد - على خلاف ادعاءات روس - الإرادة السياسية للمغرب لإيجاد تسوية نهائية للنزاع ، و من تم لا يمكن مقارنته مع البوليساريو التي تفتقر إلى حرية المبادرة و لا تتحرك إلا بتعليمات من الأجهزة الجزائرية. الخطأ الخامس يتعلق بعدم مراعاة التطورات التي تعرفها المنطقة نتيجة لتداعيات الربيع العربي و ما أفضى اليه من تحولات كبرى أمام استمرار الجزائر في استضافة مخيمات على أراضيها أصبحت بشهادة الجميع بؤرة للفساد و لمختلف أنواع الجريمة بما في ذلك المخدرات و التهريب و الاتجار في الأسلحة فضلا عن التلاعب في المساعدات الانسانية ، بل أنه بعد انهيار نظام القذافي أدى انتشار الأسلحة على نطاق واسع في منطقة الساحل الى تورط قوات البوليساريو في عمليات القاعدة في الغرب الاسلامي . و أمام خطورة الوضع بهذه المخيمات أصبح من غير الجائز استمرارها خارج القانون الدولي ، و عوض أن يهتم روس بالوضع الانساني المتدهور في هذه المخيمات و تحولها الى قاعدة خلفية لتهديد السلم و الأمن ، فانه استمر في التعامل مع الوضع بسلبية و انعدام الموضوعية و هو ما يتجلى بوضوح من خلال الخطأ الموالي. الخطأ السادس يتعلق بتخلي روس عن الحياد اللازم للقيام بمهام الوساطة الأممية ، و يتجلى ذلك من خلال توصيته في تقريره الأخير باتساع مهام بعثة المينورسو لتشمل رصد حقوق الانسان بالصحراء ، و هو ما يعتبر ابتعادا عن المهمة الأصلية لهذه البعثة المحددة فقط في مراقبة وقف اطلاق النار ، و قد تجاهل روس أن هذه المهمة تم تحديدها طبقا لمخطط الأممالمتحدة لتسوية النزاع ، و هو المخطط الذي حظي قبل وضعه حيز التنفيذ باتفاق جميع الأطراف ، و من تم لا يمكن طبقا لما يكرسه القانون الدولي توسيع مهام بعثاث حفظ السلام إلا بموافقة الأطراف المعنية. و فضلا عن هذا الاشكال القانوني لم يتسم اقتراح روس بالموضوعية لكونه في الوقت الذي يصرف فيه النظر عما تعيشه مخيمات تندوف من انتهاكات حقيقية فان اقتراحه يحول الأنظار عن هذا الواقع المزري الى حقوق الانسان بالأقاليم الموجودة تحت السيادة المغربية ، و هي في حالة عادية لا تختلف عما تعرفه مختلف الأقاليم المغربية الأخرى من اتساع لفضاء الحقوق و الحريات في ظل ما يتضمنه الدستور الجديد من مستجدات متطورة في هذا المجال. و هكذا فانه اذا كانت الديبلوماسية المغربية قد اتسمت بالمرونة و التساهل فيما يتعلق بالأخطاء الخمسة الأولى فان الخطأ السادس أفاض الكأس فعجل بسحب الثقة من روس لكون هذا الخطأ يشكل مسا خطيرا بسيادة المغرب و من تم لا يمكن التغاضي عنه ، و ما على روس أمام أخطائه الجسيمة الا تقديم استقالته ليفتح المجال لمبعوث جديد يحظى بثقة الأطراف و العمل بحياد تام على تقدم المفاوضات للتوصل الى تسوية سياسية متوافق عليها. فلا بد اليوم من التأكيد على أن إطالة النزاع المفتعل يؤدي الى استمرار المعاناة الإنسانية بمخيمات تندوف بسبب انغلاقها و تحويلها إلى سجن مفتوح يخضع لنظام عسكري صارم يعمل على مصادرة حرية التنقل و حرية التعبير و ارتكاب مختلف أشكال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان . كما أنه أمام انسداد الأفق و قمع الحريات و تدهور ظروف الكرامة الإنسانية أصبحت المخيمات مصدرا للتطرف و الأعمال الارهابية و هو ما يشكل خطرا حقيقيا يهدد الأمن و الاستقرار في المنطقة برمتها . و من تم لا يمكن تدبير ملف التفاوض بجرأة و حزم دون إدراك هذه الحقائق و ما يترتب عنها من أخطار إنسانية و أمنية. و في غياب ذلك لا يمكن لروس أو غيره النجاح في تقدم المفاوضات بما يكفل تسوية النزاع بكيفية عادلة و نهائية. *نائب برلماني