أحبه جدًا.. لقد ملك قلبي. من؟ "فلان".. حبيبي. ومن "فلان"؟! تعرفت عليه من خلال الماسينجر.. يقول: أنا معجب بأدبك ودينك. وكيف عرف أدبك ودينك؟ من الماسينجر.. إنه محترم جدًا وعلى خلق.. ويتمتع بذوق عالٍ.. ولديه أموال وشركات وعقارات.. وكيف عرفت أنه محترم وعلى خلق ولديه شركات وعقارات؟!! من الماسينجر.. إنه صريح جدًا معي!! وكيف تأكدت من صراحته؟!!... نعم.. نعم بالتأكيد من الماسينجر!! التطورات التقنية في حياتنا - والتي كان لها بالغ الأثر في توجيه الشعوب الإسلامية إلى الوجهة التي تريدها؛ نظرًا لأنها مستوردة, وغير خاضعة لتطويعنا ورقابتنا الشرعية, شئنا ذلك أم أبينا - تسير بنا نحو منحى خطير للغاية, فالثقافة العربية عامةً قد صبغت بهذه الصبغة العنكبوتية "الإنترنت", وتأثرت بها أيّما تأثُّر, فصارت الحياة - والتي من أهم عوامل بقائها الأسرة والزواج - خاضعة لاختيارات ومواصفات فتيان الماسينجر وفتيات الشات. الكلام الذي بدأنا به ليس من نسج الخيال, ولا من حواديث النساء؛ بل هو واقع وحقيقة, تحدثت به فتاة ترجو النصح, وترغب في حل لهذا المأزق الذي وضعت فيه نفسها؛ فقد حدث معها ما يتكرر كل يوم مئات المرات؛ مع مئات الفتيات في جميع أرجاء المعمورة, وهي لا تدري أهذا الشاب صادق في كلامه أم كاذب, وهل بالفعل يرغب في الزواج بها أم أن كلامه مجرد نزوة يضيع فيها الشاب وقته ويفرغ فيها شحنته العاطفية, وأتركها تروي قصتها بنفسها مع بعض التصرف مني: "تحدث إليّ الشاب وبدأ التعارف, وكان الأمر في البداية لا يعدو كونه حديثًا في الأمور الدينية البحتة,أو تناصحًا لتكميل أساسيات الدين, وكان كلما أكثر هو في الكلام تعلق به قلبي أكثر وأكثر.. حتى جاء في مرة وصرّح لي بحبه؛ بسبب أخلاقي الحسنة ولأنني أهتم بديني – هكذا زعم". تقول الفتاة: "أحسست أنه إنسان مهذب ومحترم, وعلى قدر من الالتزام, وصرنا نتحدث كل يوم حتى ارتبطت به ارتباطًا عاطفيًا شديدًا, ولا أستطيع الآن منع نفسي من التفكير فيه, ولا أدري هل ما فعلت صحيح أم غير صحيح". أقول: هذه هي النتيجة الحتمية لمثل هذه اللقاءات.. التعلق القلبي الشديد.. فكل من الطرفين يتحدث مع شخص لا يعرف عنه إلا ما يريد الطرف الآخر أن يظهره.. فقد تكون المسكينة قد وقعت في براثن ذئب بشري مغرق في التمثيل والنصب وهي لا تدري؛ فهو لا يُظهر لها سوى الكلمات البراقة والعبارات المنمقة الجذابة و"الأخلاق الحسنة" و"الالتزام بالدين" كما ذكرت هذه الفتاة, أما ما هو متصل بحياته – الحقيقية – وشكله وطوله وصفاته الخَلْقِية والخُلُقِيّة.. كل ذلك لا يعدو كونه "مجهولاً". والنفس الإنسانية شغوفة بذلك المجهول.. تحبه.. تعشقه.. تتعلق به.. حتى وإن كان هذا المجهول وهمًا أو سرابًا, وإنما تتكون لديها راحة نفسية مؤقتة تعتري القلب بتعلقها وانتمائها إلى ذلك المجهول. كل من الطرفين "الشاب والفتاة" ترتسم في ذهنيهما صورة مثالية لهذا القادم الجديد المجهول.. وسيم.. جميلة.. طويل.. قوامها فتان.. بيضاء.. متدين.. لا يتلفظ إلا بالحسن من الألفاظ والمقالات.. تحب تربية الأبناء وتقدّس الحياة الزوجية... ولا يدري كل منهما أنهما قد وقعا فريسة سهلة للشيطان.. يلعب برأسيهما.. ويزين لهما المعصية في لباس جميل مطرز باللؤلؤ والذهب.. فإذا نُزع هذا الغطاء فإذا بفاحشة الزنا قد لاحت في الأفق عياذًا بالله, أو على أقل تقدير صدمة عاطفية عنيفة للفتاة خاصة؛ لأنه لم يقبل الزواج منها بعدما رآها؛ فهي لم تكن على الصورة التي تخيلها, حتى وإن كانت مقبولة الشكل. وتلك هي المصيبة الكبرى؛ فالفتاة تعلقت بوهم هي التي رسمته وبالغت في مدحه والثناء عليه, حتى أصبح في عقلها اللاواعي حقيقة مطلقة ومسلّمة لا تقبل الجدال ولا النقاش, ومعروف أن تكرار عرض الصور على المخ – حتى وإن كانت غير حقيقية – يسهم بقدر كبير في تثبيتها كحقائق غير قابلة للزعزعة أو الاضطراب. إن العلاقة بين الشاب والفتاة على هذا النحو في غرف الدردشة أو الشات أو على الماسينجر لا تصح بأي حال من الأحوال, إلا لاستشارة أو استفتاء – بحسب ما ذكره أهل العلم – أما فتح الباب على الغارب لكل من هبّ ودبّ ليتجاذب أطراف الحديث ويمزح ويضحك ويروّح عن نفسه ويفرغ شحنته العاطفية... فكل هذا لغو وباطل.. وما بني على باطل فهو باطل.. فعلاقة كهذه يصعب أن يكتب لها البقاء والاستمرارية مادامت مبنية منذ بدايتها على مخالفة شرعية.. فما أدراني بأن الفتاة لم تتحدث مع غيري ولم تتعلق به كما تعلقت بي.. وما أدراني أنها لن تتعلق بغيري في المستقبل بسبب حديثه المنمق وكلامه المعسول.. هكذا يقول.. وتبدأ خيوط الشك والريبة تدب بين الشخصين, الأمر الذي يتسبب في فشل العلاقة [الزوجية] التي نشأت بينهما, هذا على افتراض حسن نية الشاب ورغبته في الزواج. فيا كل فتاة تؤمن برفعة الزواج ورسالته ودوره في المجتمع.. للزواج أسس ومعايير وأركان لابد أن ينبني عليها, وأهمها المعاينة المباشرة, فلا يكفي بأي حال من الأحوال سماع أحدكما لصوت الآخر, أو قراءة ما يكتبه, أو حتى مشاهدته على "الويب كاميرا", بل ينبغي على كل منكما المعاينة المباشرة والرؤية الحالية. وأيضًا أن يسلك الخاطب المسلك الشرعي لطلب الزواج.. لا أن يتلصص بالالتفاف حول أبيك وإخوتك كما اللص الذي ينتهك الحرمات ويسرق أعز ما في البيت.. فلتنتهِ هذه المهزلة الآن.. ولتنأي بنفسك عن مواطن الفتن.. فالمرأة المسكينة – خاصة المراهقة – تسيّرها عاطفتها, وغالبًا ما تغلب العاطفة فيها العقل؛ فتفكر وتزن الأمور بقلبها لا بعقلها, وليس ذلك لنقص فيها, بل تلك هي فطرتها التي فطرها الله بها لحكمة رفيعة سامية, وهي تربيتها لأولادها وخوفها عليهم.. وللأسف يستغل الشباب الفاسدون هذه الفطرة فيها ليغرروا بها ويفسدوها.. فلتُنهِ هذه العلاقة فورًا.. حتى وإن كان في ذلك ألم نفسي عليك.. فلابد أن تتجرعي مرارة الدواء.. حتى لا تصابي بعضال الداء.. وتصبّري وتذكّري قول الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال الأوزاعي: "ليس يوزن لهم ولا يكال؛ وإنما يغرف لهم غرفًا". نسأل الله السلامة والسداد في الأمور كلها. أما مواقع التزويج المنتشرة على الشبكة, فأرى أن يقتصر دورها – بعد التأكد من صدقية المشتركين بها والباحثين عن الزواج, وذلك بفرض التزامات صارمة على المشتركين لضمان الجدية وعدم التلاعب – أرى أن يقتصر دورها على مجرد التوفيق بين الباحثين ليقابل كل منهما الآخر ولا يكتفيان بمجرد التعارف على الشات أو الماسينجر, فإن افترضنا صحة نية الطرفين فلن نضمن الكذب أو التدليس من أحدهما سواء في الشكل أو الأخلاق أو الإمكانات المادية... أو غيره, وقد يحدث تعلق قلبي من خلال المحادثة دون أن يكون أحدهما مناسبًا للآخر, وهذا ليس قدحًا في تلك المواقع ولا تخوينًا لها, ولكن أخذًا للاحتياط؛ فإن بعض من يدخلونها قد يتخذونها مطية لتكوين علاقات آثمة مع الطرف الآخر.. أسأل الله الحفظ والهداية لشباب وبنات المسلمين.