الجريمة البشعة التي اهتزت لها مدينة المحمدية، بفعل جرائم متعددة تعرض لها جسم طفلة بريئة بدءا باغتصاب متوحش، إلى جريمة قتل أبشع، تطور لتقطيع الأطراف، ومحاولة طمس الجريمة برمي الأشلاء في مزابل المتراكمة في المساحات التي تفصل منزل الطفلة مريم عن مؤسستها التعليمية، قلنا هذه الجريمة التي تنضاف لمثيلاتها تسائلنا جميعا كمجتمع حول أسس الأمن الذي يجب علينا توفيره لحماية نفسية مجتمعنا من الاهتزازات الخطيرة التي أصبح يواجهها، وشخصيا لا أقف عند حدود الأمن المتعارف عليه، لأن هذا الجهاز يبذل ما استطاع من مجهود في ظل ظروف عامة تتطلب أنواعا أخرى من الأمن، وفي مقدمتها الأمن الروحي، والأمن الاجتماعي، والأمن التربوي، والأمن الأسري إلخ.... قلت لا أقف عند حدود الأمن بمفهومه التقليدي، لأن عالم اليوم أصبح يواجه خطر الجريمة، والانحراف من خلال محاولات اجتثاث أسبابها في المنبع، بتوفير الحدود الضرورية لمجتمع متكافئ الفرص من جهة، وسن قوانين صارمة فيما يخص كل ما يستهدف الحياة البشرية بصفة عامة، والطفولة بصفة خاصة، ولا أعتقد أن الجدل المثار حول قيمة إقرار عقوبة الإعدام من عدمه يمكنه أن يكون من الحلول المساهمة، خاصة وان الزوايا تختلف باختلاف المرجعيات الإديولوجية المؤثرة في المرجعية العقائدية، والتي تؤدي بنا لا قدر الله لمجتمع الانتقام المباشر المكرس لنوع من شريعة الغاب، وهو أمر علينا الانتباه إليه بكثير من الرزانة والحكمة. إن قضية مريم التي يمكن تصنيفها في خانة الطفولة المغتصبة، تحيي من جديد سؤال العلاقة بين الأسرة والمدرسة ومحيطها، والأدوار التي يجب أن يقوم بها كل طرف لتوفير نوعين هامين من الأمن: الأول وهو الأمن الروحي المبني على فضيلة تعاليم ديننا الإسلامي الوسطي المعتدل ، والمبني على تماسك المجتمع، وغرس الأخلاق الفاضلة، ولا يمكن تحقيق ذلك بواسطة أسر قد تكون مفككة، أو مهملة لواجبها في التربية الأسرية السليمة النشأة، أو نوع من المدرسة غير الواعية بدورها في تقديم نموذج في الممارسة المسؤولة، اتجاه فئات مجتمعية تشكل نصف الحاضر وكل المستقبل، وأيضا السهر على نظافة المحيط من كل ما من شأنه خلق سلوكات مجتمعية منحرفة مؤثرة في مجهودات الأسر أو المدرسة، ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف المتداخلة إلا بنوع من الصرامة القانونية في مواجهة كل ما يستهدف ناشئتنا من سلوكات قد تظهر في هذا المجال أو ذاك . الثاني وهو الأمن المجتمعي القائم على بذل مجهود إضافي لإعادة إدماج كل الذين تعرضوا لمسارات أسرية غير سوية ، أو يواجهون صعوبات مجتمعية لا توفر لهم الحد الأدنى من العيش الكريم ، وتضطرهم هذه الأوضاع إلى انحرافات قد تصبح قاتلة لهوية المجتمع، كما يجب أيضا محاربة كل حاملي الفكر العدمي ، أو التشكيكي في المعتقدات العقائدية والوطنية، وهي أهداف على صعوبة ترجمتها على أرض الواقع، فإنه ليس مستحيلا التعامل مع معطياتها للقضاء على نتائجها السلبية، ولو بصورة متدرجة تهدف إلى التقليل من حدة الآثار السلبية وفق منظور متكامل ، مداه الحد منها وتسييجها بواسطة الردع القانوني المرفوق بالحرص على تربية سليمة، من خلال بناء نقاش مجتمعي صريح ومسؤول ، فيه مكاشفة للذات المجتمعية بدون أي نفاق، أو استغلال أو تجني . قد تكون هذه بعض الأفكار التي يمكن تطويرها ، وتجويدها من خلال نقاش وطني أصبح ضرورة ملحة حول ظاهرة الجريمة ضد الطفولة ببلادنا ، نقاش وطني ننطلق فيه من مسؤولياتنا المجتمعية المشتركة ، بعيدا عن كل محاولات التملص أو خلق نوع من الفرجوية المؤلمة التي نعيشها بين الفينة والأخرى، في قضايا تستحق مقاربات من نوع جديد ، وتقدم إضافات للحد من ظواهر كثيرة ، عوض الاكتفاء بصور نمطية تفقد قيمتها لأنها تكون مناسباتية ، تنتهي بانتهاء لحظتها، وذلك ما لا نريده لوطننا ومجتمعنا، لأن الطفلة مريم رحمها الله وقبلها الكثير من الأطفال ، لم ترزء فيهم أسرهم فقط ، بل المجتمع برمته، وهو رزء في آفاق مستقبلية غير واضحة المعالم ، وأخطر ما يمكن أن يعيشه المجتمع هو هذا النوع من الرعب المجتمعي الصامت، في غياب وقفة حازمة تمكن من مواجهة ظاهرة يمكنها أن تتكرر في كل مكان، وفي كل لحظة ، وتستهدف كل الأسر. أمن طفولتنا المغتصبة مسؤوليتنا الجماعية التي لا تقبل التردد في الحزم لبتر جذورها وأسبابها ، لخطورتها على حاضر ومستقبل الأمة.