في غمرة الصراعات الصغيرة هنا وهناك، وفي غمار الحياة الملأى بالأعطاب والملذات، وبالهزائم والانتصارات(...) ينسى –أو يتناسى- المربون والآباء، والمثقفون والفنانون... الرسالة الفنية الملقاة على عواتقهم، والأمانة الجمالية التي يحملونها على كواهلهم. فلا تدمع العيون ولا تدمى القلوب حين ترى أطفالا ومراهقين وشبابا، يتبادلون السكاكين كما لو أنهم يتبادلون أحذية رياضية أو أقلام حبر ملونة. ويتعاطون أنواع المخدرات والبلايا (مما نعلم ولا نعلم)، كأنهم يلتهمون قطع شكولاطة أو يبتلعون ماء معدنيا. وهل من نفثت في قلبه إشارات الجمال منذ نعومة أظافره، وتذوق لذَات الفنون منذ صباه، وتربى على العيش في آفاق الإبداع الواسعة، يقدر بعد ذلك على التعنيف، والتسابق إلى أشهر سجن، أو تغييب العقل وتدمير الجسد والنفس؟ إننا في هذه المرحلة بالضبط، وأكثر من أي وقت مضى، في حاجة ماسة ومستعجلة إلى نشر ثقافة الإحساس بالجمال، وتذوق الفنون وتنمية قدرات ومهارات الإبداع. بين التلاميذ والطلبة في المدارس و الجامعات. ولدى القراء والمشاهدين على الصفحات والبرامج الثقافية، في الجرائد والمجلات والإذاعات والقنوات والمواقع الإلكترونية، وبين عموم الناس في المقاهي والملتقيات والمنتديات العامة. فالإبداع اليوم في المؤسسات التعليمية لا يزال دون تحقيق الفعالية والجاذبية المطلوبة رغم كل الجهود. ولا تزال تتجاذبه الآنية والتسرع في الكثير من المنابر الإعلامية. بينما تتمكن النمطية والتصنع في الكثير مما يعرض على شاشات التلفزيون وموجات الإذاعات. مما يستدعي تغييرا حقيقيا يضع الإبداع في واجهة الأحداث، ويمكن الفنون من مواقع الصدارة، وينشر الجمال في أعماق النفوس...فذلك هو الرهان، وتلك هي الرسالة. فحين تنتشر بيننا ثقافة الإحساس بالجمال، وتذوق الفنون، وإحكام صناعة الإبداع، آنذاك نستطيع – وبكل اطمئنان- أن نكتب القصيدة ونمشي، وأن نرسم اللوحة ونمشي، وأن ننتج اللحن و نخرج الفيلم ونمشي، بل أن نلقي السلام ونمشي... لأن قراءة القصيدة ستفرز أجمل القصائد وأروع القصص، وتلقي اللوحة ستنبجس من خلاله أبدع اللوحات، ومشاهدة الفيلم أو سماع اللحن ستنتج عنه أبرع الأغاني وأجود الأفلام... أما السلام فستنفرج من خلاله عوالم السلم والأخوة والمحبة. فحين نحس بالجمال ونتذوق الإبداع يحذونا شعور جميل بالمحبة، وحين نحب نقضي على الكراهية والعنف والحقد. ذلك هو مجتمع الجمال والجلال، يتناسل أثناءه الإبداع، وتراق على جوانبه مشاعر الحب والسلام. فيتبادل خلاله الأطفال الأشعار والروايات، ويتسابق الشباب لمشاهدة آخر الأفلام والاستمتاع بأعذب الألحان، ويتداول فيه عامة الناس في شأن الأعمال الفنية العظيمة... وفي انتظار ذلك لتتسع صدورنا، لأننا لم نضع رسالة الفن وأمانة الجمال على رأس اهتماماتنا.... [email protected]