يعتبر التراث المادي مكونا أساسيا من وجود وتجليات الثقافة الأمازيغية بالمغرب، حيث أنه إضافة إلى مختلف أشكال التعبير الرمزي التي أنتجتها هذه الثقافة كالموسقى والغناء والتراث الشفاهي...، ثمة إنتاجات مادية هامة مرتبطة بمجالات المعمار والأدوات والنقوش والتعابير التشكيلية، تعزز القيمة التاريخية والخصائص الحضارية للعمق الأمازيغي للمغرب- ينظر كتابنا: النار والأثر، الرمزي والمتخيل في الثقافة الأمازيغية، 2006-. ونعلم أن السياسة الثقافية والأثرية في البلاد تعكس الإختيارات الإيديولوجية للدولة، حيث أن تصنيف المباني التاريخية والمواقع الأثرية والمناطق... ضمن التراث الوطني هو إجراء يدخل ضمن هذه الاختيارات انطلاقا من التصور الرسمي للتاريخ، ولأسس الثقافة والحضارة الوطنية والرهانات الرمزية والإيديولوجية المرتبط بالسياسة الثقافية. وإذا توقفنا عند الجرد الرسمي الذي تقدمه وزارة الثقافة للتراث الوطني – حسب الموقع الإلكتروني الرسمي للوزارة-، نجد أن تصنيف المباني التاريخية والمناطق والمواقع المرتبة في عداد الآثار بالمغرب، يعكس إلى حد ما الوضعية الدونية للأمازيغية وأبعادها وتجلياتها المادية والحضارية داخل المقاربة والسياسة الثقافية السائدة. فعندما نتفحص هذا التصنيف الذي يتراوح بين المعطى العلمي والتاريخي والتوظيف أو الانتقاء الرمزي والسياسي، نلقى بأنه يشمل جل الأقاليم والجهات بالمغرب باستثناء منطقة الريف، حيث أنه رغم الأهمية التاريخية لهذه الجهة، ومختلف الأحداث المرتبطة بها، فإن تنقيبات البحث الأركيولوجي ومعاينات التصنيف التراثي لم تهتم بالعديد من المقابر والمباني والمواقع الأثرية والمناطق الجيولوجية والبيئية... التي تحظى بقيمة ثقافية وتاريخية هامة، وتتطلب الإقرار بها وصيانتها كذاكرة وتراث وطني. وعلى خريطة التراث المصنف وطنيا في الجهات الأخرى، نجد بأن العديد من المواقع الأثرية الأمازيغية، خاصة النقوش الصخرية والقبور الأثرية والأدوات والخزفيات...، لا تدخل ضمن هذا التصنيف مما يضعها خارج الحماية القانونية والمحافظة الأثرية والإقرار التاريخي والثقافي وبالتالي السياسي بقيمتها ومكانتها. فباستثناء النقوش الصخرية لموقع أوكايمدن، فبقية هذه المواقع والآثار بالشمال وسوس والصحراء بقيت عرضة للإهمال والتخريب والتهريب، مما يشكل استخفافا ثقافيا بقيمتها التاريخية والحضارية، ومسا رمزيا وماديا بالذاكرة الأمازيغية والعمق الحضاري الوطني. ونفس الملاحظة والوضع يطال المباني التاريخية، حيث أنه مقابل الاهتمام والتركيز الذي تحظى به مختلف المباني والقناطر والأضرحة والأسوار التي أنجزت في المراحل الحديثة وصنفت بالعشرات في عداد التراث الوطني، كما في فاس والرباط، نلقى بأن قصبات توريرت بورززات وموحى أوحمو بخنيفرة هي التي استفادت من هذا التصنيف، ويبقى العديد من هذه المباني والمناطق الأثرية الأمازيغية عرضة للإهمال والتدمير، وبالتالي الانمحاء من مجالنا الحضاري المادي والرمزي. إضافة إلى بعض التجاوزات التي سجلت خلال السنوات الأخيرة من خلال التدمير المباشر لبعض الآثار، كتخريب قبور تاريخية تعود إلى ما قبل الميلاد في منطقة معروفة كموقع أثري بإقليم طانطان. ولعله من التحولات الايجابية التي لوحظت خلال السنوات الأخيرة اضطلاع المعهد الوطني للتراث وعلوم الآثار بعمليات تنقيب في عدة مناطق أفضت إلى اكتشافات عديدة، كمقبرة إيفري نعمر أو موسى بإقليم الخميسات، والتي يعود تاريخها إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد. وأسفرت الدراسات والتحاليل التي صاحبت التنقيب على أن هذا الاكتشاف هو الأول من نوعه في شمال إفريقيا، وأن مختلف الأدوات المصنوعة من العظام والنحاس والرصاص وبقايا الفخار واستعمال الملح، وأشكال العناية والتنظيم الفني التي استعملت في الدفن...، كلها معطيات تدل على تقدم ورفاهية سكان المنطقة خلال هذه الفترة التاريخية. وإذا علمنا بأن جل عمليات تصنيف الآثار والمواقع كانت تتم تحت مراقبة وزارة الداخلية وتخضع للهاجس الأمني، سواء إيديولوجيا أو إداريا، وأن عدم إتاحة البحث الأركيولوجي خلال الثلاثين سنة الماضية إمكانيات العمل والتنقيب كان إجراء سياسيا بهدف التعتيم وتعزيز الرواية التاريخية الرسمية والتصور الهوياتي المحرف، فإن من المؤكد أن مسلسل المصالحة مع الثقافة الأمازيغية الذي هو مصالحة مع الذات والعمق التاريخي والحضاري للمغرب، يتطلب أيضا إنصاف التراث المادي الأمازيغي بتصنيفه في عداد الآثار الوطنية، لحفظه وصيانته وإبراز قيمته الرمزية والحضارية كذاكرة وطنية.