قال لي صاحبي وهو يحاورني : إني سائلك سؤالا وأرجو من الله بل أستحلفك بالله أن تصدقني القول وأن تبتعد فيه قدر الإمكان عن مجاز لا يدرك المعنى منه ، وأن تنأى في الإجابة عن الدخول بي في متاهات لا يقدر عقل مثلي عن الخروج منها بنفع أواستفادة . * قلت له بلسان المستغربين : قد أفزعتني !!! فاطرح سؤالك أرضا ، ولن تجد مني إلا الصدق طولا وعرضا . قال : أتدعو للسلطان أم تدعو عليه ؟؟؟ ... في الحقيقة هذه أول مرة يسألني أحدهم هذا النوع من الأسئلة " المخابراتية "، لذلك استغربت من استفسار صاحبي وتعجبت له ، ولأن هذا السؤال استفزني ، أجبته على غير عاداتي بسؤال مساوٍ له في المقدار مضاد له في الاتجاه . * قلت له : وماذا لو كنت ممن يدعون عليه ؟؟؟ ماذا سأستفيد في نظرك ؟؟؟ صمت قليلا ، في محاولة منه لدحض سؤالي فقال : أنا فقط أردت معرفة رأيك ، وأعتذر منك إن تجاوزت حدي معك . * قلت : هون عليك يا صاحبي ، وإليك مني جواب السؤال بصدق وتبيان . أنا أدعو لجميع السلاطين والحكام والأمراء وولاة الأمور بالصلاح والتوفيق والسداد والهداية والرشد الدائم والبطانة الصالحة التي تعينهم على فعل الخيرات وخدمة شعوبهم وأوطانهم بما يرضي الله عزوجل ويتوافق وما للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والمساواة من معان وأبعاد وتجليات ، أدعو لهم بمثل هذا وزيادة ، ولا أدعو على أحد منهم إلا إذا أمسى يحاكي وينافس المغضوب عليه في سوريا " بشار الغدار " ، ولا أرتكب في دعائي لهم بالصلاح بدعة ملعونة ،أو ضلالة مسمومة ، بل أعتقد أنني أستن بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، وما قصته مع ملك الجبال يوم الطائف ولا رده على اقتراحه العقابي لقومه بقوله عليه الصلاة والسلام : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا ،إلا دليل أحسب أنه يصلح للاستدلال به في هذا الباب . إنني يا صاحبي حين أنتقد الحكام والسلاطين في زماننا ، وأعيب عليهم طريقة حكمهم وتسييرهم لشؤون أوطاننا ، وأكتب عنهم بدل الكلمة ألفا ، وأعارضهم كلما انحرفوا عن سكة الصواب ، وأهجوهم بالشعر والنثر كلما سعوا في الأرض فسادا وإفسادا ، ثم أدعو لهم بالصلاح والهداية سرا وجهرا فلا يعد هذا في نظري نفاقا ولا تقية ولا مراوغة ولا خداعا ولا انفصام شخصية ، بل أعتقد أنني أخطو على خطى الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، فهو الذي كان يدعو لقومه بالهداية بمناسبة وبغير مناسبة ، وهو الذي لطالما ردد في محطات إيذاء " الكافرين " له دعوة اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون . يا صاحبي ماذا ستسفيد من الدعاء عليهم بالويل والثبور وتحطيم القصور عليهم وعلى من والاهم من جار ومجرور ؟؟؟ حتما لن تستفيد شيئا ، وفي المقابل ألا تكون بدعائك لهم بالخير حتى وإن كانوا طغاة وظالمين ومستبدين متمسكا بتعاليم الدين الإسلامي وأوامر القرآن الذي يقول فيه ربنا عز وجل: (( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )) ؟؟؟ ألا تكون مطبقا لمقاصد الشريعة الإسلامية المبنية جملة وتفصيلا على جلب المصالح ودرء المفاسد ؟؟؟ أو ليس من المصلحة أن يكون حاكمك هاديا مهديا يرى بنور الله ويسير وفق ما يرضي الله ولا يأتمر إلا بأمر الله ؟؟؟ وأنى لك ذلك إن كنت تدعو عليه بالشر والسوء ؟؟؟ يا صاحبي أنا أدعو للسلاطين والحكام وولاة الأمور في زماننا ولا أدعو عليهم ، وأعتبر دعائي لهم أمرا بالمعروف من غير منكر ونهيا عن المنكر بمعروف ، ولله در من قال ممن سبقونا في الإسلام والإيمان ممن نعتبرهم خير سلف : " لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان " . فاصرف دعوة الخير في السلطان . فربما تعود بالخير على الإنسان والعمران . وربما يستجيب الله لك فتكون من الذين ينفعون أوطانهم ولو بدعوة صالحة . والله أعلم . http://www.goulha.com